nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28976_28802يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=53يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين .
تهيأت نفوس المؤمنين لقبول النهي عن موالاة أهل الكتاب بعدما سمعوا من اضطراب
اليهود في دينهم ومحاولتهم تضليل المسلمين وتقليب الأمور للرسول صلى الله عليه وسلم فأقبل عليهم بالخطاب بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى الآية ، لأن الولاية تنبني على الوفاق والوئام والصلة
[ ص: 229 ] وليس أولئك بأهل لولاية المسلمين لبعد ما بين الأخلاق الدينية ، ولإضمارهم الكيد للمسلمين . وجرد النهي هنا عن التعليل والتوجيه اكتفاء بما تقدم .
والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا . وسبب النهي هو ما وقع من
اليهود ، ولكن لما أريد النهي لم يقتصر عليهم لكيلا يحسب المسلمون أنهم مأذونون في موالاة
النصارى ، فلدفع ذلك عطف
النصارى على
اليهود هنا ، لأن السبب الداعي لعدم الموالاة واحد في الفريقين ، وهو اختلاف الدين والنفرة الناشئة عن تكذيبهم رسالة
محمد صلى الله عليه وسلم .
فالنصارى وإن لم تجيء منهم يومئذ أذاة مثل
اليهود فيوشك أن تجيء منهم إذا وجد داعيها .
وفي هذا ما ينبه على وجه الجمع بين النهي هنا عن موالاة
النصارى وبين قوله فيما سيأتي
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى . ولا شك أن الآية نزلت بعد غزوة
تبوك أو قربها ، وقد أصبح المسلمون مجاورين تخوم بلاد
نصارى العرب . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن بعض المسلمين بعد يوم
أحد عزم أن يوالي يهوديا ، وأن آخر عزم أن يوالي نصرانيا كما سيأتي ، فيكون ذكر
النصارى غير إدماج .
وعقبه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51بعضهم أولياء بعض أي أنهم أجدر بولاية بعضهم بعضا ، أي بولاية كل فريق منهم بعض أهل فريقه ، لأن كل فريق منهم تتقارب أفراده في الأخلاق والأعمال فيسهل الوفاق بينهم ، وليس المعنى أن
اليهود أولياء
النصارى . وتنوين " بعض " تنوين عوض ، أي أولياء بعضهم . وهذا كناية عن نفي موالاتهم المؤمنين وعن نهي المؤمنين عن موالاة فريق منهما .
والولاية هنا ولاية المودة والنصرة ولا علاقة لها بالميراث ، ولذلك لم يقل
مالك بتوريث اليهودي من النصراني والعكس أخذا بقول النبيء صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341638nindex.php?page=treesubj&link=13667لا يتوارث أهل ملتين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبو حنيفة بتوريث بعض أهل الملل من بعض ورأيا الكفر ملة واحدة أخذا بظاهر هذه الآية ، وهو مذهب
داود .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28976_28802ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، ( من ) شرطية تقتضي أن كل
[ ص: 230 ] من يتولاهم يصير واحدا منهم . جعل ولايتهم موجبة كون المتولي منهم ، وهذا بظاهره يقتضي أن ولايتهم دخول في ملتهم ، لأن معنى البعضية هنا لا يستقيم إلا بالكون في دينهم . ولما كان المؤمن إذا اعتقد عقيدة الإيمان واتبع الرسول ولم ينافق كان مسلما لا محالة كانت الآية بحاجة إلى التأويل ، وقد تأولها المفسرون بأحد تأويلين : إما بحمل الولاية في قوله : ومن يتولهم على الولاية الكاملة التي هي الرضا بدينهم والطعن في دين الإسلام ، ولذلك قال
ابن عطية : ومن تولاهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر والخلود في النار .
وإما بتأويل قوله : فإنه منهم على التشبيه البليغ ، أي فهو كواحد منهم في استحقاق العذاب . قال
ابن عطية : من تولاهم بأفعاله من العضد ونحوه دون معتقدهم ولا إخلال بالإيمان فهو منهم في المقت والمذمة الواقعة عليهم . اهـ . وهذا الإجمال في قوله : فإنه منهم مبالغة في التحذير من موالاتهم في وقت نزول الآية ، فالله لم يرض من المسلمين يومئذ بأن يتولوا
اليهود والنصارى ، لأن ذلك يلبسهم بالمنافقين ، وقد كان أمر المسلمين يومئذ في حيرة إذ كان حولهم المنافقون وضعفاء المسلمين
واليهود والمشركون فكان من المتعين لحفظ الجامعة التجرد عن كل ما تتطرق منه الريبة إليهم .
وقد اتفق علماء السنة على أن ما دون
nindex.php?page=treesubj&link=26863الرضا بالكفر وممالأتهم عليه من الولاية لا يوجب الخروج من الربقة الإسلامية ولكنه ضلال عظيم ، وهو مراتب في القوة بحسب قوة الموالاة وباختلاف أحوال المسلمين .
وأعظم هذه المراتب القضية التي حدثت في بعض المسلمين من
أهل غرناطة التي سئل عنها فقهاء
غرناطة :
محمد المواق ، ومحمد بن الأزرق ، وعلي بن داود ، ومحمد الجعدالة ، ومحمد الفخار ، وعلي القلصادي ، وأبو حامد بن الحسن ، ومحمد بن سرحونة ، ومحمد المشذالي ، وعبد الله الزليجي ، ومحمد الحذام ، وأحمد بن عبد الجليل ، ومحمد بن فتح ، ومحمد بن عبد البر ، وأحمد البقني ، عن عصابة
[ ص: 231 ] من قواد
الأندلس وفرسانهم لجئوا إلى صاحب
قشتالة ( بلاد
النصارى ) بعد كائنة ( اللسانة ) - كذا - واستنصروا به على المسلمين واعتصموا بحبل جواره وسكنوا أرض
النصارى فهل يحل لأحد من المسلمين مساعدتهم ولأهل مدينة أو حصن أن يؤووهم . فأجابوا بأن ركونهم إلى الكفار واستنصارهم بهم قد دخلوا به في وعيد قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51ومن يتولهم منكم فإنه منهم . فمن أعانهم فهو معين على معصية الله ورسوله ، هذا ما داموا مصرين على فعلهم فإن تابوا ورجعوا عما هم عليه من الشقاق والخلاف فالواجب على المسلمين قبولهم .
فاستدلالهم في جوابهم بهذه الآية يدل على أنهم تأولوها على معنى أنه منهم في استحقاق المقت والمذمة ، وهذا الذي فعلوه وأجاب عنه الفقهاء هو أعظم أنواع الموالاة بعد موالاة الكفر . وأدنى درجات الموالاة المخالطة والملابسة في التجارة ونحوها . ودون ذلك ما ليس بموالاة أصلا ، وهو المعاملة . وقد عامل النبيء صلى الله عليه وسلم
يهود خيبر مساقاة على نخل
خيبر ، وقد بينا شيئا من تفصيل هذا عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين في سورة آل عمران .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28976_30539إن الله لا يهدي القوم الظالمين تذييل للنهي ، وعموم القوم الظالمين شمل
اليهود والنصارى ، وموقع الجملة التذييلية يقتضي أن
اليهود والنصارى من القوم الظالمين بطريق الكناية . والمراد بالظالمين الكافرون .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52nindex.php?page=treesubj&link=28976_30563_30569_28861فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم تفريع لحالة من موالاتهم أريد وصفها للنبيء صلى الله عليه وسلم لأنها وقعت في حضرته .
والمرض هنا أطلق على النفاق كما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52في قلوبهم مرض في سورة البقرة . أطلق عليه مرض لأنه كفر مفسد للإيمان .
[ ص: 232 ] والمسارعة تقدم شرحها في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر . وفي المجرور مضاف محذوف دلت عليه القرينة ، لأن المسارعة لا تكون في الذوات ، فالمعنى : يسارعون في شأنهم من موالاتهم أو في نصرتهم .
والقول الواقع في يقولون نخشى قول لسان لأن
عبد الله بن أبي ابن سلول قال ذلك ، حسبما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16574عطية الحوفي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=16276وعاصم بن عمر بن قتادة أن الآية نزلت بعد وقعة
بدر أو بعد وقعة
أحد وأنها نزلت حين عزم رسول الله على قتال
بني قينقاع . وكان
بنو قينقاع أحلافا
لعبد الله بن أبي ابن سلول nindex.php?page=showalam&ids=63ولعبادة بن الصامت ، فلما رأى عبادة منزع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فقال : يا رسول الله إني أبرأ إلى الله من حلف يهود وولائهم ولا أوالي إلا الله ورسوله ، وكان عبد الله بن أبي حاضرا ، فقال : أما أنا فلا أبرأ من حلفهم فإني لا بد لي منهم إني رجل أخاف الدوائر .
ويحتمل أن يكون قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52نخشى أن تصيبنا دائرة ، قولا نفسيا ، أي يقولون في أنفسهم . فالدائرة المخشية هي خشية انتقاض المسلمين على المنافقين ، فيكون هذا القول من المرض الذي في قلوبهم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أنه لما وقع انهزام يوم
أحد فزع المسلمون وقال بعضهم : نأخذ من
اليهود حلفا ليعاضدونا إن ألمت بنا قاصمة من
قريش . وقال رجل : إني ذاهب إلى
اليهودي فلان فآوي إليه وأتهود معه . وقال آخر : إني ذاهب إلى فلان النصراني
بالشام فآوي إليه وأتنصر معه ، فنزلت الآية . فيكون المرض هنا ضعف الإيمان وقلة الثقة بنصر الله ، وعلى هذا فهذه الآية تقدم نزولها قبل نزول هذه السورة ، فإما أعيد نزولها ، وإما أمر بوضعها في هذا الموضع .
والظاهر أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين يؤيد الرواية الأولى ، ويؤيد محملنا فيها : أن القول قول نفسي .
[ ص: 233 ] والدائرة اسم فاعل من دار إذا عكس سيره ، فالدائرة تغير الحال ، وغلب إطلاقها على تغير الحال من خير إلى شر ، ودوائر الدهر : نوبه ودوله ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=98ويتربص بكم الدوائر أي تبدل حالكم من نصر إلى هزيمة . وقد قالوا في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=98عليهم دائرة السوء إن إضافة " دائرة " إلى " السوء " إضافة بيان . قال
أبو علي الفارسي : لو لم تضف الدائرة إلى " السوء " عرف منها معناه . وأصل تأنيثها للمرة ثم غلبت على التغير ملازمة لصيغة التأنيث .
وقوله : يقول الذين آمنوا قرأه الجمهور " يقول " بدون واو في أوله على أنه استئناف بياني جواب لسؤال من يسأل : ماذا يقول الذين آمنوا حينئذ .
أي إذا جاء الفتح أو أمر من قوة المسلمين ووهن
اليهود يقول الذين آمنوا . وقرأ
عاصم ، وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف " ويقول " بالواو وبرفع " يقول " عطفا على " فعسى الله " ، وقرأه
أبو عمرو ، ويعقوب بالواو أيضا وبنصب " يقول " عطفا على " أن يأتي " . والاستفهام في " أهؤلاء " مستعمل في التعجب من نفاقهم .
و " هؤلاء " إشارة إلى طائفة مقدرة الحصول يوم حصول الفتح ، وهي طائفة الذين في قلوبهم مرض . والظاهر أن " الذين " هو الخبر عن " هؤلاء " لأن الاستفهام للتعجب ، ومحل العجب هو قسمهم أنهم معهم ، وقد دل هذا التعجب على أن المؤمنين يظهر لهم من حال المنافقين يوم إتيان الفتح ما يفتضح به أمرهم فيعجبون من حلفهم على الإخلاص للمؤمنين .
وجهد الأيمان بفتح الجيم أقواها وأغلظها ، وحقيقة الجهد التعب والمشقة ومنتهى الطاقة ، وفعله كمنع . ثم أطلق على أشد الفعل ونهاية قوته لما بين الشدة والمشقة من الملازمة ، وشاع ذلك في كلامهم ثم استعمل في الآية في معنى أوكد الأيمان وأغلظها ، أي أقسموا أقوى قسم ، وذلك بالتوكيد والتكرير ونحو ذلك مما يغلظ به اليمين عرفا . ولم أر إطلاق الجهد على هذا المعنى فيما قبل القرآن . وانتصب " جهد " على المفعولية المطلقة لأنه
[ ص: 234 ] بإضافته إلى ( الأيمان ) صار من نوع اليمين فكان مفعولا مطلقا مبينا للنوع . وفي الكشاف في سورة النور جعله مصدرا بدلا من فعله وجعل التقدير : أقسموا بالله يجهدون أيمانهم جهدا ، فلما حذف الفعل وجعل المفعول المطلق عوضا عنه قدم المفعول المطلق على المفعول به وأضيف إليه .
وجملة حبطت أعمالهم استئناف ، سواء كانت من كلام الذين آمنوا فتكون من المحكي بالقول ، أم كانت من كلام الله تعالى فلا تكونه . و " حبطت " معناه تلفت وفسدت ، وقد تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة في سورة البقرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28976_28802يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=53يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ .
تَهَيَّأَتْ نُفُوسُ الْمُؤْمِنِينَ لِقَبُولِ النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَمَا سَمِعُوا مِنِ اضْطِرَابِ
الْيَهُودِ فِي دِينِهِمْ وَمُحَاوَلَتِهِمْ تَضْلِيلَ الْمُسْلِمِينَ وَتَقْلِيبَ الْأُمُورِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الْآيَةَ ، لِأَنَّ الْوَلَايَةَ تَنْبَنِي عَلَى الْوِفَاقِ وَالْوِئَامِ وَالصِّلَةِ
[ ص: 229 ] وَلَيْسَ أُولَئِكَ بِأَهْلٍ لِوَلَايَةِ الْمُسْلِمِينَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْأَخْلَاقِ الدِّينِيَّةِ ، وَلِإِضْمَارِهِمُ الْكَيْدَ لِلْمُسْلِمِينَ . وَجُرِّدَ النَّهْيُ هُنَا عَنِ التَّعْلِيلِ وَالتَّوْجِيهِ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ .
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا . وَسَبَبُ النَّهْيِ هُوَ مَا وَقَعَ مِنَ
الْيَهُودِ ، وَلَكِنْ لَمَّا أُرِيدَ النَّهْيُ لَمْ يُقْتَصَرْ عَلَيْهِمْ لِكَيْلَا يَحْسَبَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ مَأْذُونُونَ فِي مُوَالَاةِ
النَّصَارَى ، فَلِدَفْعِ ذَلِكَ عُطِفَ
النَّصَارَى عَلَى
الْيَهُودِ هُنَا ، لِأَنَّ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ وَاحِدٌ فِي الْفَرِيقَيْنِ ، وَهُوَ اخْتِلَافُ الدِّينِ وَالنُّفْرَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ رِسَالَةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَالنَّصَارَى وَإِنْ لَمْ تَجِيءْ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَذَاةٌ مِثْلَ
الْيَهُودِ فَيُوشِكُ أَنْ تَجِيءَ مِنْهُمْ إِذَا وُجِدَ دَاعِيهَا .
وَفِي هَذَا مَا يُنَبِّهُ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ هُنَا عَنْ مُوَالَاةِ
النَّصَارَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ
تَبُوكَ أَوْ قُرْبَهَا ، وَقَدْ أَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ مُجَاوِرِينَ تُخُومَ بِلَادِ
نَصَارَى الْعَرَبِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ يَوْمِ
أُحُدٍ عَزَمَ أَنْ يُوَالِيَ يَهُودِيًّا ، وَأَنَّ آخَرَ عَزَمَ أَنْ يُوَالِيَ نَصْرَانِيًّا كَمَا سَيَأْتِي ، فَيَكُونُ ذِكْرُ
النَّصَارَى غَيْرَ إِدْمَاجٍ .
وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أَيْ أَنَّهُمْ أَجْدَرُ بِوَلَايَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، أَيْ بِوَلَايَةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بَعْضَ أَهْلِ فَرِيقِهِ ، لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ تَتَقَارَبُ أَفْرَادُهُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ فَيَسْهُلُ الْوِفَاقُ بَيْنَهُمْ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ
الْيَهُودَ أَوْلِيَاءُ
النَّصَارَى . وَتَنْوِينُ " بَعْضٍ " تَنْوِينُ عِوَضٍ ، أَيْ أَوْلِيَاءُ بَعْضِهِمْ . وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ مُوَالَاتِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنْ نَهْيِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ فَرِيقٍ مِنْهُمَا .
وَالْوَلَايَةُ هُنَا وَلَايَةُ الْمَوَدَّةِ وَالنُّصْرَةِ وَلَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالْمِيرَاثِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ
مَالِكٌ بِتَوْرِيثِ الْيَهُودِيِّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَالْعَكْسِ أَخْذًا بِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341638nindex.php?page=treesubj&link=13667لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِتَوْرِيثِ بَعْضِ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ بَعْضٍ وَرَأَيَا الْكُفْرَ مِلَّةً وَاحِدَةً أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
دَاوُدَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28976_28802وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ، ( مَنْ ) شَرْطِيَّةٌ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ
[ ص: 230 ] مَنْ يَتَوَلَّاهُمْ يَصِيرُ وَاحِدًا مِنْهُمْ . جَعَلَ وَلَايَتَهُمْ مُوجِبَةَ كَوْنِ الْمُتَوَلِّي مِنْهُمْ ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ وَلَايَتَهُمْ دُخُولٌ فِي مِلَّتِهِمْ ، لِأَنَّ مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ هُنَا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِالْكَوْنِ فِي دِينِهِمْ . وَلَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُ إِذَا اعْتَقَدَ عَقِيدَةَ الْإِيمَانِ وَاتَّبَعَ الرَّسُولَ وَلَمْ يُنَافِقْ كَانَ مُسْلِمًا لَا مَحَالَةَ كَانَتِ الْآيَةُ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّأْوِيلِ ، وَقَدْ تَأَوَّلَهَا الْمُفَسِّرُونَ بِأَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ : إِمَّا بِحَمْلِ الْوَلَايَةِ فِي قَوْلِهِ : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ عَلَى الْوَلَايَةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي هِيَ الرِّضَا بِدِينِهِمْ وَالطَّعْنُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَمَنْ تَوَلَّاهُمْ بِمُعْتَقَدِهِ وَدِينِهِ فَهُوَ مِنْهُمْ فِي الْكُفْرِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ .
وَإِمَّا بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ : فَإِنَّهُ مِنْهُمْ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ ، أَيْ فَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : مَنْ تَوَلَّاهُمْ بِأَفْعَالِهِ مِنَ الْعَضْدِ وَنَحْوِهِ دُونَ مُعْتَقَدِهِمْ وَلَا إِخْلَالٍ بِالْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْهُمْ فِي الْمَقْتِ وَالْمَذَمَّةِ الْوَاقِعَةِ عَلَيْهِمْ . اهـ . وَهَذَا الْإِجْمَالُ فِي قَوْلِهِ : فَإِنَّهُ مِنْهُمْ مُبَالَغَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ مُوَالَاتِهِمْ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ ، فَاللَّهُ لَمْ يَرْضَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ بِأَنْ يَتَوَلَّوُا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُلْبِسُهُمْ بِالْمُنَافِقِينَ ، وَقَدْ كَانَ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي حَيْرَةٍ إِذْ كَانَ حَوْلَهُمُ الْمُنَافِقُونَ وَضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ
وَالْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ فَكَانَ مِنَ الْمُتَعَيَّنِ لِحِفْظِ الْجَامِعَةِ التَّجَرُّدُ عَنْ كُلِّ مَا تَتَطَرَّقُ مِنْهُ الرِّيبَةُ إِلَيْهِمْ .
وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَا دُونُ
nindex.php?page=treesubj&link=26863الرِّضَا بِالْكُفْرِ وَمُمَالَأَتِهِمْ عَلَيْهِ مِنَ الْوَلَايَةِ لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنَ الرِّبْقَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَكِنَّهُ ضَلَالٌ عَظِيمٌ ، وَهُوَ مَرَاتِبُ فِي الْقُوَّةِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمُوَالَاةِ وَبِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَعْظَمُ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْقَضِيَّةُ الَّتِي حَدَثَتْ فِي بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
أَهْلِ غَرْنَاطَةَ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا فُقَهَاءُ
غَرْنَاطَةَ :
مُحَمَّدٌ الْمَوَّاقُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَزْرَقِ ، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ ، وَمُحَمَّدٌ الْجَعْدَالَةُ ، وَمُحَمَّدٌ الْفَخَّارُ ، وَعَلِيٌّ الْقَلْصَادِيُّ ، وَأَبُو حَامِدِ بْنُ الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَرْحُونَةَ ، وَمُحَمَّدٌ الْمُشَذَّالِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ الزَّلِيجِيُّ ، وَمُحَمَّدٌ الْحَذَّامُ ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَلِيلِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فَتْحٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَأَحْمَدُ الْبَقَنِيُّ ، عَنْ عِصَابَةٍ
[ ص: 231 ] مِنْ قُوَّادِ
الْأَنْدَلُسِ وَفُرْسَانِهِمْ لَجَئُوا إِلَى صَاحِبِ
قَشْتَالَةَ ( بِلَادِ
النَّصَارَى ) بَعْدَ كَائِنَةِ ( اللِّسَانَةِ ) - كَذَا - وَاسْتَنْصَرُوا بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاعْتَصَمُوا بِحَبْلِ جِوَارِهِ وَسَكَنُوا أَرْضَ
النَّصَارَى فَهَلْ يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُسَاعَدَتُهُمْ وَلِأَهْلِ مَدِينَةٍ أَوْ حِصْنٍ أَنْ يُؤْوُوهُمْ . فَأَجَابُوا بِأَنَّ رُكُونَهُمْ إِلَى الْكُفَّارِ وَاسْتِنْصَارَهُمْ بِهِمْ قَدْ دَخَلُوا بِهِ فِي وَعِيدِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ . فَمَنْ أَعَانَهُمْ فَهُوَ مُعِينٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، هَذَا مَا دَامُوا مُصِرِّينَ عَلَى فِعْلِهِمْ فَإِنْ تَابُوا وَرَجَعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَبُولُهُمْ .
فَاسْتِدْلَالُهُمْ فِي جَوَابِهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَقْتِ وَالْمَذَمَّةِ ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلُوهُ وَأَجَابَ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ هُوَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْمُوَالَاةِ بَعْدَ مُوَالَاةِ الْكُفْرِ . وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الْمُوَالَاةِ الْمُخَالَطَةُ وَالْمُلَابَسَةُ فِي التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا . وَدُونَ ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِمُوَالَاةٍ أَصْلًا ، وَهُوَ الْمُعَامَلَةُ . وَقَدْ عَامَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَهُودَ خَيْبَرَ مُسَاقَاةً عَلَى نَخْلِ
خَيْبَرَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا شَيْئًا مِنْ تَفْصِيلِ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28976_30539إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تَذْيِيلٌ لِلنَّهْيِ ، وَعُمُومُ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ شَمِلَ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، وَمَوْقِعُ الْجُمْلَةِ التَّذْيِيلِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ . وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْكَافِرُونَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52nindex.php?page=treesubj&link=28976_30563_30569_28861فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ تَفْرِيعٌ لِحَالَةٍ مِنْ مُوَالَاتِهِمْ أُرِيدَ وَصْفُهَا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي حَضْرَتِهِ .
وَالْمَرَضُ هُنَا أُطْلِقَ عَلَى النِّفَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . أُطْلِقَ عَلَيْهِ مَرَضٌ لِأَنَّهُ كُفْرٌ مُفْسِدٌ لِلْإِيمَانِ .
[ ص: 232 ] وَالْمُسَارَعَةُ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41لَا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ . وَفِي الْمَجْرُورِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ ، لِأَنَّ الْمُسَارَعَةَ لَا تَكُونُ فِي الذَّوَاتِ ، فَالْمَعْنَى : يُسَارِعُونَ فِي شَأْنِهِمْ مِنْ مُوَالَاتِهِمْ أَوْ فِي نُصْرَتِهِمْ .
وَالْقَوْلُ الْوَاقِعُ فِي يَقُولُونَ نَخْشَى قَوْلُ لِسَانٍ لِأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ قَالَ ذَلِكَ ، حَسَبَمَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16574عَطِيَّةَ الْحُوفِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16276وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ
بَدْرٍ أَوْ بَعْدَ وَقْعَةِ
أُحُدٍ وَأَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى قِتَالِ
بَنِي قَيْنُقَاعٍ . وَكَانَ
بَنُو قَيْنُقَاعٍ أَحْلَافًا
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ nindex.php?page=showalam&ids=63وَلِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، فَلَمَّا رَأَى عُبَادَةُ مَنْزَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ حِلْفِ يَهُودَ وَوَلَائِهِمْ وَلَا أُوَالِي إِلَّا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ حَاضِرًا ، فَقَالَ : أَمَّا أَنَا فَلَا أَبْرَأُ مِنْ حِلْفِهِمْ فَإِنِّي لَا بُدَّ لِي مِنْهُمْ إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ، قَوْلًا نَفْسِيًّا ، أَيْ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ . فَالدَّائِرَةُ الْمَخْشِيَّةُ هِيَ خَشْيَةُ انْتِقَاضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ الْمَرَضِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ انْهِزَامُ يَوْمِ
أُحُدٍ فَزِعَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَأْخُذُ مِنَ
الْيَهُودِ حِلْفًا لِيُعَاضِدُونَا إِنْ أَلَمَّتْ بِنَا قَاصِمَةٌ مِنْ
قُرَيْشٍ . وَقَالَ رَجُلٌ : إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى
الْيَهُودِيِّ فُلَانٍ فَآوِي إِلَيْهِ وَأَتَهَوَّدُ مَعَهُ . وَقَالَ آخَرُ : إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ
بِالشَّامِ فَآوِي إِلَيْهِ وَأَتَنَصَّرُ مَعَهُ ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . فَيَكُونُ الْمَرَضُ هُنَا ضَعْفَ الْإِيمَانِ وَقِلَّةَ الثِّقَةِ بِنَصْرِ اللَّهِ ، وَعَلَى هَذَا فَهَذِهِ الْآيَةُ تَقَدَّمَ نُزُولُهَا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ ، فَإِمَّا أُعِيدَ نُزُولُهَا ، وَإِمَّا أُمِرَ بِوَضْعِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=52فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ يُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ، وَيُؤَيِّدُ مَحْمَلَنَا فِيهَا : أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلٌ نَفْسِيٌّ .
[ ص: 233 ] وَالدَّائِرَةُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ دَارَ إِذَا عَكَسَ سَيْرَهُ ، فَالدَّائِرَةُ تَغَيُّرُ الْحَالِ ، وَغَلَبَ إِطْلَاقُهَا عَلَى تَغَيُّرِ الْحَالِ مِنْ خَيْرٍ إِلَى شَرٍّ ، وَدَوَائِرُ الدَّهْرِ : نُوَبُهُ وَدُوَلُهُ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=98وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ أَيْ تَبَدُّلَ حَالِكُمْ مِنْ نَصْرٍ إِلَى هَزِيمَةٍ . وَقَدْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=98عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ إِنَّ إِضَافَةَ " دَائِرَةُ " إِلَى " السَّوْءِ " إِضَافَةُ بَيَانٍ . قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : لَوْ لَمْ تُضَفِ الدَّائِرَةُ إِلَى " السَّوْءِ " عُرِفَ مِنْهَا مَعْنَاهُ . وَأَصْلُ تَأْنِيثِهَا لِلْمَرَّةِ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى التَّغَيُّرِ مُلَازِمَةً لِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ .
وَقَوْلُهُ : يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ " يَقُولُ " بِدُونِ وَاوٍ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابٌ لِسُؤَالِ مَنْ يَسْأَلُ : مَاذَا يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا حِينَئِذٍ .
أَيْ إِذَا جَاءَ الْفَتْحُ أَوْ أَمْرٌ مِنْ قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوَهَنِ
الْيَهُودِ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ " وَيَقُولُ " بِالْوَاوِ وَبِرَفْعِ " يَقُولُ " عَطْفًا عَلَى " فَعَسَى اللَّهُ " ، وَقَرَأَهُ
أَبُو عَمْرٍو ، وَيَعْقُوبُ بِالْوَاوِ أَيْضًا وَبِنَصْبِ " يَقُولَ " عَطْفًا عَلَى " أَنْ يَأْتِيَ " . وَالِاسْتِفْهَامُ فِي " أَهَؤُلَاءِ " مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعَجُّبِ مِنْ نِفَاقِهِمْ .
وَ " هَؤُلَاءِ " إِشَارَةٌ إِلَى طَائِفَةٍ مُقَدَّرَةِ الْحُصُولِ يَوْمَ حُصُولِ الْفَتْحِ ، وَهِيَ طَائِفَةُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ " الَّذِينَ " هُوَ الْخَبَرُ عَنْ " هَؤُلَاءِ " لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّعَجُّبِ ، وَمَحَلُّ الْعَجَبِ هُوَ قَسَمُهُمْ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ ، وَقَدْ دَلَّ هَذَا التَّعَجُّبُ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ حَالِ الْمُنَافِقِينَ يَوْمَ إِتْيَانِ الْفَتْحِ مَا يَفْتَضِحُ بِهِ أَمْرُهُمْ فَيَعْجَبُونَ مِنْ حَلِفِهِمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلْمُؤْمِنِينَ .
وَجَهْدُ الْأَيْمَانِ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَقْوَاهَا وَأَغْلَظُهَا ، وَحَقِيقَةُ الْجَهْدِ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ وَمُنْتَهَى الطَّاقَةِ ، وَفِعْلُهُ كَمَنَعَ . ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى أَشَدِّ الْفِعْلِ وَنِهَايَةِ قُوَّتِهِ لِمَا بَيْنَ الشِّدَّةِ وَالْمَشَقَّةِ مِنَ الْمُلَازَمَةِ ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْآيَةِ فِي مَعْنَى أَوْكَدِ الْأَيْمَانِ وَأَغْلَظِهَا ، أَيْ أَقْسَمُوا أَقْوَى قَسَمٍ ، وَذَلِكَ بِالتَّوْكِيدِ وَالتَّكْرِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُغَلَّظُ بِهِ الْيَمِينُ عُرْفًا . وَلَمْ أَرَ إِطْلَاقَ الْجَهْدِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا قَبْلَ الْقُرْآنِ . وَانْتَصَبَ " جَهْدَ " عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ
[ ص: 234 ] بِإِضَافَتِهِ إِلَى ( الْأَيْمَانِ ) صَارَ مِنْ نَوْعِ الْيَمِينِ فَكَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا مُبَيِّنًا لِلنَّوْعِ . وَفِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ النُّورِ جَعَلَهُ مَصْدَرًا بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ وَجَعَلَ التَّقْدِيرَ : أَقْسَمُوا بِاللَّهِ يُجْهِدُونَ أَيْمَانَهُمْ جَهْدًا ، فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ وَجُعِلَ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ عِوَضًا عَنْهُ قُدِّمَ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَأُضِيفَ إِلَيْهِ .
وَجُمْلَةُ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمُ اسْتِئْنَافٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ آمَنُوا فَتَكُونُ مِنَ الْمَحْكِيِّ بِالْقَوْلِ ، أَمْ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكُونُهُ . وَ " حَبِطَتْ " مَعْنَاهُ تَلِفَتْ وَفَسَدَتْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .