عطف على قوله : حرمت عليكم أمهاتكم وما بعده ، وبذلك تلتئم الجمل الثلاث في الخبرية المراد بها الإنشاء ، وفي الفعلية والماضوية .
قرأ الجمهور : وأحل لكم بالبناء للفاعل ، والضمير المستتر عائد إلى اسم الجلالة من قوله : كتاب الله عليكم .
وأسند التحليل إلى الله تعالى إظهارا للمنة ، ولذلك خالف طريقة إسناد التحريم إلى المجهول في قوله : حرمت عليكم أمهاتكم لأن التحريم مشقة فليس المقام فيه مقام منة .
وقرأ حمزة ، ، والكسائي وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر : ( وأحل ) بضم الهمزة وكسر الحاء على البناء للنائب على طريقة حرمت عليكم أمهاتكم .
[ ص: 8 ] والوراء هنا بمعنى ( غير ودون ) كقول النابغة :
وليس وراء الله للمرء مذهب
وهو مجاز ; لأن الوراء هو الجهة التي هي جهة ظهر ما يضاف إليه . والكلام تمثيل لحال المخاطبين بحال السائر يترك ما وراءه ويتجاوزه .والمعنى : أحل لكم ما عدا أولئكم المحرمات ، وهذا أنزل قبل تحريم ما حرمته السنة نحو ، ونحو لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها . يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
وقوله : أن تبتغوا بأموالكم يجوز أن يكون بدل اشتمال من ( ما ) باعتبار كون الموصول مفعولا لـ ( أحل ) والتقدير : أن تبتغوهن بأموالكم فإن ، فالعقد هو مدلول ( تبتغوا ) وبذل المهر هو مدلول ( بأموالكم ) ورابط الجملة محذوف : تقديره أن تبتغوه ، والاشتمال هنا كالاشتمال في قول النساء المباحات لا تحل إلا بعد العقد وإعطاء المهور النابغة :
مخافة عمرو أن تكون جياده يقدن إلينا بين حاف وناعل
و ( محصنين ) حال من فاعل ( تبتغوا ) أي محصنين أنفسكم من الزنى ، والمراد متزوجين على الوجه المعروف . و غير مسافحين حال ثانية ، والمسافح الزاني ، لأن الزنى يسمى السفاح ، مشتقا من السفح ، وهو أن يهراق الماء دون حبس ، يقال : سفح الماء . وذلك أن الرجل والمرأة يبذل كل منهما للآخر ما رامه منه دون قيد ولا رضا ولي ، فكأنهم اشتقوه من معنى البذل بلا تقيد بأمر معروف ; لأن المعطاء يطلق عليه السفاح . وكان الرجل إذا أراد من المرأة الفاحشة يقول لها : سافحيني ، فرجع معنى السفاح إلى التبادل وإطلاق العنان ، وقيل : لأنه بلا عقد ، فكأنه سفح سفحا ، أي صبا لا يحجبه شيء ، وغير هذا في اشتقاقه لا يصح ، لأنه لا يختص بالزنى .