وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون .
الواو للحال . والجملة حال من قوله : الذين كفروا ، أي أنهم ينسبون إلى الله ما لم يأمر به كذبا ، وإذا دعوا إلى اتباع ما أمر الله به حقا أو التدبر فيه أعرضوا وتمسكوا بما كان عليه آباؤهم . فحالهم عجيبة في أنهم يقبلون ادعاء آبائهم أن الله أمرهم بما اختلقوا لهم من الضلالات ، مثل البحيرة والسائبة وما ضاهاهما ، ويعرضون عن دعوة الرسول الصادق بلا حجة لهم في الأولى ، وبالإعراض عن النظر في حجة الثانية أو المكابرة فيها بعد علمها .
والأمر في قوله ( تعالوا ) مستعمل في طلب الإقبال ، وفي إصغاء السمع ، ونظر الفكر ، وحضور مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الصد عنه ، فهو مستعمل في حقيقته ومجازه . وتقدم الكلام على فعل ( تعال ) عند الكلام على نظير هذه الآية في سورة النساء .
و ما أنزل الله : هو القرآن . وعطف وإلى الرسول لأنه يرشدهم إلى فهم القرآن . وأعيد حرف ( إلى ) لاختلاف معنيي الإقبال بالنسبة إلى متعلقي تعالوا فإعادة الحرف قرينة على إرادة معنيي تعالوا الحقيقي والمجازي .
[ ص: 76 ] وقوله قالوا حسبنا أي كافينا ، إذا جعلت ( حسب ) اسما صريحا و ( ما وجدنا ) هو الخبر ، أو كفانا إذا جعلت ( حسب ) اسم فعل و ( ما وجدنا ) هو الفاعل . وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل في سورة آل عمران .
و ( على ) في قوله : ما وجدنا عليه آباءنا مجاز في تمكن التلبس ، وتقدم في قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم ) .
وقوله : أو لو كان آباؤهم لا يعلمون إلخ ، تقدم القول على نظيره في سورة البقرة عند قوله وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم الآية .
وليس لهذه الآية تعلق بمسألة الاجتهاد والتقليد كما توهمه جمع من المفسرين ، لأن هذه الآية في تنازع بين أهل ما أنزل الله وأهل الافتراء على الله ، فأما الاجتهاد والتقليد في فروع الإسلام فذلك كله من اتباع ما أنزل الله . فتحميل الآية هذه المسألة إكراه للآية على هذا المعنى .