عطف على انظر كيف نصرف الآيات ، أي لعلهم يفقهون فلم يفقهوا وكذبوا . وضمير به عائد إلى العذاب في قوله على أن يبعث عليكم عذابا ، وتكذيبهم به معناه تكذيبهم بأن الله يعذبهم لأجل إعراضهم .
والتعبير عنهم بـ " قومك " تسجيل عليهم بسوء معاملتهم لمن هو من أنفسهم ، كقوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، وقال طرفة :
وظلم ذوي القربى أشد مضـاضة على المرء من وقع الحسام المهند
وتقدم وجه تعدية فعل ( كذب ) بالباء عند قوله تعالى وكذبتم به في هذه السورة .وجملة وهو الحق معترضة لقصد تحقيق القدرة على أن يبعث عليهم عذابا إلخ .
وقد تحقق بعض ذلك بعذاب من فوقهم وهو عذاب القحط ، وبإذاقتهم بأس المسلمين يوم بدر .
[ ص: 287 ] ويجوز أن يكون ضمير به عائدا إلى القرآن ، فيكون قوله وكذب به رجوعا بالكلام إلى قوله قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ، أي كذبتم بالقرآن ، على وجه جعل " من " في قوله " من ربي " ابتدائية كما تقدم ، أي كذبتم بآية القرآن وسألتم نزول العذاب تصديقا لرسالتي وذلك ليس بيدي . ثم اعترض بجمل كثيرة . أولاها : وعنده مفاتح الغيب ، ثم ما بعده من التعريض بالوعيد ، ثم بنى عليه قوله وكذب به قومك وهو الحق فكأنه قيل : قل إني على بينة من ربي وكذبتم به وهو الحق قل لست عليكم بوكيل .
وقوله قل لست عليكم بوكيل إرغام لهم لأنهم يرونه أنهم لما كذبوه وأعرضوا عن دعوته قد أغاظوه ، فأعلمهم الله أنه لا يغيظه ذلك وأن عليه الدعوة فإن كانوا يغيظون فلا يغيظون إلا أنفسهم .
والوكيل هنا بمعنى المدافع الناصر ، وهو الحفيظ . وتقدم عند قوله تعالى وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل في سورة آل عمران .
وتعديته بـ ( على ) لتضمنه معنى الغلبة والسلطة ، أي لست بقيم عليكم يمنعكم من التكذيب ، كقوله تعالى فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ . وجملة لكل نبإ مستقر مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأن قوله وهو الحق يثير سؤالهم أن يقولوا : فمتى ينزل العذاب . فأجيبوا بقوله لكل نبإ مستقر .
والنبأ : الخبر المهم ، وتقدم في هذه السورة . فيجوز أن يكون على حقيقته ، أي لكل خبر من أخبار القرآن ، ويجوز أن يكون أطلق المصدر على اسم المفعول ، أي لكل مخبر به ، أي ما أخبروا به من قوله أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية .
والمستقر وقت الاستقرار ، فهو اسم زمانه ، ولذلك صيغ بوزن اسم المفعول ، كما هو قياس صوغ اسم الزمان المشتق من غير الثلاثي . والاستقرار بمعنى الحصول ، أي لكل موعود به وقت يحصل فيه . وهذا تحقيق للوعيد وتفويض زمانه إلى علم الله تعالى . وقد يكون المستقر هنا مستعملا في الانتهاء والغاية مجازا ، كقوله تعالى [ ص: 288 ] والشمس تجري لمستقر لها ، وهو شامل لوعيد الآخرة ووعيد الدنيا ولكل مستقر . وعن : استقر يوم بدر ما كان يعدهم به من العذاب . السدي
وعطف سوف تعلمون على جملة لكل نبإ مستقر أي تعلمونه ، أي هو الآن غير معلوم وتعلمونه في المستقبل عند حلوله بكم . وهذا أظهر في وعيد العذاب في الدنيا .