ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم .
إقامة الشيء جعله قائما ، كما تقدم في أول سورة البقرة . واستعيرت الإقامة لعدم الإضاعة لأن الشيء المضاع يكون ملقى ، ولذلك يقال له : شيء لقى ، ولأن الإنسان يكون في حال قيامه أقدر على الأشياء ، فلذا قالوا : قامت السوق . فيجوز أن يكون معنى إقامة التوراة والإنجيل إقامة تشريعهما قبل الإسلام ، أي لو أطاعوا أوامر الله وعملوا بها سلموا من غضبه فلأغدق عليهم نعمه ، فاليهود آمنوا بالتوراة ولم يقيموا أحكامها كما تقدم آنفا ، وكفروا بالإنجيل ورفضوه ، وذلك أشد في عدم إقامته ، وبالقرآن . وقد أومأت الآية إلى أن سبب ضيق معاش اليهود هو من غضب الله تعالى عليهم لإضاعتهم التوراة وكفرهم بالإنجيل وبالقرآن ، أي فتحتمت عليهم النقمة بعد نزول القرآن .
ويحتمل أن يكون المراد : لو أقاموا هذه الكتب بعد مجيء الإسلام ، أي بالاعتراف بما في التوراة والإنجيل من التبشير ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يؤمنوا به وبما جاء به ، فتكون الآية إشارة إلى ضيق معاشهم بعد هجرة الرسول إلى المدينة . ويؤيده ما روي في سبب نزول قوله تعالى اليهود يد الله مغلولة وقالت كما تقدم .
[ ص: 254 ] ومعنى لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم تعميم جهات الرزق ، أي لرزقوا من كل سبيل ، فأكلوا بمعنى رزقوا ، كقوله : وتأكلون التراث أكلا لما . وقيل : المراد بالمأكول من فوق ثمار الشجر ، ومن تحت الحبوب والمقاثي ، فيكون الأكل على حقيقته ، أي لاستمر الخصب فيهم .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون في سورة الأعراف .
واللام في قوله : لأكلوا من فوقهم إلخ مثل اللام في الآية قبلها .