nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28976_18085يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .
تصدير السورة بالأمر بالإيفاء بالعقود مؤذن بأن سترد بعده أحكام وعقود كانت عقدت من الله على المؤمنين إجمالا وتفصيلا ، ذكرهم بها لأن عليهم الإيفاء بما عاقدوا الله عليه . وهذا كما تفتتح الظهائر السلطانية بعبارة : هذا ظهير كريم يتقبل بالطاعة والامتثال . وذلك براعة استهلال .
فالتعريف في العقود تعريف الجنس للاستغراق ، فشمل العقود التي عاقد المسلمون عليها ربهم وهو الامتثال لشريعته ، وذلك كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به ، ومثل ما كان يبايع عليه الرسول المؤمنين أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا ، ويقول لهم : فمن وفى منكم فأجره على الله .
وشمل العقود التي عاقد المسلمون عليها المشركين ، مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2ولا آمين البيت الحرام . ويشمل العقود التي يتعاقدها المسلمون بينهم .
والإيفاء هو إعطاء الشيء وافيا ، أي غير منقوص ، ولما كان تحقق ترك النقص لا يحصل في العرف إلا بالزيادة على القدر الواجب ، صار الإيفاء مرادا منه عرفا العدل ، وتقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=173فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم في سورة النساء .
nindex.php?page=treesubj&link=27630والعقود جمع عقد بفتح العين ، وهو الالتزام الواقع بين جانبين في فعل ما . وحقيقته أن العقد هو ربط الحبل بالعرورة ونحوها ، وشد الحبل في نفسه أيضا عقد . ثم استعمل مجازا في الالتزام ، فغلب استعماله حتى صار حقيقة عرفية ، قال
الحطيئة :
[ ص: 75 ] قوم إذا عقدوا عقدا لجـارهـم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
فذكر مع العقد العناج وهو حبل يشد القربة ، وذكر الكرب وهو حبل آخر للقربة ; فرجع بالعقد المجازي إلى لوازمه فتخيل معه عناجا وكربا ، وأراد بجميعها تخييل الاستعارة . فالعقد في الأصل مصدر سمي به ما يعقد ، وأطلق مجازا على التزام من جانبين لشيء ومقابله ، والموضع المشدود من الحبل يسمى عقدة . وأطلق العقد أيضا على الشيء المعقود إطلاقا للمصدر على المفعول ; فالعهود عقود ، والتحالف من العقود ، والتبايع والمؤاجرة ونحوهما من العقود ، وهي المراد هنا . ودخل في ذلك الأحكام التي شرعها الله لأنها كالعقود ، إذ قد التزمها الداخل في الإسلام ضمنا ، وفيها عهد الله الذي أخذه على الناس أن يعبدوه ولا يشركوا به .
ويقع
nindex.php?page=treesubj&link=27630العقد في اصطلاح الفقهاء على إنشاء تسليم أو تحمل من جانبين ; فقد يكون إنشاء تسليم كالبيع بثمن ناض ، وقد يكون إنشاء تحمل كالإجارة بأجر ناض ، وكالسلم والقراض ; وقد يكون إنشاء تحمل من جانبين كالنكاح ، إذ المهر لم يعتبر عوضا وإنما العوض هو تحمل كل من الزوجين حقوقا للآخر . والعقود كلها تحتاج إلى إيجاب وقبول .
والأمر بالإيفاء بالعقود يدل على وجوب ذلك ، فتعين أن إيفاء العاقد بعقده حق عليه ، فلذلك يقضى به عليه ، لأن العقود شرعت لسد حاجات الأمة فهي من قسم المناسب الحاجي ، فيكون إتمامها حاجيا ; لأن مكمل كل قسم من أقسام المناسب الثلاثة يلحق بمكمله : إن ضروريا ، أو حاجيا ، أو تحسينا . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341601المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا .
فالعقود التي اعتبر الشرع في انعقادها مجرد الصيغة تلزم بإتمام الصيغة أو ما يقوم مقامها ، كالنكاح والبيع . والمراد بما يقوم مقام
[ ص: 76 ] الصيغة نحو الإشارة للأبكم ، ونحو المعاطاة في البيوع . والعقود التي اعتبر الشرع في انعقادها الشروع فيها بعد الصيغة تلزم بالشروع ، كالجعل والقراض . وتمييز جزئيات أحد النوعين من جزئيات الآخر مجال للاجتهاد .
وقال
القرافي في الفرق التاسع والمائتين : إن أصل العقود من حيث هي اللزوم ، وإن ما ثبت في الشرع أو عند المجتهدين أنه مبني على عدم اللزوم بالقول فإنما ذلك لأن في بعض العقود خفاء الحق الملتزم به فيخشى تطرق الغرر إليه ، فوسع فيها على المتعاقدين فلا تلزمهم إلا بالشروع في العمل ، لأن الشروع فرع التأمل والتدبر . ولذلك اختلف المالكية في عقود المغارسة والمزارعة والشركة هل تلحق بما مصلحته في لزومه بالقول ، أو بما مصلحته في لزومه بالشروع . وقد احتج في الفرق السادس والتسعين والمائة على أن أصل العقود أن تلزم بالقول بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أوفوا بالعقود وذكر أن المالكية احتجوا بهذه الآية على إبطال حديث : خيار المجلس ; يعني بناء على أن هذه الآية قررت أصلا من أصول الشريعة ، وهو أن مقصد الشارع من العقود تمامها ، وبذلك صار ما قررته مقدما عند
مالك على خبر الآحاد ، فلذلك لم يأخذ
مالك بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=10341602 " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " .
واعلم أن العقد قد ينعقد على اشتراط عدم اللزوم ، كبيع الخيار ، فضبطه الفقهاء بمدة يحتاج إلى مثلها عادة في اختيار المبيع أو التشاور في شأنه .
ومن العقود المأمور بالوفاء بها عقود المصالحات والمهادنات في الحروب ، والتعاقد على نصر المظلوم ، وكل تعاقد وقع على غير أمر حرام ، وقد أغنت أحكام الإسلام عن التعاقد في مثل هذا إذ أصبح المسلمون كالجسد الواحد ، فبقي الأمر متعلقا بالإيفاء بالعقود المنعقدة في الجاهلية على نصر المظلوم ونحوه : كحلف الفضول . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341603أوفوا [ ص: 77 ] بعقود الجاهلية ولا تحدثوا عقدا في الإسلام . وبقي أيضا ما تعاقد عليه المسلمون والمشركون كصلح
الحديبية بين النبيء - صلى الله عليه وسلم -
وقريش . وقد روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341604أن فرات بن حيان العجلي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حلف الجاهلية فقال : لعلك تسأل عن حلف لجيم وتيم ، قال : نعم ، قال : لا يزيده الإسلام إلا شدة . قلت : وهذا من أعظم ما عرف به الإسلام بينهم في الوفاء لغير من يعتدي عليه . وقد كانت
خزاعة من قبائل العرب التي لم تناو المسلمين في الجاهلية ، كما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم في سورة آل عمران .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28976_18085يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .
تَصْدِيرُ السُّورَةِ بِالْأَمْرِ بِالْإِيفَاءِ بِالْعُقُودِ مُؤْذِنٌ بِأَنْ سَتَرِدُ بَعْدَهُ أَحْكَامٌ وَعُقُودٌ كَانَتْ عُقِدَتْ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا ، ذَكَّرَهُمْ بِهَا لِأَنَّ عَلَيْهِمُ الْإِيفَاءَ بِمَا عَاقَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ . وَهَذَا كَمَا تُفْتَتَحُ الظَّهَائِرُ السُّلْطَانِيَّةُ بِعِبَارَةِ : هَذَا ظُهَيْرٌ كَرِيمٌ يُتَقَبَّلُ بِالطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ . وَذَلِكَ بَرَاعَةُ اسْتِهْلَالٍ .
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْعُقُودِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، فَشَمَلَ الْعُقُودَ الَّتِي عَاقَدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا رَبَّهُمْ وَهُوَ الِامْتِثَالُ لِشَرِيعَتِهِ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ، وَمِثْلِ مَا كَانَ يُبَايِعُ عَلَيْهِ الرَّسُولُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا ، وَيَقُولُ لَهُمْ : فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ .
وَشَمَلَ الْعُقُودَ الَّتِي عَاقَدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا الْمُشْرِكِينَ ، مِثْلَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ . وَيَشْمَلُ الْعُقُودَ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ .
وَالْإِيفَاءُ هُوَ إِعْطَاءُ الشَّيْءِ وَافِيًا ، أَيْ غَيْرِ مَنْقُوصٍ ، وَلَمَّا كَانَ تَحَقُّقُ تَرْكِ النَّقْصِ لَا يَحْصُلُ فِي الْعُرْفِ إِلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ ، صَارَ الْإِيفَاءُ مُرَادًا مِنْهُ عُرْفًا الْعَدْلُ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=173فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمُ أُجُورَهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ .
nindex.php?page=treesubj&link=27630وَالْعُقُودُ جَمْعُ عَقْدٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَهُوَ الِالْتِزَامُ الْوَاقِعُ بَيْنَ جَانِبَيْنِ فِي فِعْلٍ مَا . وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ الْعَقْدَ هُوَ رَبْطُ الْحَبْلِ بِالْعَرُورَةِ وَنَحْوِهَا ، وَشَدُّ الْحَبَلِ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا عَقْدٌ . ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الِالْتِزَامِ ، فَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ، قَالَ
الْحُطَيْئَةُ :
[ ص: 75 ] قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَـارِهِـمُ شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا
فَذَكَرَ مَعَ الْعَقْدِ الْعِنَاجَ وَهُوَ حَبْلٌ يَشُدُّ الْقِرْبَةَ ، وَذَكَرَ الْكَرَبَ وَهُوَ حَبْلٌ آخَرُ لِلْقِرْبَةِ ; فَرَجَعَ بِالْعَقْدِ الْمَجَازِيِّ إِلَى لَوَازِمِهِ فَتَخَيَّلَ مَعَهُ عِنَاجًا وَكَرَبًا ، وَأَرَادَ بِجَمِيعِهَا تَخْيِيلَ الِاسْتِعَارَةِ . فَالْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ مَا يُعْقَدُ ، وَأُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى الْتِزَامٍ مِنْ جَانِبَيْنِ لِشَيْءٍ وَمُقَابِلِهِ ، وَالْمَوْضِعُ الْمَشْدُودُ مِنَ الْحَبْلِ يُسَمَّى عُقْدَةً . وَأُطْلِقَ الْعَقْدُ أَيْضًا عَلَى الشَّيْءِ الْمَعْقُودِ إِطْلَاقًا لِلْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ ; فَالْعُهُودُ عُقُودٌ ، وَالتَّحَالُفُ مِنَ الْعُقُودِ ، وَالتَّبَايُعُ وَالْمُؤَاجَرَةُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْعُقُودِ ، وَهِيَ الْمُرَادُ هُنَا . وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِأَنَّهَا كَالْعُقُودِ ، إِذْ قَدِ الْتَزَمَهَا الدَّاخِلُ فِي الْإِسْلَامِ ضِمْنًا ، وَفِيهَا عَهْدُ اللَّهِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ .
وَيَقَعُ
nindex.php?page=treesubj&link=27630الْعَقْدُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَلَى إِنْشَاءِ تَسْلِيمٍ أَوْ تَحَمُّلٍ مِنْ جَانِبَيْنِ ; فَقَدْ يَكُونُ إِنْشَاءُ تَسْلِيمٍ كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ نَاضٍّ ، وَقَدْ يَكُونُ إِنْشَاءُ تَحَمُّلٍ كَالْإِجَارَةِ بِأَجْرٍ نَاضٍّ ، وَكَالسِّلْمِ وَالْقِرَاضِ ; وَقَدْ يَكُونُ إِنْشَاءُ تَحَمُّلٍ مِنْ جَانِبَيْنِ كَالنِّكَاحِ ، إِذِ الْمَهْرُ لَمْ يُعْتَبَرْ عِوَضًا وَإِنَّمَا الْعِوَضُ هُوَ تَحَمُّلُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ حُقُوقًا لِلْآخَرِ . وَالْعُقُودُ كُلُّهَا تَحْتَاجُ إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ .
وَالْأَمْرُ بِالْإِيفَاءِ بِالْعُقُودِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ إِيفَاءَ الْعَاقِدِ بِعَقْدِهِ حَقٌّ عَلَيْهِ ، فَلِذَلِكَ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْعُقُودَ شُرِعَتْ لِسَدِّ حَاجَاتِ الْأُمَّةِ فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُنَاسِبِ الْحَاجِيِّ ، فَيَكُونُ إِتْمَامُهَا حَاجِيًّا ; لِأَنَّ مُكَمِّلَ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ الثَّلَاثَةِ يَلْحَقُ بِمُكَمِّلِهِ : إِنْ ضَرُورِيًّا ، أَوْ حَاجِيًّا ، أَوْ تَحْسِينًا . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341601الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا .
فَالْعُقُودُ الَّتِي اعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِي انْعِقَادِهَا مُجَرَّدُ الصِّيغَةِ تُلْزِمُ بِإِتْمَامِ الصِّيغَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا ، كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ . وَالْمُرَادُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ
[ ص: 76 ] الصِّيغَةِ نَحْوَ الْإِشَارَةِ لِلْأَبْكَمِ ، وَنَحْوَ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبُيُوعِ . وَالْعُقُودُ الَّتِي اعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِي انْعِقَادِهَا الشُّرُوعَ فِيهَا بَعْدَ الصِّيغَةِ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ، كَالْجُعْلِ وَالْقِرَاضِ . وَتَمْيِيزُ جُزْئِيَّاتِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْآخَرِ مَجَالٌ لِلِاجْتِهَادِ .
وَقَالَ
الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْمِائَتَيْنِ : إِنَّ أَصْلَ الْعُقُودِ مِنْ حَيْثُ هِيَ اللُّزُومُ ، وَإِنَّ مَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ أَوْ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بِالْقَوْلِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ خَفَاءَ الْحَقِّ الْمُلْتَزَمِ بِهِ فَيُخْشَى تَطَرُّقُ الْغَرَرِ إِلَيْهِ ، فَوَسَّعَ فِيهَا عَلَى الْمُتَعَاقِدِينَ فَلَا تَلْزَمُهُمْ إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ ، لِأَنَّ الشُّرُوعَ فَرْعُ التَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ . وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي عُقُودِ الْمُغَارَسَةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالشَّرِكَةِ هَلْ تُلْحَقُ بِمَا مَصْلَحَتُهُ فِي لُزُومِهِ بِالْقَوْلِ ، أَوْ بِمَا مَصْلَحَتُهُ فِي لُزُومِهِ بِالشُّرُوعِ . وَقَدِ احْتَجَّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالتِسْعِينَ وَالْمِائَةِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْعُقُودِ أَنْ تُلْزَمَ بِالْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِبْطَالِ حَدِيثِ : خِيَارُ الْمَجْلِسِ ; يَعْنِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَرَّرَتْ أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ ، وَهُوَ أَنَّ مَقْصِدَ الشَّارِعِ مِنَ الْعُقُودِ تَمَامُهَا ، وَبِذَلِكَ صَارَ مَا قَرَّرْتُهُ مُقَدَّمًا عِنْدَ
مَالِكٍ عَلَى خَبَرِ الْآحَادِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ
مَالِكٌ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341602 " الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَنْعَقِدُ عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَمِ اللُّزُومِ ، كَبَيْعِ الْخِيَارِ ، فَضَبَطَهُ الْفُقَهَاءُ بِمُدَّةٍ يُحْتَاجُ إِلَى مِثْلِهَا عَادَةً فِي اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ أَوِ التَّشَاوُرِ فِي شَأْنِهِ .
وَمِنَ الْعُقُودِ الْمَأْمُورِ بِالْوَفَاءِ بِهَا عُقُودُ الْمُصَالَحَاتِ وَالْمُهَادَنَاتِ فِي الْحُرُوبِ ، وَالتَّعَاقُدُ عَلَى نَصْرِ الْمَظْلُومِ ، وَكُلُّ تَعَاقُدٍ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ أَمْرٍ حَرَامٍ ، وَقَدْ أَغْنَتْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ عَنِ التَّعَاقُدِ فِي مِثْلِ هَذَا إِذْ أَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ مُتَعَلِّقًا بِالْإِيفَاءِ بِالْعُقُودِ الْمُنْعَقِدَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى نَصْرِ الْمَظْلُومِ وَنَحْوِهِ : كَحِلْفِ الْفُضُولِ . وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341603أَوْفُوا [ ص: 77 ] بِعُقُودِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا تُحْدِثُوا عَقْدًا فِي الْإِسْلَامِ . وَبَقِيَ أَيْضًا مَا تَعَاقَدَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ كَصُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقُرَيْشٍ . وَقَدْ رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341604أَنَّ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ الْعِجْلِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ : لَعَلَّكَ تَسْأَلُ عَنْ حِلْفِ لُجَيْمٍ وَتَيْمٍ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : لَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً . قُلْتُ : وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا عُرِفَ بِهِ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمْ فِي الْوَفَاءِ لِغَيْرِ مَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ . وَقَدْ كَانَتْ
خُزَاعَةُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الَّتِي لَمْ تُنَاوِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .