وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا عطف على جملة ( وما قتلوه ) وهذا الكلام إخبار عنهم ، وليس أمرا لهم ، لأن وقوع لام الابتداء فيه ينادي على الخبرية . و ( إن ) نافية و ( من أهل الكتاب ) صفة لموصوف محذوف تقديره : أحد .
والضمير المجرور عائد لعيسى : أي ليؤمنن بعيسى . والضمير في موته يحتمل أن يعود إلى أحد أهل الكتاب ، أي قبل أن يموت الكتابي ، ويؤيده قراءة إلا ليؤمنن به قبل موتهم . وأهل الكتاب يطلق على أبي بن كعب اليهود والنصارى ; فأما النصارى فهم مؤمنون بعيسى من قبل ، فيتعين أن يكون المراد بأهل الكتاب اليهود . والمعنى اليهود مع شدة كفرهم بعيسى لا يموت أحد منهم إلا وهو يؤمن بنبوته قبل موته ، أي ينكشف له ذلك عند الاحتضار قبل انزهاق روحه ، وهذه منة من الله بها على أن عيسى ، إذ جعل أعداءه لا يخرجون من الدنيا إلا وقد آمنوا به جزاء له على ما لقي من تكذيبهم ، لأنه لم يتمتع بمشاهدة أمة تتبعه . وقيل : كذلك النصراني عند موته ينكشف له أن عيسى عبد الله .
وعندي أن ضمير ( به ) راجع إلى الرفع المأخوذ من فعل ( رفعه الله إليه ) ، ويعم قوله ( أهل الكتاب ) اليهود ، والنصارى ، حيث استووا مع اليهود في اعتقاد وقوع الصلب .
[ ص: 25 ] والظاهر أن الله يقذف في نفوس أهل الكتابين الشك في صحة الصلب ، فلا يزال الشك يخالج قلوبهم ويقوى حتى يبلغ مبلغ العلم بعدم صحة الصلب في آخر أعمارهم تصديقا لما جاء به النبيء - صلى الله عليه وسلم - حيث كذب أخبارهم فنفى الصلب عن عيسى عليه السلام .
وقيل الضمير في قوله ( موته ) عائد إلى عيسى ، أي قبل موت عيسى ; ففرع القائلون بهذا تفاريع : منها أن موته لا يقع إلا آخر الدنيا ليتم إيمان جميع أهل الكتاب به قبل وقوع الموت ، لأن الله جعل إيمانهم مستقبلا وجعله قبل موته ، فلزم أن يكون موته مستقبلا ، ومنها ما ورد في الحديث : عيسى عليه السلام ينزل في آخر مدة الدنيا ليؤمن به أهل الكتاب ، ولا يخفى أن عموم قوله " أن وإن من أهل الكتاب " يبطل هذا التفسير : لأن الذين يؤمنون به على حسب هذا التأويل هم الذين سيوجدون من أهل الكتاب لا جميعهم .
والشهيد : الشاهد ; يشهد بأنه بلغ لهم دعوة ربهم فأعرضوا ، وبأن النصارى بدلوا ، ومعنى الآية مفصل في قوله تعالى يوم يجمع الله الرسل الآيات في سورة العقود .