[ ص: 23 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28975يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم .
استئناف من التشريع المقصود من هذه السورة . وعلامة الاستئناف افتتاحه بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يا أيها الذين آمنوا ) ومناسبته لما قبله أن أحكام المواريث والنكاح اشتملت على أوامر بإيتاء ذي الحق في المال حقه ، كقوله وآتوا اليتامى أموالهم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فآتوهن أجورهن فريضة وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا الآية ، فانتقل من ذلك إلى تشريع عام في الأموال والأنفس .
وقد تقدم أن الأكل مجاز في الانتفاع بالشيء انتفاعا تاما ، لا يعود معه إلى الغير ، فأكل الأموال هو الاستيلاء عليها بنية عدم إرجاعها لأربابها ، وغالب هذا المعنى أن يكون استيلاء ظلم ، وهو مجاز صار كالحقيقة . وقد يطلق على الانتفاع المأذون فيه كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، ولذلك غلب تقييد المنهي عنه من ذلك بقيد ( بالباطل ) ونحوه .
والضمير المرفوع بـ ( تأكلوا ) والضمير المضاف إليه ( أموال ) : راجعان إلى الذين آمنوا ، وظاهر أن المرء لا ينهى عن أكل مال نفسه ، ولا يسمى انتفاعه بماله أكلا ، فالمعنى : لا يأكل بعضهم مال بعض . والباطل ضد الحق ، وهو ما لم يشرعه الله ولا كان عن إذن منه ، والباء فيه للملابسة .
والاستثناء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلا أن تكون تجارة منقطع ، لأن التجارة ليست من
nindex.php?page=treesubj&link=33513أكل الأموال بالباطل ، فالمعنى : لكن كون التجارة غير منهي عنه . وموقع المنقطع هنا بين جار على الطريقة العربية ، إذ ليس يلزم في الاستدراك شمول الكلام السابق للشيء المستدرك ولا يفيد الاستدراك حصرا ، ولذلك فهو مقتضى الحال ، ويجوز أن يجعل قيد الباطل في حالة الاستثناء ملغى ، فيكون استثناء من أكل الأموال ويكون متصلا ، وهو يقتضي أن الاستثناء قد حصر إباحة أكل الأموال في التجارة ، وليس كذلك ، وأيا ما كان الاستثناء فتخصيص التجارة بالاستدراك أو بالاستثناء لأنها أشد أنواع أكل الأموال
[ ص: 24 ] شبها بالباطل ، إذ التبرعات كلها أكل أموال عن طيب نفس ، والمعاوضات غير التجارات كذلك ، لأن أخذ كلا المتعاوضين عوضا عما بذله للآخر مساويا لقيمته في نظره يطيب نفسه . وأما التجارة فلأجل ما فيها من أخذ المتصدي للتجر مالا زائدا على قيمة ما بذله للمشتري قد تشبه أكل المال بالباطل فلذلك خصت بالاستدراك أو الاستثناء . وحكمة إباحة أكل المال الزائد فيها أن عليها مدار رواج السلع الحاجية والتحسنية ، ولولا تصدي التجار وجلبهم السلع لما وجد صاحب الحاجة ما يسد حاجته عند الاحتياج . ويشير إلى هذا ما في الموطأ عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال في احتكار الطعام : ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف فذلك ضيف
عمر فليبع كيف شاء ويمسك كيف شاء .
وقرأ الجمهور :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلا أن تكون تجارة برفع ( تجارة ) على أنه فاعل لكان من كان التامة ، أي تقع . وقرأه
عاصم ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف بنصب ( تجارة ) على أنه خبر كان الناقصة ، وتقدير اسمها : إلا أن تكون الأموال تجارة ، أي أموال تجارة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29عن تراض منكم صفة لـ " تجارة " ، و ( عن ) فيه للمجاوزة ، أي صادرة عن التراضي وهو الرضا من الجانبين بما يدل عليه من لفظ أو عرف . وفي الآية ما يصلح أن يكون مستندا لقول
مالك من نفي خيار المجلس ؛ لأن الله جعل مناط الانعقاد هو التراضي ، والتراضي يحصل عند التبايع بالإيجاب والقبول .
وهذه الآية أصل عظيم في حرمة الأموال ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341515لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس . وفي خطبة حجة الوداع
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341516إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام .
وتقديم النهي عن أكل الأموال على النهي عن قتل الأنفس ، مع أن الثاني أخطر ، إما لأن مناسبة ما قبله أفضت إلى النهي عن أكل الأموال فاستحق التقديم لذلك ، وإما لأن المخاطبين كانوا قريبي عهد بالجاهلية ، وكان أكل الأموال أسهل عليهم ، وهم أشد استخفافا به منهم بقتل الأنفس ، لأنه كان يقع في مواقع الضعف حيث لا يدفع صاحبه عن نفسه كاليتيم والمرأة والزوجة . فآكل أموال هؤلاء في مأمن من التبعات
[ ص: 25 ] بخلاف قتل النفس ، فإن تبعاته لا يسلم منها أحد ، وإن بلغ من الشجاعة والعزة في قومه كل مبلغ ، ولا أمنع من كليب وائل ، لأن القبائل ما كانت تهدر دماء قتلاها .
[ ص: 23 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28975يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ .
اسْتِئْنَافٌ مِنَ التَّشْرِيعِ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ . وَعَلَامَةُ الِاسْتِئْنَافِ افْتِتَاحُهُ بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ أَحْكَامَ الْمَوَارِيثِ وَالنِّكَاحِ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَوَامِرَ بِإِيتَاءِ ذِي الْحَقِّ فِي الْمَالِ حَقَّهُ ، كَقَوْلِهِ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا الْآيَةَ ، فَانْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى تَشْرِيعٍ عَامٍّ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَكْلَ مَجَازٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ انْتِفَاعًا تَامًّا ، لَا يَعُودُ مَعَهُ إِلَى الْغَيْرِ ، فَأَكْلُ الْأَمْوَالِ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا بِنِيَّةِ عَدَمِ إِرْجَاعِهَا لِأَرْبَابِهَا ، وَغَالِبُ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ اسْتِيلَاءَ ظُلْمٍ ، وَهُوَ مَجَازٌ صَارَ كَالْحَقِيقَةِ . وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِذَلِكَ غَلَبَ تَقْيِيدُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِقَيْدِ ( بِالْبَاطِلِ ) وَنَحْوِهِ .
وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ بِـ ( تَأْكُلُوا ) وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ ( أَمْوَالٌ ) : رَاجِعَانِ إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُنْهَى عَنْ أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ ، وَلَا يُسَمَّى انْتِفَاعُهُ بِمَالِهِ أَكْلًا ، فَالْمَعْنَى : لَا يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ . وَالْبَاطِلُ ضِدُّ الْحَقِّ ، وَهُوَ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَلَا كَانَ عَنْ إِذْنِ مِنْهُ ، وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْمُلَابَسَةِ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ مُنْقَطِعٌ ، لِأَنَّ التِّجَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33513أَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ ، فَالْمَعْنَى : لَكِنْ كَوْنُ التِّجَارَةِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ . وَمَوْقِعُ الْمُنْقَطِعِ هُنَا بَيِّنٌ جَارٍ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، إِذْ لَيْسَ يَلْزَمُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ شُمُولُ الْكَلَامِ السَّابِقِ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَدْرَكِ وَلَا يُفِيدُ الِاسْتِدْرَاكُ حَصْرًا ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ مُقْتَضَى الْحَالِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ قَيْدُ الْبَاطِلِ فِي حَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مُلْغًى ، فَيَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ وَيَكُونَ مُتَّصِلًا ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ قَدْ حَصَرَ إِبَاحَةَ أَكْلِ الْأَمْوَالِ فِي التِّجَارَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَأَيًّا مَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَخْصِيصُ التِّجَارَةِ بِالِاسْتِدْرَاكِ أَوْ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ أَنْوَاعِ أَكْلِ الْأَمْوَالِ
[ ص: 24 ] شَبَهًا بِالْبَاطِلِ ، إِذِ التَّبَرُّعَاتُ كُلُّهَا أَكْلُ أَمْوَالٍ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ ، وَالْمُعَاوَضَاتُ غَيْرُ التِّجَارَاتِ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ أَخْذَ كِلَا الْمُتَعَاوِضَيْنِ عِوَضًا عَمَّا بَذَلَهُ لِلْآخَرِ مُسَاوِيًا لِقِيمَتِهِ فِي نَظَرِهِ يُطَيِّبُ نَفْسَهُ . وَأَمَّا التِّجَارَةُ فَلِأَجْلِ مَا فِيهَا مِنْ أَخْذِ الْمُتَصَدِّي لِلتَّجَرِ مَالًا زَائِدًا عَلَى قِيمَةِ مَا بَذَلَهُ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تُشْبِهُ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَلِذَلِكَ خُصَّتْ بِالِاسْتِدْرَاكِ أَوِ الِاسْتِثْنَاءِ . وَحِكْمَةُ إِبَاحَةِ أَكْلِ الْمَالِ الزَّائِدِ فِيهَا أَنَّ عَلَيْهَا مَدَارَ رَوَاجِ السِّلَعِ الْحَاجِيَّةِ وَالتَّحَسُّنِيَّةِ ، وَلَوْلَا تَصَدِّي التُّجَّارِ وَجَلْبُهُمُ السِّلَعَ لَمَا وَجَدَ صَاحِبُ الْحَاجَةِ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ . وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي احْتِكَارِ الطَّعَامِ : وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَذَلِكَ ضَيْفُ
عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ وَيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ بِرَفْعِ ( تِجَارَةٌ ) عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ لِكَانَ مِنْ كَانَ التَّامَّةِ ، أَيْ تَقَعُ . وَقَرَأَهُ
عَاصِمٌ ،
وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ بِنَصْبِ ( تِجَارَةً ) عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ النَّاقِصَةِ ، وَتَقْدِيرُ اسْمِهَا : إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً ، أَيْ أَمْوَالُ تِجَارَةٍ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ صِفَةٌ لِـ " تِجَارَةً " ، وَ ( عَنْ ) فِيهِ لِلْمُجَاوَزَةِ ، أَيْ صَادِرَةٌ عَنِ التَّرَاضِي وَهُوَ الرِّضَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ عُرْفٍ . وَفِي الْآيَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا لِقَوْلِ
مَالِكٍ مِنْ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ مَنَاطَ الِانْعِقَادِ هُوَ التَّرَاضِي ، وَالتَّرَاضِي يَحْصُلُ عِنْدَ التَّبَايُعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341515لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبٍ نَفْسٍ . وَفِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341516إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ .
وَتَقْدِيمُ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ ، مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ أَخْطَرُ ، إِمَّا لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ مَا قَبْلَهُ أَفْضَتْ إِلَى النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ فَاسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ لِذَلِكَ ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ كَانُوا قَرِيبِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ أَكْلُ الْأَمْوَالِ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ ، وَهُمْ أَشَدُّ اسْتِخْفَافًا بِهِ مِنْهُمْ بِقَتْلِ الْأَنْفُسِ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَقَعُ فِي مَوَاقِعِ الضَّعْفِ حَيْثُ لَا يَدْفَعُ صَاحِبُهُ عَنْ نَفْسِهِ كَالْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ وَالزَّوْجَةِ . فَآكِلُ أَمْوَالِ هَؤُلَاءِ فِي مَأْمَنٍ مِنَ التَّبِعَاتِ
[ ص: 25 ] بِخِلَافِ قَتْلِ النَّفْسِ ، فَإِنَّ تَبِعَاتِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ ، وَإِنْ بَلَغَ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْعِزَّةِ فِي قَوْمِهِ كُلَّ مَبْلَغٍ ، وَلَا أَمْنَعَ مِنْ كُلَيْبِ وَائِلٍ ، لِأَنَّ الْقَبَائِلَ مَا كَانَتْ تُهْدِرُ دِمَاءَ قَتْلَاهَا .