وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها
عطف على فانتقمنا منهم . والمعنى : فأخذناهم بالعقاب الذي استحقوه بني إسرائيل بنعمة عظيمة . وجازينا
وتقدم آنفا الكلام على معنى أورثنا عند قوله - تعالى - أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها والمراد هنا بني إسرائيل جميع الأرض المقدسة بعد أهلها من الأمم التي كانت تملكها من الكنعانيين وغيرهم . وقد قيل إن فرعون كان له سلطان على بلاد تمليك الشام ، ولا حاجة إلى هذا إذ ليس في الآية تعيين الموروث عنه .
والقوم الذين كانوا يستضعفون هم بنو إسرائيل كما وقع في الآية الأخرى كذلك وأورثناها بني إسرائيل . وعدل عن تعريفهم بطريق الإضافة إلى تعريفهم بطريق الموصولية لنكتتين : أولاهما الإيماء إلى علة الخبر ، أي أن الله ملكهم الأرض وجعلهم أمة حاكمة جزاء لهم على ما صبروا على الاستعباد ، غيرة من الله على عبيده .
الثانية : التعريض ببشارة المؤمنين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بأنهم ستكون لهم عاقبة السلطان كما كانت لبني إسرائيل ، جزاء على صبرهم على الأذى في الله ، ونذارة المشركين بزوال سلطان دينهم .
ومعنى يستضعفون : يستعبدون ويهانون ، فالسين والتاء للحسبان مثل استنجب ، أو للمبالغة كما في استجاب .
[ ص: 77 ] والمشارق والمغارب جمع باعتبار تعدد الجهات ؛ لأن الجهة أمر نسبي تتعدد بتعدد الأمكنة المفروضة ، والمراد بهما إحاطة الأمكنة .
و ( الأرض ) أرض الشام وهي الأرض المقدسة وهي تبتدئ من السواحل الشرقية الشمالية للبحر الأحمر وتنتهي إلى سواحل بحر الروم وهو البحر المتوسط وإلى حدود العراق وحدود بلاد العرب وحدود بلاد الترك .
و التي باركنا فيها صفة للأرض أو لمشارقها ومغاربها لأن ماصدقيهما متحدان ، أي قدرنا لها البركة . وقد مضى الكلام على البركة عند قوله - تعالى - لفتحنا عليهم بركات في هذه السورة أي أعضناهم عن أرض مصر التي أخرجوا منها أرضا هي خير من أرض مصر .