[ ص: 16 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94nindex.php?page=treesubj&link=28978وما أرسلنا في قرية من نبيء إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون
عطفت الواو جملة ما أرسلنا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وإلى مدين أخاهم شعيبا عطف الأعم على الأخص ؛ لأن ما ذكر من القصص ابتداء من قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59لقد أرسلنا نوحا إلى قومه كله القصد منه
nindex.php?page=treesubj&link=32016العبرة بالأمم الخالية وموعظة لكفار العرب فلما تلا عليهم قصص خمس أمم جاء الآن بحكم كلي يعم سائر الأمم المكذبة على طريقة قياس التمثيل ، أو قياس الاستقراء الناقص ، وهو أشهر قياس يسلك في المقامات الخطابية ، وهذه الجمل إلى قوله : ثم بعثنا من بعدهم موسى كالمعترضة بين القصص ، للتنبيه على موقع الموعظة ، وذلك هو المقصود من تلك القصص ، فهو اعتراض ببيان المقصود من الكلام وهذا كثير الوقوع في اعتراض الكلام .
وعدي أرسلنا بـ في دون ( إلى ) لأن المراد بالقرية حقيقتها ، وهي لا يرسل إليها وإنما يرسل فيها إلى أهلها ، فالتقدير : وما أرسلنا في قرية من نبيء إلى أهلها إلا أخذنا أهلها فهو كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=59وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ولا يجري في هذا من المعنى ما يجري في قوله - تعالى - الآتي قريبا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=53فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إذ لا داعي إليه هنا .
و ( من ) مزيد للتنصيص على العموم المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي ، وتخصيص القرى بإرسال الرسل فيها دون البوادي كما أشارت إليه هذه الآية وغيرها من آي القرآن ، وشهد به تاريخ الأديان ، ينبئ أن مراد الله - تعالى - من إرسال الرسل هو بث الصلاح لأصحاب الحضارة التي يتطرق إليها الخلل بسبب اجتماع الأصناف المختلفة ، وأن أهل البوادي لا يخلون عن الانحياز إلى القرى والإيواء في حاجاتهم المدنية إلى القرى القريبة . فأما مجيء نبيء غير رسول لأهل
[ ص: 17 ] البوادي فقد جاء
خالد بن سنان نبيا في
بني عبس ، وأما
حنظلة بن صفوان نبيء
أهل الرس فالأظهر أنه رسول لأن الله ذكر
أهل الرس في عداد الأمم المكذبة . وقد قيل : إنه ظهر بقرية
الرس التي تسمى أيضا "
فتح " بالمهملة أو "
فتخ " بالمعجمة أو "
فيج " بتحتية وجيم ، أو "
فلج " بلام وجيم من
اليمامة .
والاستثناء مفرغ من أحوال ، أي ما أرسلنا نبيا في قرية في حال من الأحوال إلا في حال أننا أخذنا أهلها بالبأساء ، وقد وقع في الكلام إيجاز حذف دل عليه قوله لعلهم يضرعون فإنه يدل على أنهم لم يضرعوا قبل الأخذ بالبأساء والضراء . فالتقدير : وما أرسلنا في قرية من نبيء إلا كذبه أهل القرية فخوفناهم لعلهم يذلون لله ويتركون العناد إلخ . . .
والأخذ : هنا مجاز في التناول والإصابة بالمكروه الذي لا يستطاع دفعه ، وهو معنى الغلبة ، كما تقدم في قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء في سورة الأنعام .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون تقدم ما يفسرها في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون في سورة الأنعام . ويفسر بعضها أيضا في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والصابرين في البأساء والضراء في سورة البقرة .
واستغنت جملة الحال الماضوية على الواو وقد بحرف الاستثناء ، فلا يجتمع مع قد إلا نادرا ، أي : ابتدأناهم بالتخويف والمصائب لتفل من حدتهم وتصرف تأملهم إلى تطلب أسباب المصائب فيعلموا أنها من غضب الله عليهم فيتوبوا .
والتبديل : التعويض ، فحقه أن يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء المفيدة معنى البدلية ويكون ذلك المفعول الثاني المدخول للباء هو المتروك ، والمفعول الأول هو المأخوذ ، كما في قوله - تعالى - قال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير في سورة البقرة ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب في سورة النساء ، لذلك انتصب الحسنة هنا لأنها المأخوذة لهم بعد السيئة فهي المفعول الأول والسيئة هي المتروكة ، وعدل عن جر السيئة بالباء إلى لفظ يؤدي مؤدى باء البدلية وهو
[ ص: 18 ] لفظ ( مكان ) المستعمل ظرفا مجازا عن الخلفية ، يقال خذ هذا مكان ذلك ، أي : خذه خلفا عن ذلك لأن الخلف يحل في مكان المخلوف عنه . ومن هذا القبيل قول
امرئ القيس :
وبدلت قرحا داميا بعد نعمة
فجعل " بعد " عوضا عن باء البدلية .
فقوله ( مكان ) منصوب على الظرفية مجازا ، أي : بدلناهم حسنة في مكان السيئة ، والحسنة اسم اعتبر مؤنثا لتأويله بالحالة والحادثة وكذلك السيئة فهما في الأصل صفتان لموصوف محذوف ، ثم كثر حذف الموصوف لقلة جدوى ذكره فصارت الصفتان كالاسمين ، ولذلك عبر عن الحسنة في بعض الآيات بما يتلمح منه معنى وصفيتها نحو قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن أي : ادفع السيئة بالحسنة ، فلما جاء بطريقة الموصولية والصلة بأفعل التفضيل تلمح معنى الوصفية فيهما ، وكذلك قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=96ادفع بالتي هي أحسن السيئة . ومثلهما في هذا : المصيبة ، كما في قوله - تعالى - في سورة ( براءة ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=50إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي : بدلناهم حالة حسنة بحالتهم السيئة وهي حالة البأساء والضراء .
فالتعريف تعريف الجنس ، وهو مشعر بأنهم أعطوا حالة حسنة بطيئة النفع لا تبلغ مبلغ البركة .
وحتى غاية لما يتضمنه بدلنا من استمرار ذلك وهي ابتدائية ، والجملة التي بعدها لا محل لها .
( وعفوا ) كثروا . يقال : عفا النبات ، إذا كثر ونما ، وعطف ، ( وقالوا ) على ( عفوا ) فهو من بقية الغاية .
والسراء : النعمة ورخاء العيش ، وهي ضد الضراء .
والمعنى أنا نأخذهم بما يغير حالهم التي كانوا فيها من رخاء وصحة عسى أن يعلموا أن
nindex.php?page=treesubj&link=19614_29697سلب النعمة عنهم أمارة على غضب الله عليهم من جراء تكذيبهم رسولهم فلا يهتدون ، ثم نردهم إلى حالتهم الأولى إمهالا لهم واستدراجا فيزدادون ضلالا ، فإذا رأوا ذلك تعللوا لما أصابهم من البؤس والضر بأن ذلك التغيير إنما هو عارض من عوارض
[ ص: 19 ] الزمان وأنه قد أصاب أسلافهم من قبلهم ولم يجئهم رسل .
وهذه عادة الله - تعالى - في تنبيه عباده ، فإنه يحب منهم التوسم في الأشياء والاستدلال بالعقل والنظر بالمسببات على الأسباب كما قال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون لأن الله لما وهب الإنسان العقل فقد أحب منه أن يستعمله فيما يبلغ به الكمال ويقيه الضلال .
وظاهر الآية : أن هذا القول الصادر بألسنتهم وهو يكون دائرا فيما بين بعضهم وبعض في مجادلتهم لرسلهم حينما يعظونهم بما حل بهم ويدعونهم إلى التوبة والإيمان ليكشف عنهم الضر . ويجوز أن يكون هذا القول أيضا : يجيش في نفوسهم ليدفعوا بذلك ما يخطر ببالهم من توقع أن يكون ذلك الضر عقابا من الله - تعالى - وإذ قد كان محكيا عن أمم كثيرة كانت له أحوال متعددة بتعدد ميادين النفوس والأحوال .
وحاصل ما دفعوا به دلالة الضراء على غضب الله أن مثل ذلك قد حل بآبائهم الذين لم يدعهم رسول إلى توحيد الله ، وهذا من خطأ القياس وفساد الاستدلال ، وذلك بحصر الشيء ذي الأسباب المتعددة في سبب واحد ، والغفلة عن كون الأسباب يخلف بعضها بعضا ، مع الغفلة عن الفارق في قياس حالهم على حال آبائهم بأن آباءهم لم يأتهم رسل من الله ، وأما أقوام الرسل فإن الرسل تحذرهم الغضب والبأساء والضراء فتحيق بهم ، أفلا يدلهم ذلك على أن ما حصل لهم هو من غضب الله عليهم ، على أن غضب الله ليس منحصر الترتب على معصية الرسول بل يكون أيضا عن
nindex.php?page=treesubj&link=29697الانغماس في الضلال المبين ، مع وضوح أدلة الهدى للعقول ، فإن الإشراك ضلال ، وأدلة التوحيد واضحة للعقول ، فإذا تأيدت الدلالة بإرسال الرسل المنذرين قويت الضلالة باستمرارها ، وانقطاع أعذارها ، ومثل هذا الخطأ يعرض للناس بداعي الهوى وإلف حال الضلال .
والفاء في قوله فأخذناهم للتعقيب عن قوله عفوا وقالوا باعتبار كونهما غاية لإبدال الحسنة مكان السيئة ، ولا إشعار فيه بأن قولهم ذلك هو سبب أخذهم
[ ص: 20 ] بغتة ولكنه دل على إصرارهم ، أي : فحصل أخذنا إياهم عقب تحسن حالهم وبطرهم النعمة .
والتعقيب عرفي فيصدق بالمدة التي لا تعد طولا في العادة لحصول مثل هذه الحوادث العظيمة .
والأخذ هنا بمعنى الإهلاك كما في قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون في سورة الأنعام .
والبغتة : الفجأة ، وتقدمت عند قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة ، وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة في سورة الأنعام ، وتقدم هنالك وجه نصبها .
وجملة وهم يشعرون حال مؤكدة لمعنى بغتة .
[ ص: 16 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94nindex.php?page=treesubj&link=28978وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيءٍ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
عَطَفَتِ الْوَاوُ جُمْلَةَ مَا أَرْسَلْنَا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا عَطْفَ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ الْقَصَصِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ كُلُّهُ الْقَصْدُ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=32016الْعِبْرَةُ بِالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ وَمَوْعِظَةٌ لِكُفَّارِ الْعَرَبِ فَلَمَّا تَلَا عَلَيْهِمْ قَصَصَ خَمْسِ أُمَمٍ جَاءَ الْآنَ بِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَعُمُّ سَائِرَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ عَلَى طَرِيقَةِ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ ، أَوْ قِيَاسِ الِاسْتِقْرَاءِ النَّاقِصِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ قِيَاسٍ يُسْلَكُ فِي الْمَقَامَاتِ الْخِطَابِيَّةِ ، وَهَذِهِ الْجُمَلُ إِلَى قَوْلِهِ : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى كَالْمُعْتَرِضَةِ بَيْنَ الْقَصَصِ ، لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَوْقِعِ الْمَوْعِظَةِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ تِلْكَ الْقَصَصِ ، فَهُوَ اعْتِرَاضٌ بِبَيَانِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكَلَامِ وَهَذَا كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي اعْتِرَاضِ الْكَلَامِ .
وَعُدِيَّ أَرْسَلْنَا بِـ فِي دُونَ ( إِلَى ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْيَةِ حَقِيقَتُهَا ، وَهِيَ لَا يُرْسَلُ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يُرْسَلُ فِيهَا إِلَى أَهْلِهَا ، فَالتَّقْدِيرُ : وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيءٍ إِلَى أَهْلِهَا إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=59وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا وَلَا يَجْرِي فِي هَذَا مِنَ الْمَعْنَى مَا يَجْرِي فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - الْآتِي قَرِيبًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=53فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِذْ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ هُنَا .
وَ ( مِنْ ) مَزِيدٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ وُقُوعِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَتَخْصِيصِ الْقُرَى بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ فِيهَا دُونَ الْبَوَادِي كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ ، وَشَهِدَ بِهِ تَارِيخُ الْأَدْيَانِ ، يُنْبِئُ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ إِرْسَالِ الرُّسُلِ هُوَ بَثُّ الصَّلَاحِ لِأَصْحَابِ الْحَضَارَةِ الَّتِي يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الْخَلَلُ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ الْأَصْنَافِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَأَنَّ أَهْلَ الْبَوَادِي لَا يَخْلُونَ عَنِ الِانْحِيَازِ إِلَى الْقُرَى وَالْإِيوَاءِ فِي حَاجَاتِهِمُ الْمَدَنِيَّةِ إِلَى الْقُرَى الْقَرِيبَةِ . فَأَمَّا مَجِيءُ نَبِيءٍ غَيْرِ رَسُولٍ لِأَهْلِ
[ ص: 17 ] الْبَوَادِي فَقَدْ جَاءَ
خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ نَبِيًّا فِي
بَنِي عَبْسٍ ، وَأَمَّا
حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ نَبِيءُ
أَهْلِ الرَّسِّ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَسُولٌ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ
أَهْلَ الرَّسِّ فِي عِدَادِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ ظَهَرَ بِقَرْيَةِ
الرَّسِّ الَّتِي تُسَمَّى أَيْضًا "
فَتْحَ " بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ "
فَتْخَ " بِالْمُعْجَمَةِ أَوْ "
فَيْجَ " بِتَحْتِيَّةٍ وَجِيمٍ ، أَوْ "
فَلْجَ " بِلَامٍ وَجِيمٍ مِنَ
الْيَمَامَةِ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَحْوَالٍ ، أَيْ مَا أَرْسَلْنَا نَبِيًّا فِي قَرْيَةٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ أَنَّنَا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَضَّرَّعُوا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ . فَالتَّقْدِيرُ : وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيءٍ إِلَّا كَذَّبَهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فَخَوَّفْنَاهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذِلُّونَ لِلَّهِ وَيَتْرُكُونَ الْعِنَادَ إِلَخْ . . .
وَالْأَخْذُ : هُنَا مَجَازٌ فِي التَّنَاوُلِ وَالْإِصَابَةِ بِالْمَكْرُوهِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ ، وَهُوَ مَعْنَى الْغَلَبَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ تَقَدَّمَ مَا يُفَسِّرُهَا فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ . وَيُفَسَّرُ بَعْضُهَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَاسْتَغْنَتْ جُمْلَةُ الْحَالِ الْمَاضَوِيَّةُ عَلَى الْوَاوِ وقَدْ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ قَدْ إِلَّا نَادِرًا ، أَيْ : ابْتَدَأْنَاهُمْ بِالتَّخْوِيفِ وَالْمَصَائِبِ لِتَفُلَّ مِنْ حِدَّتِهِمْ وَتَصْرِفَ تَأَمُّلَهُمْ إِلَى تَطَلُّبِ أَسْبَابِ الْمَصَائِبِ فَيَعْلَمُوا أَنَّهَا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَيَتُوبُوا .
وَالتَّبْدِيلُ : التَّعْوِيضُ ، فَحَقُّهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِالْبَاءِ الْمُفِيدَةِ مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي الْمَدْخُولُ لِلْبَاءِ هُوَ الْمَتْرُوكَ ، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَأْخُوذَ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، لِذَلِكَ انْتَصَبَ الْحَسَنَةُ هُنَا لِأَنَّهَا الْمَأْخُوذَةُ لَهُمْ بَعْدَ السَّيِّئَةِ فَهِيَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَالسَّيِّئَةُ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ ، وَعَدَلَ عَنْ جَرِّ السَّيِّئَةِ بِالْبَاءِ إِلَى لَفْظٍ يُؤَدِّي مُؤَدَّى بَاءِ الْبَدَلِيَّةِ وَهُوَ
[ ص: 18 ] لَفْظُ ( مَكَانَ ) الْمُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا مَجَازًا عَنِ الْخَلَفِيَّةِ ، يُقَالُ خُذْ هَذَا مَكَانَ ذَلِكَ ، أَيْ : خُذْهُ خَلَفًا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلَفَ يَحُلُّ فِي مَكَانِ الْمَخْلُوفِ عَنْهُ . وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
وَبُدِلْتُ قُرْحًا دَامِيًا بَعْدَ نِعْمَةٍ
فَجَعَلَ " بَعْدَ " عِوَضًا عَنْ بَاءِ الْبَدَلِيَّةِ .
فَقَوْلُهُ ( مَكَانَ ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مَجَازًا ، أَيْ : بَدَّلْنَاهُمْ حَسَنَةً فِي مَكَانِ السَّيِّئَةِ ، وَالْحَسَنَةُ اسْمٌ اعْتُبِرَ مُؤَنَّثًا لِتَأْوِيلِهِ بِالْحَالَةِ وَالْحَادِثَةِ وَكَذَلِكَ السَّيِّئَةُ فَهُمَا فِي الْأَصْلِ صِفَتَانِ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ ، ثُمَّ كَثُرَ حَذْفُ الْمَوْصُوفِ لِقِلَّةِ جَدْوَى ذِكْرِهِ فَصَارَتِ الصِّفَتَانِ كَالِاسْمَيْنِ ، وَلِذَلِكَ عُبِّرَ عَنِ الْحَسَنَةِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ بِمَا يُتَلَمَّحُ مِنْهُ مَعْنَى وَصْفِيَّتِهَا نَحْوَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيِ : ادْفَعِ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ ، فَلَمَّا جَاءَ بِطَرِيقَةِ الْمَوْصُولِيَّةِ وَالصِّلَةِ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ تُلُمِّحَ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ فِيهِمَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=96ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ . وَمِثْلُهُمَا فِي هَذَا : الْمُصِيبَةُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ ( بَرَاءَةَ ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=50إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ أَيْ : بَدَّلْنَاهُمْ حَالَةً حَسَنَةً بِحَالَتِهِمُ السَّيِّئَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ .
فَالتَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ أُعْطُوا حَالَةً حَسَنَةً بَطِيئَةَ النَّفْعِ لَا تَبْلُغُ مَبْلَغَ الْبَرَكَةِ .
وَحَتَّى غَايَةٌ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ بَدَّلْنَا مِنَ اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ وَهِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ ، وَالْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا لَا مَحَلَّ لَهَا .
( وَعَفَوْا ) كَثُرُوا . يُقَالُ : عَفَا النَّبَاتُ ، إِذَا كَثُرَ وَنَمَا ، وَعَطَفَ ، ( وَقَالُوا ) عَلَى ( عَفَوْا ) فَهُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الْغَايَةِ .
وَالسَّرَّاءُ : النِّعْمَةُ وَرَخَاءُ الْعَيْشِ ، وَهِيَ ضِدُّ الضَّرَّاءِ .
وَالْمَعْنَى أَنَّا نَأْخُذُهُمْ بِمَا يُغَيِّرُ حَالَهُمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مِنْ رَخَاءٍ وَصِحَّةٍ عَسَى أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19614_29697سَلْبَ النِّعْمَةِ عَنْهُمْ أَمَارَةٌ عَلَى غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ جَرَّاءِ تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُمْ فَلَا يَهْتَدُونَ ، ثُمَّ نَرُدُّهُمْ إِلَى حَالَتِهِمُ الْأُولَى إِمْهَالًا لَهُمْ وَاسْتِدْرَاجًا فَيَزْدَادُونَ ضَلَالًا ، فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ تَعَلَّلُوا لِمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْبُؤْسِ وَالضُّرِّ بِأَنَّ ذَلِكَ التَّغْيِيرَ إِنَّمَا هُوَ عَارِضٌ مِنْ عَوَارِضِ
[ ص: 19 ] الزَّمَانِ وَأَنَّهُ قَدْ أَصَابَ أَسْلَافَهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَمْ يَجِئْهُمْ رُسُلٌ .
وَهَذِهِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي تَنْبِيهِ عِبَادِهِ ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ مِنْهُمُ التَّوَسُّمَ فِي الْأَشْيَاءِ وَالِاسْتِدْلَالَ بِالْعَقْلِ وَالنَّظَرَ بِالْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْأَسْبَابِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا وَهَبَ الْإِنْسَانَ الْعَقْلَ فَقَدْ أَحَبَّ مِنْهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا يَبْلُغُ بِهِ الْكَمَالَ وَيَقِيهِ الضَّلَالَ .
وَظَاهِرُ الْآيَةِ : أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الصَّادِرَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَهُوَ يَكُونُ دَائِرًا فِيمَا بَيْنَ بَعْضِهِمْ وَبَعْضِ فِي مُجَادَلَتِهِمْ لِرُسُلِهِمْ حِينَمَا يَعِظُونَهُمْ بِمَا حَلَّ بِهِمْ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِيمَانِ لِيُكْشَفَ عَنْهُمُ الضُّرُّ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا : يَجِيشُ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَدْفَعُوا بِذَلِكَ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ مِنْ تَوَقُّعِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الضُّرُّ عِقَابًا مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِذْ قَدْ كَانَ مَحْكِيًّا عَنْ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ كَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ مَيَادِينِ النُّفُوسِ وَالْأَحْوَالِ .
وَحَاصِلُ مَا دَفَعُوا بِهِ دَلَالَةَ الضَّرَّاءِ عَلَى غَضَبِ اللَّهِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قَدْ حَلَّ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ لَمْ يَدْعُهُمْ رَسُولٌ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ ، وَهَذَا مِنْ خَطَأِ الْقِيَاسِ وَفَسَادِ الِاسْتِدْلَالِ ، وَذَلِكَ بِحَصْرِ الشَّيْءِ ذِي الْأَسْبَابِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي سَبَبٍ وَاحِدٍ ، وَالْغَفْلَةِ عَنْ كَوْنِ الْأَسْبَابِ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، مَعَ الْغَفْلَةِ عَنِ الْفَارِقِ فِي قِيَاسِ حَالِهِمْ عَلَى حَالِ آبَائِهِمْ بِأَنَّ آبَاءَهُمْ لَمْ يَأْتِهِمْ رُسُلٌ مِنَ اللَّهِ ، وَأَمَّا أَقْوَامُ الرُّسُلِ فَإِنَّ الرُّسُلَ تُحَذِّرُهُمُ الْغَضَبَ وَالْبَأْسَاءَ وَالضَّرَّاءَ فَتَحِيقُ بِهِمْ ، أَفَلَا يَدُلُّهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا حَصَلَ لَهُمْ هُوَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، عَلَى أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ لَيْسَ مُنْحَصِرَ التَّرَتُّبِ عَلَى مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ بَلْ يَكُونُ أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=29697الِانْغِمَاسِ فِي الضَّلَالِ الْمُبِينِ ، مَعَ وُضُوحِ أَدِلَّةِ الْهُدَى لِلْعُقُولِ ، فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ ضَلَالٌ ، وَأَدِلَّةُ التَّوْحِيدِ وَاضِحَةٌ لِلْعُقُولِ ، فَإِذَا تَأَيَّدَتِ الدَّلَالَةُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ الْمُنْذِرِينَ قَوِيَتِ الضَّلَالَةُ بِاسْتِمْرَارِهَا ، وَانْقِطَاعِ أَعْذَارِهَا ، وَمِثْلُ هَذَا الْخَطَأِ يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بِدَاعِي الْهَوَى وَإِلْفِ حَالِ الضَّلَالِ .
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَأَخَذْنَاهُمْ لِلتَّعْقِيبِ عَنْ قَوْلِهِ عَفَوْا وَقَالُوا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا غَايَةً لِإِبْدَالِ الْحَسَنَةِ مَكَانَ السَّيِّئَةِ ، وَلَا إِشْعَارَ فِيهِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ هُوَ سَبَبُ أَخْذِهِمْ
[ ص: 20 ] بَغْتَةً وَلَكِنَّهُ دَلَّ عَلَى إِصْرَارِهِمْ ، أَيْ : فَحَصَلَ أَخْذُنَا إِيَّاهُمْ عَقِبَ تَحَسُّنِ حَالِهِمْ وَبَطَرِهِمُ النِّعْمَةَ .
وَالتَّعْقِيبُ عُرْفِيٌّ فَيَصْدُقُ بِالْمُدَّةِ الَّتِي لَا تُعَدُّ طُولًا فِي الْعَادَةِ لِحُصُولِ مِثْلِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ .
وَالْأَخْذُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِهْلَاكِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَالْبَغْتَةُ : الْفَجْأَةُ ، وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ، وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَتَقَدَّمَ هُنَالِكَ وَجْهُ نَصْبِهَا .
وَجُمْلَةُ وَهُمْ يَشْعُرُونَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى بَغْتَةً .