يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون .
اعتراض بين آيات وعيد المحاربين وأحكام جزائهم وبين ما بعده من قوله : إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا الآية . خاطب المؤمنين بالترغيب بعد أن حذرهم من المفاسد ، على عادة القرآن في تخلل الأغراض بالموعظة والترغيب والترهيب ، وهي طريقة من الخطابة لاصطياد النفوس ، كما قال الحريري : " فلما دفنوا الميت وفات قول ليت أقبل شيخ من رباوة ، متأبطا لهراوة فقال : لمثل هذا فليعمل العاملون " إلخ . فعقب حكم المحاربين من أهل الكفر بأمر المؤمنين بالتقوى وطلب ما يوصلهم إلى مرضاة الله . وقابل قتالا مذموما بقتال يحمد فاعله عاجلا وآجلا .
والوسيلة : كالوصيلة . وفعل وسل قريب من فعل وصل ، فالوسيلة : القربة ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة ، أي متوسل بها أي اتبعوا التقرب إليه ، أي بالطاعة .
و " إليه " متعلق بـ الوسيلة أي الوسيلة إلى الله تعالى . فالوسيلة أريد بها ما يبلغ به إلى الله ، وقد علم المسلمون أن البلوغ إلى الله ليس بلوغ مسافة ولكنه بلوغ زلفى ورضا . فالتعريف في " الوسيلة " تعريف الجنس ، أي كل ما تعلمون أنه يقربكم إلى الله ، أي ينيلكم رضاه وقبول أعمالكم لديه . فالوسيلة ما يقرب العبد من الله بالعمل بأوامره ونواهيه . وفي الحديث القدسي : الحديث . والمجرور في قوله : ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وابتغوا إليه الوسيلة متعلق بـ " ابتغوا " . ويجوز تعلقه بـ الوسيلة وقدم على متعلقه للحصر ، أي لا تتوسلوا إلا إليه لا إلى غيره فيكون تعريضا بالمشركين لأن المسلمين لا يظن بهم ما يقتضي هذا الحصر .