قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين
لما كون الله فيه الصغار والحقارة بعد عزة الملكية وشرفها انقلبت مرامي همته إلى التعلق بالسفاسف - إذا ما لم تكن إبل فمعزى - فسأل النظرة بطول الحياة إلى يوم البعث ، إذ كان يعلم قبل ذلك أنه من الحوادث الباقية لأنه من أهل العالم الباقي ، فلما أهبط إلى العالم الأرضي ظن أنه صائر إلى العدم فلذلك سأل النظرة إبقاء لما كان له من قبل ، وإذ قد كان ذلك بتقدير الله تعالى وعلمه ، وبدر من إبليس طلب النظرة ، قال الله تعالى : إنك من المنظرين أي إنك من المخلوقات الباقية .
وقد أفاد التأكيد بإن والإخبار بصيغة من المنظرين : أن إنظاره أمر قد قضاه الله وقدره من قبل سؤاله ، أي تحقق كونك من الفريق الذين أنظروا إلى يوم البعث ، أي أن الله خلق خلقا وقدر بقاءهم إلى يوم البعث ، فكشف لإبليس أنه بعض من جملة المنظرين من قبل حدوث المعصية منه ، وإن الله ليس بمغير ما قدره له ، فجواب الله تعالى لإبليس إخبار عن أمر تحقق ، وليس [ ص: 46 ] إجابة لطلبة إبليس ، لأنه أهون على الله من أن يجيب له طلبا ، وهذه هي النكتة في العدول عن أن يكون الجواب : أنظرتك أو أجبت لك مما يدل على تكرمة باستجابة طلبه ، ولكنه أعلمه أن ما سأله أمر حاصل فسؤاله تحصيل حاصل .