قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا
اعلم أولا أنا قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أنه إن كان لبعض الآيات بيان من القرآن لا يفي بإيضاح المقصود وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نتمم بيانه بذكر السنة المبينة له ، وقد قدمنا أمثلة متعددة لذلك ، فإذا علمت ذلك فاعلم أن هاتين الآيتين لهما بيان من كتاب أوضحته السنة ، فصار بضميمة السنة إلى القرآن بيانا وافيا بالمقصود ، والله جل وعلا قال في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ 16 \ 44 ] ، فإذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الآية الكريمة ، وآية الأنبياء قد دلتا في الجملة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=33980السد الذي بناه ذو القرنين دون يأجوج ومأجوج إنما يجعله الله دكا عند مجيء الوقت الموعود بذلك فيه ، وقد دلتا على أنه بقرب يوم القيامة ; لأنه قال هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور الآية [ 18 \ 98 - 99 ] ، وأظهر الأقوال في الجملة المقدرة
[ ص: 342 ] التي عوض عنها تنوين " يومئذ " من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ، أنه يوم إذ جاء وعد ربي بخروجهم وانتشارهم في الأرض ، ولا ينبغي العدول عن هذا القول لموافقته لظاهر سياق القرآن العظيم ، وإذا تقرر أن معنى " يومئذ " يوم إذ جاء الوعد بخروجهم وانتشارهم فاعلم أن الضمير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وتركنا بعضهم على القول بأنه لجميع بني
آدم فالمراد يوم القيامة ، وإذا فقد دلت الآية على اقترانه بالخروج إذا دك السد ، وقربه منه ، وعلى القول بأن الضمير راجع إلى يأجوج ومأجوج ، فقوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99ونفخ في الصور يدل في الجملة على أنه قريب منه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسير هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98قال هذا رحمة من ربي ، هو إشارة إلى السد ، أي : هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده ، أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98فإذا جاء وعد ربي يعني فإذا دنا مجيء يوم القيامة ، وشارف أن يأتي جعل السد دكا ، أي : مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض ، وكل ما انبسط من بعد ارتفاع فقد اندك ، ومنه الجمل الأدك المنبسط السنام ا هـ .
وآية الأنبياء المشار إليها هي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=96حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا الآية [ 21 \ 96 - 97 ] ; لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=96حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وإتباعه لذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ، يدل في الجملة على ما ذكرنا في تفسير آية الكهف التي نحن بصددها ، وذلك يدل على بطلان قول من قال : إنهم روسية ، وأن السد فتح منذ زمان طويل ، فإذا قيل : إنما تدل الآيات المذكورة في " الكهف " و " الأنبياء " على مطلق اقتراب يوم القيامة من دك السد واقترابه من يوم القيامة لا ينافي كونه قد وقع بالفعل ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقترب للناس حسابهم الآية [ 21 \ 1 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر [ 54 \ 1 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008144ويل للعرب ، من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها . " الحديث ، وقد قدمنا في سورة " المائدة " ، فقد دل القرآن والسنة الصحيحة على أن اقتراب ما ذكر لا يستلزم اقترانه به ، بل يصح اقترابه مع مهلة ، وإذا فلا ينافي دك السد الماضي المزعوم الاقتراب من يوم القيامة ، فلا يكون في الآيات المذكورة دليل على أنه لم يدك السد إلى الآن .
[ ص: 343 ] فالجواب : هو ما قدمنا أن هذا البيان بهذه الآيات ليس وافيا بتمام الإيضاح إلا بضميمة السنة له ، ولذلك ذكرنا أننا نتمم مثله من السنة ; لأنها مبينة للقرآن ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11997أبو خيثمة زهير بن حرب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16351عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني
يحيى بن جابر الطائي قاضي
حمص ، حدثني
عبد الرحمن بن جبير عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير الحضرمي : أنه سمع
النواس بن سمعان الكلابي ) ح ( وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17030محمد بن مهران الرازي ) واللفظ له ( ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16351عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن
يحيى بن جابر الطائي ، عن
عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير ، عن
النواس بن سمعان قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008145ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال : " ما شأنكم " ؟ قلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ؟ فقال : " غير الدجال أخوفني عليكم ! إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط ، عينه طافئة ، nindex.php?page=treesubj&link=30273كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة " الكهف " إنه خارج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وعاث شمالا ، " يا عباد الله فاثبتوا " قلنا : يا رسول الله ، وما لبثه في الأرض ؟ قال : " أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم " قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة ، أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : " لا ، اقدروا له قدره " قلنا : يا رسول الله ، وما إسراعه في الأرض ؟ قال : " كالغيث استدبرته الريح " ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له : فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا ، وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله : فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعون فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لده فيقتله ، ثم يأتي عيسى ابن [ ص: 344 ] مريم قوم قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، nindex.php?page=treesubj&link=30285ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم ، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك ، وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ، ويستظلون بقحفها ، يبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينما هم كذلك إذ nindex.php?page=treesubj&link=30286بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، nindex.php?page=treesubj&link=30253ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة " انتهى بلفظه من صحيح
مسلم رحمه الله تعالى .
وهذا الحديث الصحيح قد رأيت فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم : بأن الله يوحي إلى
عيسى ابن مريم خروج يأجوج ومأجوج بعد قتله الدجال ، فمن يدعي أنهم روسية ، وأن السد قد اندك منذ زمان فهو مخالف لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحة لا وجه لها ، ولا شك أن كل خبر ناقض خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فهو باطل ; لأن نقيض الخبر الصادق كاذب ضرورة كما هو معلوم ، ولم يثبت في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يعارض هذا الحديث الذي رأيت صحة سنده ، ووضوح دلالته على المقصود .
والعمدة في الحقيقة لمن ادعى أن يأجوج ومأجوج هم روسية ، ومن ادعى من الملحدين أنهم لا وجود لهم أصلا هي حجة عقلية في زعم صاحبها ، وهي بحسب المقرر في الجدل قياس استثنائي مركب من شرطية متصلة لزومية في زعم المستدل به يستثنى فيه نقيض التالي ، فينتج نقيض المقدم ، وصورة نظمه أن يقول : لو كان يأجوج ومأجوج وراء السد إلى الآن ، لاطلع عليهم الناس لتطور طرق المواصلات ، لكنهم لم
[ ص: 345 ] يطلع عليهم أحد ينتج فهم ليسوا وراء السد إلى الآن ; لأن استثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم كما هو معلوم ، وبعبارة أوضح لغير المنطقي ; لأن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم هذا هو عمدة حجة المنكرين وجودهم إلى الآن وراء السد ، ومن المعلوم أن القياس الاستثنائي المعروف بالشرطي ، إذا كان مركبا من شرطية متصلة واستثنائية ، فإنه يتوجه عليه القدح من ثلاث وجهات :
الأولى : أن يقدح فيه من جهة شرطيته ، لكون الربط بين المقدم والتالي ليس صحيحا .
الثانية : أن يقدح فيه من جهة استثنائيته .
الثالثة : أن يقدح فيه من جهتهما معا ، وهذا القياس المزعوم يقدح فيه من جهة شرطيته فيقول للمعترض : الربط فيه بين المقدم والتالي غير صحيح ، فقولكم : لو كانوا موجودين وراء السد إلى الآن لاطلع عليهم الناس غير صحيح ، لإمكان أن يكونوا موجودين والله يخفي مكانهم على عامة الناس حتى يأتي الوقت المحدد لإخراجهم على الناس ، ومما يؤيد إمكان هذا ما ذكره الله تعالى في سورة " المائدة " من أنه جعل
بني إسرائيل يتيهون في الأرض أربعين سنة ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض الآية [ 5 \ 26 ] ، وهم في فراسخ قليلة من الأرض ، يمشون ليلهم ونهارهم ولم يطلع عليهم الناس حتى انتهى أمد التيه ، لأنهم لو اجتمعوا بالناس لبينوا لهم الطريق ، وعلى كل حال ، فربك فعال لما يريد ، وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه صادقة ، وما يوجد بين
أهل الكتاب مما يخالف ما ذكرنا ونحوه من القصص الواردة في القرآن والسنة الصحيحة ، زاعمين أنه منزل في التوراة أو غيره من الكتب السماوية باطل يقينا لا يعول علينا ; لأن الله جل وعلا صرح في هذا القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد بأنهم بدلوا وحرفوا وغيروا في كتبهم ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13يحرفون الكلم عن مواضعه [ 5 \ 13 ] ، وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا [ 6 \ 91 ] ، وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون [ 2 \ 79 ] ، وقولـه تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=78وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون [ 3 \ 78 ] ،
[ ص: 346 ] إلى غير ذلك من الآيات بخلاف هذا القرآن العظيم ، فقد تولى الله جل وعلا حفظه بنفسه ، ولم يكلمه أحد حتى يغير فيه أو يبدل أو يحرف ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ 15 \ 9 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه [ 75 \ 16 - 17 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه [ 41 \ 42 ] ، وقال في النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ 53 \ 3 - 4 ] ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لأمته أن تحدث عن
بني إسرائيل ، ونهاهم عن تصديقهم وتكذيبهم ، خوف أن يصدقوا بباطل ، أو يكذبوا بحق .
ومن المعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28965ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات : في واحدة منها يجب تصديقه ، وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه ، وفي واحدة يجب تكذيبه ، وهي ما إذا دل القرآن أو السنة أيضا على كذبه ، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق ، كما في الحديث المشار إليه آنفا : وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه ، وبهذا التحقيق تعلم أن القصص المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة التي توجه بأيدي بعضهم ، زاعمين أنها في الكتب المنزلة يجب تكذيبهم فيها لمخالفتها نصوص الوحي الصحيح ، التي لم تحرف ولم تبدل ، والعلم عند الله تعالى .
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98جعله دكاء ، قرأه
نافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو " دكا " بالتنوين مصدر دكه ، وقرأه
عاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98جعله دكاء ، بألف التأنيث الممدودة تأنيث الأدك ، ومعنى القراءتين راجع إلى شيء واحد ، وقد قدمنا إيضاحه .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا
اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ : أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِبَعْضِ الْآيَاتِ بَيَانٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَا يَفِي بِإِيضَاحِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّا نُتَمِّمُ بَيَانَهُ بِذِكْرِ السُّنَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ ، وَقَدْ قَدَّمَنَا أَمْثِلَةً مُتَعَدِّدَةً لِذَلِكَ ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَهُمَا بَيَانٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْضَحَتْهُ السُّنَّةُ ، فَصَارَ بِضَمِيمَةِ السُّنَّةِ إِلَى الْقُرْآنِ بَيَانًا وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَالَ فِي كِتَابِهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ 16 \ 44 ] ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ ، وَآيَةَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ دَلَّتَا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33980السَّدَّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ دُونَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِنَّمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ دَكًّا عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ الْمَوْعُودِ بِذَلِكَ فِيهِ ، وَقَدْ دَلَّتَا عَلَى أَنَّهُ بِقُرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; لِأَنَّهُ قَالَ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ الْآيَةَ [ 18 \ 98 - 99 ] ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُقَدَّرَةِ
[ ص: 342 ] الَّتِي عَوَّضَ عَنْهَا تَنْوِينُ " يَوْمَئِذٍ " مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ، أَنَّهُ يَوْمَ إِذْ جَاءَ وَعْدُ رَبِّي بِخُرُوجِهِمْ وَانْتِشَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ ، وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لِمُوَافَقَتِهِ لِظَاهِرِ سِيَاقٍ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى " يَوْمَئِذٍ " يَوْمَ إِذْ جَاءَ الْوَعْدُ بِخُرُوجِهِمْ وَانْتِشَارِهِمْ فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِجَمِيعِ بَنِي
آدَمَ فَالْمُرَادُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَإِذًا فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى اقْتِرَانِهِ بِالْخُرُوجِ إِذَا دَكَّ السَّدَّ ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يَدُلُّ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ، هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى السَّدِّ ، أَيْ : هَذَا السَّدُّ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ عَلَى عِبَادِهِ ، أَوْ هَذَا الْإِقْدَارٌ وَالتَّمْكِينٌ مِنْ تَسْوِيَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي يَعْنِي فَإِذَا دَنَا مَجِيءُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَشَارَفَ أَنْ يَأْتِيَ جَعَلَ السَّدَّ دَكًّا ، أَيْ : مَدْكُوكًا مَبْسُوطًا مُسَوًّى بِالْأَرْضِ ، وَكُلُّ مَا انْبَسَطَ مِنْ بَعْدِ ارْتِفَاعٍ فَقَدِ انْدَكَّ ، وَمِنْهُ الْجَمَلُ الْأَدَكُّ الْمُنْبَسِطُ السَّنَامِ ا هـ .
وَآيَةُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُشَارُ إِلَيْهَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=96حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ [ 21 \ 96 - 97 ] ; لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=96حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَإِتْبَاعَهُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، يَدُلُّ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْكَهْفِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ رُوسِيَّةٌ ، وَأَنَّ السَّدَّ فُتِحَ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ ، فَإِذَا قِيلَ : إِنَّمَا تَدُلُّ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي " الْكَهْفِ " وَ " الْأَنْبِيَاءِ " عَلَى مُطْلَقِ اقْتِرَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ دَكِّ السَّدِّ وَاقْتِرَابِهِ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ قَدْ وَقَعَ بِالْفِعْلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ الْآيَةَ [ 21 \ 1 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ 54 \ 1 ] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008144وَيْلٌ لِلْعَرَبِ ، مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا . " الْحَدِيثَ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ " الْمَائِدَةِ " ، فَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ اقْتِرَابَ مَا ذَكَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ اقْتِرَانُهُ بِهِ ، بَلْ يَصِحُّ اقْتِرَابُهُ مَعَ مُهْلَةٍ ، وَإِذًا فَلَا يُنَافِي دَكُّ السَّدِّ الْمَاضِي الْمَزْعُومِ الِاقْتِرَابَ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَا يَكُونُ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُدَكُّ السَّدُّ إِلَى الْآنِ .
[ ص: 343 ] فَالْجَوَابُ : هُوَ مَا قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ لَيْسَ وَافِيًا بِتَمَامِ الْإِيضَاحِ إِلَّا بِضَمِيمَةِ السُّنَّةِ لَهُ ، وَلِذَلِكَ ذَكَرْنَا أَنَّنَا نُتَمِّمُ مِثْلَهُ مِنَ السُّنَّةِ ; لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِلْقُرْآنِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11997أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16351عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، حَدَّثَنِي
يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي
حِمْصَ ، حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15622جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ : أَنَّهُ سَمِعَ
النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ) ح ( وَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17030مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ ) وَاللَّفْظُ لَهُ ( ، حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=15500الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16351عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15622جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنِ
النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008145ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَضَ فِيهِ وَرَفَعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ : " مَا شَأْنُكُمْ " ؟ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَضْتَ فِيهِ وَرَفَعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ؟ فَقَالَ : " غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفَنِي عَلَيْكُمْ ! إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ ، nindex.php?page=treesubj&link=30273كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ " الْكَهْفِ " إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا ، " يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ : " أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمُ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : " لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ : " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ " ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ : فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذَرًّا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ : فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتُتْبِعُهُ كُنُوزَهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدِّهِ فَيَقْتُلَهُ ، ثُمَّ يَأْتِيَ عِيسَى ابْنُ [ ص: 344 ] مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى : إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ، nindex.php?page=treesubj&link=30285وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا ، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ، وَيَحْصُرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يُكَنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزُّلْفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ : أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا ، يُبَارَكُ فِي الرُّسُلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ nindex.php?page=treesubj&link=30286بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ ، nindex.php?page=treesubj&link=30253وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ " انْتَهَى بِلَفْظِهِ مِنْ صَحِيحِ
مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ قَدْ رَأَيْتَ فِيهِ تَصْرِيحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِأَنَّ اللَّهَ يُوحِي إِلَى
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ خُرُوجَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ ، فَمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُمْ رُوسِيَّةٌ ، وَأَنَّ السَّدَّ قَدِ انْدَكَّ مُنْذُ زَمَانٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالَفَةً صَرِيحَةً لَا وَجْهَ لَهَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ خَبَرٍ نَاقِضٍ خَبَرَ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ نَقِيضَ الْخَبَرِ الصَّادِقِ كَاذِبٌ ضَرُورَةً كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَأَيْتَ صِحَّةَ سَنَدِهِ ، وَوُضُوحَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ .
وَالْعُمْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَنِ ادَّعَى أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ هُمْ رُوسِيَّةٌ ، وَمَنِ ادَّعَى مِنَ الْمُلْحِدِينَ أَنَّهُمْ لَا وُجُودَ لَهُمْ أَصْلًا هِيَ حُجَّةٌ عَقْلِيَّةٌ فِي زَعْمِ صَاحِبِهَا ، وَهِيَ بِحَسَبِ الْمُقَرَّرِ فِي الْجَدَلِ قِيَاسٌ اسْتِثْنَائِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةٍ لُزُومِيَّةٍ فِي زَعْمِ الْمُسْتَدِلِّ بِهِ يُسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضُ التَّالِي ، فَيَنْتُجُ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ ، وَصُورَةُ نَظْمِهِ أَنْ يَقُولَ : لَوْ كَانَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَرَاءَ السَّدِّ إِلَى الْآنِ ، لَاطَّلَعَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ لِتَطَوُّرِ طُرُقُ الْمُوَاصَلَاتِ ، لَكِنَّهُمْ لَمْ
[ ص: 345 ] يَطَّلِعْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ يُنْتِجُ فَهُمْ لَيْسُوا وَرَاءَ السَّدِّ إِلَى الْآنِ ; لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ نَقِيضِ التَّالِي يُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ، وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ لِغَيْرِ الْمَنْطِقِيِّ ; لِأَنَّ نَفْيَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَلْزُومِ هَذَا هُوَ عُمْدَةُ حُجَّةِ الْمُنْكِرِينَ وَجُودَهُمْ إِلَى الْآنِ وَرَاءَ السَّدِّ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقِيَاسَ الِاسْتِثْنَائِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالشَّرْطِيِّ ، إِذَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةٍ وَاسْتِثْنَائِيَّةٍ ، فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْقَدَحُ مِنْ ثَلَاثِ وِجْهَاتٍ :
الْأُولَى : أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ شَرْطِيَّتِهِ ، لِكَوْنِ الرَّبْطِ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي لَيْسَ صَحِيحًا .
الثَّانِيَةُ : أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ اسْتِثْنَائِيَّتِهِ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِمَا مَعًا ، وَهَذَا الْقِيَاسُ الْمَزْعُومُ يَقْدَحُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ شَرْطِيَّتِهِ فَيَقُولُ لِلْمُعْتَرِضِ : الرَّبْطُ فِيهِ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي غَيْرُ صَحِيحٍ ، فَقَوْلُكُمْ : لَوْ كَانُوا مَوْجُودِينَ وَرَاءَ السَّدِّ إِلَى الْآنِ لَاطَّلَعَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ وَاللَّهُ يُخْفِي مَكَانَهُمْ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لِإِخْرَاجِهِمْ عَلَى النَّاسِ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ إِمْكَانَ هَذَا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْمَائِدَةِ " مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [ 5 \ 26 ] ، وَهُمْ فِي فَرَاسِخَ قَلِيلَةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، يَمْشُونَ لَيْلَهُمْ وَنَهَارَهُمْ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِمُ النَّاسُ حَتَّى انْتَهَى أَمَدُ التِّيهِ ، لِأَنَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا بِالنَّاسِ لَبَيَّنُوا لَهُمُ الطَّرِيقَ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَرَبُّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ، وَأَخْبَارُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةُ عَنْهُ صَادِقَةٌ ، وَمَا يُوجَدُ بَيْنَ
أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا وَنَحْوَهُ مِنَ الْقِصَصِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسَّنَةِ الصَّحِيحَةِ ، زَاعِمِينَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بَاطِلٌ يَقِينًا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْنَا ; لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا صَرَّحَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ بِأَنَّهُمْ بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا وَغَيَّرُوا فِي كُتُبِهِمْ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [ 5 \ 13 ] ، وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا [ 6 \ 91 ] ، وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [ 2 \ 79 ] ، وَقَوْلِـهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=78وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ 3 \ 78 ] ،
[ ص: 346 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ بِخِلَافِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، فَقَدْ تَوَلَّى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا حِفْظَهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ حَتَّى يُغَيِّرَ فِيهِ أَوْ يُبَدِّلَ أَوْ يُحَرِّفَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ 15 \ 9 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [ 75 \ 16 - 17 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ [ 41 \ 42 ] ، وَقَالَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ 53 \ 3 - 4 ] ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَذِنَ لِأُمَّتِهِ أَنْ تُحَدِّثَ عَنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ ، خَوْفَ أَنْ يُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ ، أَوْ يُكَذِّبُوا بِحَقٍّ .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28965مَا يُرْوَى عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ : فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ ، وَهِيَ مَا إِذَا دَلَّ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَلَى صِدْقِهِ ، وَفِي وَاحِدَةٍ يَجِبُ تَكْذِيبُهُ ، وَهِيَ مَا إِذَا دَلَّ الْقُرْآنُ أَوِ السُّنَّةُ أَيْضًا عَلَى كَذِبِهِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ لَا يَجُوزُ التَّكْذِيبُ وَلَا التَّصْدِيقُ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا : وَهِيَ مَا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ ، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ تَعْلَمُ أَنَّ الْقِصَصَ الْمُخَالِفَةَ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُوَجَّهُ بِأَيْدِي بَعْضِهِمْ ، زَاعِمِينَ أَنَّهَا فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ يَجِبُ تَكْذِيبُهُمْ فِيهَا لِمُخَالَفَتِهَا نُصُوصَ الْوَحْيِ الصَّحِيحِ ، الَّتِي لَمْ تُحَرَّفْ وَلَمْ تُبَدَّلْ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُـهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98جَعَلَهُ دَكَّاءَ ، قَرَأَهُ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو " دَكًّا " بِالتَّنْوِينِ مَصْدَرُ دَكَّهُ ، وَقَرَأَهُ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=98جَعَلَهُ دَكَّاءَ ، بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ الْمَمْدُودَةِ تَأْنِيثُ الْأَدَكِّ ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ رَاجِعٌ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ .