قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=28990_30368وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا .
اختلف العلماء في المراد بورود النار في هذه الآية الكريمة على أقوال :
الأول : أن المراد بالورود الدخول ، ولكن الله يصرف أذاها عن عباده المتقين عند ذلك الدخول .
الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30368المراد بورود النار المذكور : الجواز على الصراط ; لأنه جسر منصوب على متن جهنم .
[ ص: 478 ] الثالث : أن الورود المذكور هو الإشراف عليها والقرب منها .
الرابع : أن حظ المؤمنين من ذلك الورود هو حر الحمى في دار الدنيا ، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها الاستدلال على أحد المعاني الداخلة في معنى الآية بكونه هو الغالب في القرآن ، فغلبته فيه دليل استقرائي على عدم خروجه من معنى الآية ، وقد قدمنا أمثلة لذلك ، فإذا علمت ذلك فاعلم أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما استدل على المراد بورود النار في الآية بمثل ذلك الدليل الذي ذكرنا أنه من أنواع البيان في هذا الكتاب المبارك .
وإيضاحه أن ورود النار جاء في القرآن في آيات متعددة ، والمراد في كل واحدة منها الدخول ، فاستدل بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على أن " الورود في الآية التي فيها النزاع هو الدخول " ؛ لدلالة الآيات الأخرى على ذلك ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود [ 11 \ 98 ] ، قال : فهذا ورود دخول ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=99لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون [ 21 \ 99 ] ، فهو ورود دخول أيضا ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=86ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [ 19 \ 86 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون [ 21 \ 68 ] ، وبهذا استدل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على
نافع بن الأزرق في " أن الورود الدخول " .
واحتج من قال بأن الورود : الإشراف والمقاربة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ولما ورد ماء مدين الآية [ 28 \ 23 ] ، قال : فهذا ورود مقاربة وإشراف عليه ، وكذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19فأرسلوا واردهم الآية [ 12 \ 11 ] ، ونظيره من كلام العرب قول
زهير بن أبي سلمى في معلقته :
فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم
قالوا : والعرب تقول : وردت القافلة البلد ، وإن لم تدخله ولكن قربت منه ، واحتج من قال بأن الورود في الآية التي نحن بصددها ليس نفس الدخول بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=101إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=102لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون [ 21 \ 101 - 102 ] ، قالوا : إبعادهم عنها المذكور في هذه الآية يدل على عدم دخولهم فيها ; فالورود غير الدخول .
واحتج من قال : بأن ورود النار في الآية بالنسبة للمؤمنين : حر الحمى في دار
[ ص: 479 ] الدنيا بحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008267الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء " ، وهو حديث متفق عليه من حديث
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=64وأسماء ابنتي أبي بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج رضي الله عنهم ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا مرفوعا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : قد دلت على أن الورود في الآية معناه الدخول أدلة ، الأول : هو ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما من أن
nindex.php?page=treesubj&link=30433جميع ما في القرآن من ورود النار معناه دخولها غير محل النزاع ، فدل ذلك على أن محل النزاع كذلك ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن .
الدليل الثاني : هو أن في نفس الآية قرينة دالة على ذلك ، وهي أنه تعالى لما خاطب جميع الناس بأنهم سيردون النار برهم وفاجرهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا [ 19 \ 70 - 71 ] ، بين مصيرهم ومآلهم بعد ذلك الورود المذكور بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها [ 19 \ 72 ] ، أي : نترك الظالمين فيها ، دليل على أن ورودهم لها دخولهم فيها ، إذ لو لم يدخلوها لم يقل :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ونذر الظالمين فيها بل يقول : وندخل الظالمين ، وهذا واضح كما ترى ، وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثم ننجي الذين اتقوا ، دليل على أنهم وقعوا فيما من شأنه أنه هلكة ، ولذا عطف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثم ننجي الذين اتقوا .
الدليل الثالث : ما روي من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال صاحب الدر المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة : أخرج
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14155والحكيم الترمذي ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والحاكم وصححه ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في البعث ، عن
أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن ، وقال بعضهم : يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا ، فلقيت
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فذكرت له ذلك فقال وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه : صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008268لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا " اهـ . وقال
ابن حجر في ) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ( في هذا الحديث : رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد قالوا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ، وأخرجه
أبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في الكنى ،
والبيهقي في الشعب في باب النار ،
والحكيم في النوادر ، كلهم من طريق
سليمان ، قال : حدثنا
أبو صالح غالب بن سليمان ، عن
كثير بن زياد عن
أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فسألنا
جابرا فذكر الحديث أتم من اللفظ
[ ص: 480 ] الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وخالفهم كلهم
الحاكم فرواه من طريق
سليمان بهذا الإسناد فقال : عن
سمية الأزدية عن
عبد الرحمن بن شيبة . بدل
أبي سمية عن
جابر . اهـ . وقال
ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : قال الإمام
أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ، حدثنا
غالب بن سليمان ، عن
كثير بن زياد البرساني ، عن
أبي سمية ، قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن ، وقال بعضهم : يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا ، فلقيت
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله فقلت : إنا اختلفنا في الورود فقال : يدخلونها جميعا ، ثم ذكر الحديث المتقدم ، ثم قال
ابن كثير رحمه الله : غريب ولم يخرجوه .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الظاهر أن الإسناد المذكور لا يقل عن درجة الحسن لأن طبقته الأولى :
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ، وهو ثقة إمام حافظ مشهور ، وطبقته الثانية :
أبو صالح أو
أبو سلمة غالب بن سليمان العتكي الجهضمي الخراساني أصله من
البصرة ، وهو ثقة ، وطبقته الثالثة :
كثير بن زياد أبو سهل البرساني بصري نزل
بلخ ، وهو ثقة ، وطبقته الرابعة :
أبو سمية وقد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات ، قاله
ابن حجر في تهذيب التهذيب . وبتوثيق
أبي سمية المذكور تتضح صحة الحديث ; لأن غيره من رجال هذا الإسناد ثقات معروفون ، مع أن حديث
جابر المذكور يعتضد بظاهر القرآن وبالآيات الأخرى التي استدل بها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وآثار جاءت عن علماء السلف رضي الله عنهم كما ذكره
ابن كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان ،
nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، وذكره هو
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
أبي ميسرة ، وذكره
ابن كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، كلهم يقولون : إنه ورود دخول ، وأجاب من قال بأن الورود في الآية الدخول عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=101أولئك عنها مبعدون [ 21 \ 101 ] ، بأنهم مبعدون عن عذابها وألمها ، فلا ينافي ذلك ورودهم إياها من غير شعورهم بألم ولا حر منها ، كما أوضحناه في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في الكلام على هذه الآية الكريمة .
وأجابوا عن الاستدلال بحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008269الحمى من فيح جهنم " ، بالقول بموجبه ، قالوا : الحديث حق صحيح ولكنه لا دليل فيه لمحل النزاع ; لأن السياق صريح في أن الكلام في النار في الآخرة وليس في حرارة منها في الدنيا ; لأن أول الكلام قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا إلى أن قال
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها [ 19 \ 68 - 70 ] ، فدل على أن كل ذلك في الآخرة لا في الدنيا كما ترى .
والقراءة في قوله : جثيا ، كما قدمنا في قوله :
[ ص: 481 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا .
وقوله : ثم ننجي ، قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي بإسكان النون الثانية وتخفيف الجيم ، وقرأه الباقون بفتح النون الثانية وتشديد الجيم ، وقد ذكرنا في كتابنا ) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ( أن جماعة رووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : أن ورود النار المذكور في الآية هو المرور عليها ; لأن الناس تمر على الصراط وهو جسر منصوب على متن جهنم ، وأن
الحسن وقتادة روي عنهما نحو ذلك أيضا ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أيضا مرفوعا : "
أنهم يردونها جميعا ويصدرون عنها بحسب أعمالهم " ، وعنه أيضا تفسير الورود بالوقوف عليها ، والعلم عند الله تعالى .
وقوله تعالى في الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كان على ربك حتما مقضيا ، يعني أن ورودهم النار المذكور كان حتما على ربك مقضيا ، أي : أمرا واجبا مفعولا لا محالة ، والحتم : الواجب الذي لا محيد عنه ، ومنه قول
أمية بن أبي الصلت الثقفي :
عبادك يخطئون وأنت رب بكفيك المنايا والحتوم
فقوله : " والحتوم " : جمع حتم ، يعني الأمور الواجبة التي لا بد من وقوعها ، وما ذكره جماعة من أهل العلم من أن المراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71حتما مقضيا قسما واجبا ، كما روي عن
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ومجاهد وقتادة وغيرهم - لا يظهر كل الظهور .
واستدل من قال : إن في الآية قسما ، بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الثابت في الصحيحين ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : حدثنا
علي ، حدثنا
سفيان قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008271لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم " قال
أبو عبد الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها اهـ . وقال
مسلم في صحيحه : حدثنا
يحيى بن يحيى قال : قرأت على
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008272لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16696وعمرو الناقد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وزهير بن حرب قالوا ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ) ح ( وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16957وابن رافع ، عن
عبد الرزاق ، أخبرنا
معمر كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بإسناد
مالك ، وبمعنى حديثه إلا أن في حديث
سفيان "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008273فيلج النار إلا تحلة القسم " اهـ .
قالوا : المراد بالقسم المذكور في هذا الحديث الصحيح هو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ، وهو معنى ما ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في قوله : قال
أبو عبد الله nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها ،
[ ص: 482 ] والذين استدلوا بالحديث المذكور على أن الآية الكريمة قسم اختلفوا في موضع القسم من الآية ، فقال بعضهم : هو مقدر دل عليه الحديث المذكور ، أي : والله إن منكم إلا واردها ، وقال بعضهم : هو معطوف على القسم قبله ، والمعطوف على القسم قسم ، والمعنى : فوربك لنحشرنهم والشياطين وربك إن منكم إلا واردها ، وقال بعضهم : القسم المذكور مستفاد من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كان على ربك حتما مقضيا أي : قسما واجبا كما قدمناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ومجاهد ،
وعكرمة ،
وقتادة ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون المراد بالقسم ما دل على القطع والبت من السياق ، فإن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كان على ربك حتما مقضيا ، تذييل وتقرير لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها ، وهذا بمنزلة القسم في تأكيد الإخبار ، بل هذا أبلغ للحصر في الآية بالنفي والإثبات .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن الآية ليس يتعين فيها قسم ; لأنها لم تقترن بأداة من أدوات القسم ، ولا قرينة واضحة دالة على القسم ، ولم يتعين عطفها على القسم ، والحكم بتقدير قسم في كتاب الله دون قرينة ظاهرة فيه ، زيادة على معنى كلام الله بغير دليل يجب الرجوع إليه ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المذكور المتفق عليه لا يتعين منه أن في الآية قسما ; لأن من أساليب اللغة العربية التعبير بتحلة القسم عن القلة الشديدة وإن لم يكن هناك قسم أصلا ، يقولون : ما فعلت كذا إلا تحلة القسم ، يعنون إلا فعلا قليلا جدا قدر ما يحلل به الحالف قسمه ، وهذا أسلوب معروف في كلام العرب ، ومنه قول
كعب بن زهير في وصف ناقته :
تخدي على يسرات وهي لاصقة ذوابل مسهن الأرض تحليل
يعني : أن قوائم ناقته لا تمس الأرض لشدة خفتها إلا قدر تحليل القسم ، ومعلوم أنه لا يمين من ناقته أنها تمس الأرض حتى يكون ذلك المس تحليلا لها كما ترى ، وعلى هذا المعنى المعروف ، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم " إلا تحلة " ، أي : لا يلج النار إلا ولوجا قليلا جدا لا ألم فيه ولا حر ، كما قدمنا في حديث
جابر المرفوع ، وأقرب أقوال من قالوا : إن في الآية قسما ، قول من قال : إنه معطوف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فوربك لنحشرنهم ; لأن الجمل المذكورة بعده معطوفة عليه ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68ثم لنحضرنهم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثم لننزعن وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثم لنحن أعلم لدلالة قرينة لام القسم في الجمل المذكورة على ذلك ، أما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها ، فهو محتمل للعطف أيضا ، ومحتمل للاستئناف ، والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=28990_30368وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا .
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِوُرُودِ النَّارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُرُودِ الدُّخُولُ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُ أَذَاهَا عَنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ عِنْدَ ذَلِكَ الدُّخُولِ .
الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30368الْمُرَادَ بِوُرُودِ النَّارِ الْمَذْكُورِ : الْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ ; لِأَنَّهُ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ .
[ ص: 478 ] الثَّالِثُ : أَنَّ الْوُرُودَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْإِشْرَافُ عَلَيْهَا وَالْقُرْبُ مِنْهَا .
الرَّابِعُ : أَنَّ حَظَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ الْوُرُودِ هُوَ حُرُّ الْحُمَّى فِي دَارِ الدُّنْيَا ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ : أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَحَدِ الْمَعَانِي الدَّاخِلَةِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ بِكَوْنِهِ هُوَ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ ، فَغَلَبَتُهُ فِيهِ دَلِيلٌ اسْتِقْرَائِيٌّ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَمْثِلَةً لِذَلِكَ ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا اسْتَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ بِوُرُودِ النَّارِ فِي الْآيَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ .
وَإِيضَاحُهُ أَنَّ وُرُودَ النَّارِ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَالْمُرَادُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الدُّخُولُ ، فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ " الْوُرُودَ فِي الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ هُوَ الدُّخُولُ " ؛ لِدَلَالَةِ الْآيَاتِ الْأُخْرَى عَلَى ذَلِكَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [ 11 \ 98 ] ، قَالَ : فَهَذَا وُرُودُ دُخُولٍ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=99لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [ 21 \ 99 ] ، فَهُوَ وُرُودُ دُخُولٍ أَيْضًا ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=86وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [ 19 \ 86 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [ 21 \ 68 ] ، وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى
نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ فِي " أَنَّ الْوُرُودَ الدُّخُولُ " .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُرُودَ : الْإِشْرَافُ وَالْمُقَارَبَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ الْآيَةَ [ 28 \ 23 ] ، قَالَ : فَهَذَا وُرُودُ مُقَارَبَةٍ وَإِشْرَافٍ عَلَيْهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ الْآيَةَ [ 12 \ 11 ] ، وَنَظِيرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ
زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي مُعَلَّقَتِهِ :
فَلَمَّا وَرَدْنَ الْمَاءَ زُرْقًا جِمَامُهُ وَضَعْنَ عِصِيَّ الْحَاضِرِ الْمُتَخَيِّمِ
قَالُوا : وَالْعَرَبُ تَقُولُ : وَرَدَتِ الْقَافِلَةُ الْبَلَدَ ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْهُ وَلَكِنْ قَرُبَتْ مِنْهُ ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُرُودَ فِي الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا لَيْسَ نَفْسَ الدُّخُولِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=101إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=102لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ [ 21 \ 101 - 102 ] ، قَالُوا : إِبْعَادُهُمْ عَنْهَا الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِمْ فِيهَا ; فَالْوُرُودُ غَيْرُ الدُّخُولِ .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : بِأَنَّ وُرُودَ النَّارِ فِي الْآيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ : حَرُّ الْحُمَّى فِي دَارِ
[ ص: 479 ] الدُّنْيَا بِحَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008267الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=64وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=46وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مَرْفُوعًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوُرُودَ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ الدُّخُولُ أَدِلَّةٌ ، الْأَوَّلُ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30433جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ وُرُودِ النَّارِ مَعْنَاهُ دُخُولُهَا غَيْرَ مَحِلِّ النِّزَاعِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَحِلَّ النِّزَاعِ كَذَلِكَ ، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ .
الدَّلِيلُ الثَّانِي : هُوَ أَنَّ فِي نَفْسِ الْآيَةِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ ، وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَاطَبَ جَمِيعَ النَّاسِ بِأَنَّهُمْ سَيَرِدُونَ النَّارَ بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [ 19 \ 70 - 71 ] ، بَيَّنَ مَصِيرَهُمْ وَمَآلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْوُرُودِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا [ 19 \ 72 ] ، أَيْ : نَتْرُكُ الظَّالِمِينَ فِيهَا ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَهُمْ لَهَا دُخُولُهُمْ فِيهَا ، إِذْ لَوْ لَمْ يَدْخُلُوهَا لَمْ يَقُلْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا بَلْ يَقُولُ : وَنُدْخِلُ الظَّالِمِينَ ، وَهَذَا وَاضِحٌ كَمَا تَرَى ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ وَقَعُوا فِيمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ هَلَكَةٌ ، وَلِذَا عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا .
الدَّلِيلُ الثَّالِثُ : مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَخْرَجَ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=16298وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14155وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ ، عَنْ
أَبِي سُمَيَّةَ قَالَ : اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ بَعْضُنَا : لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا ، فَلَقِيتُ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ وَأَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ : صُمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008268لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا ، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا " اهـ . وَقَالَ
ابْنُ حَجَرٍ فِي ) الْكَافِي الشَّافْ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكَشَّافْ ( فِي هَذَا الْحَدِيثِ : رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12508وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، وَأَخْرَجَهُ
أَبُو يَعْلَى nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُنَى ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ فِي بَابِ النَّارِ ،
وَالْحَكِيمُ فِي النَّوَادِرِ ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ
سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ
كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ
أَبِي سُمَيَّةَ قَالَ : اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَسَأَلْنَا
جَابِرًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَتَمَّ مِنَ اللَّفْظِ
[ ص: 480 ] الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَخَالَفَهُمْ كُلَّهُمُ
الْحَاكِمُ فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ
سُلَيْمَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ : عَنْ
سُمَيَّةَ الْأَزْدِيَّةِ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَيْبَةَ . بَدَلَ
أَبِي سُمَيَّةَ عَنْ
جَابِرٍ . اهـ . وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ : قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا
غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ
كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ الْبُرْسَانِيِّ ، عَنْ
أَبِي سُمَيَّةَ ، قَالَ : اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ بَعْضُنَا : لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا ، فَلَقِيتُ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ : إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ : يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ ، ثُمَّ قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : غَرِيبٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِسْنَادَ الْمَذْكُورَ لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّ طَبَقَتَهُ الْأُولَى :
nindex.php?page=showalam&ids=16039سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، وَهُوَ ثِقَةٌ إِمَامٌ حَافِظٌ مَشْهُورٌ ، وَطَبَقَتَهُ الثَّانِيَةَ :
أَبُو صَالِحٍ أَوْ
أَبُو سَلَمَةَ غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْعَتَكِيُّ الْجَهْضَمِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ أَصْلُهُ مِنَ
الْبَصْرَةِ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَطَبَقَتَهُ الثَّالِثَةَ :
كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو سَهْلٍ الْبُرْسَانِيُّ بَصْرِيٌّ نَزَلَ
بَلْخَ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَطَبَقَتَهُ الرَّابِعَةَ :
أَبُو سُمَيَّةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ، قَالَهُ
ابْنُ حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ . وَبِتَوْثِيقِ
أَبِي سُمَيَّةَ الْمَذْكُورِ تَتَّضِحُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ رِجَالِ هَذَا الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ
جَابِرٍ الْمَذْكُورَ يَعْتَضِدُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبِالْآيَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَآثَارٍ جَاءَتْ عَنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15802خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=82وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَذَكَرَهُ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
أَبِي مَيْسَرَةَ ، وَذَكَرَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّهُ وُرُودُ دُخُولٍ ، وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُرُودَ فِي الْآيَةِ الدُّخُولُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=101أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [ 21 \ 101 ] ، بِأَنَّهُمْ مُبْعَدُونَ عَنْ عَذَابِهَا وَأَلَمِهَا ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَرُودَهُمْ إِيَّاهَا مِنْ غَيْرِ شُعُورِهِمْ بِأَلَمٍ وَلَا حَرٍّ مِنْهَا ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي كِتَابِنَا " دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ .
وَأَجَابُوا عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008269الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ " ، بِالْقَوْلِ بِمُوجِبِهِ ، قَالُوا : الْحَدِيثُ حَقٌّ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَحِلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّ السِّيَاقَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّارِ فِي الْآخِرَةِ وَلَيْسَ فِي حَرَارَةٍ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا إِلَى أَنْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [ 19 \ 68 - 70 ] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا كَمَا تَرَى .
وَالْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ : جِثِيًّا ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي قَوْلِهِ :
[ ص: 481 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا .
وَقَوْلُهُ : ثُمَّ نُنَجِّي ، قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ بِإِسْكَانِ النُّونِ الثَّانِيَةِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا ) دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ ( أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ وُرُودَ النَّارِ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْمُرُورُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ النَّاسَ تَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ ، وَأَنَّ
الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ رُوِيَ عَنْهُمَا نَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا : "
أَنَّهُمْ يَرِدُونَهَا جَمِيعًا وَيَصْدُرُونَ عَنْهَا بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ " ، وَعَنْهُ أَيْضًا تَفْسِيرُ الْوُرُودِ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، يَعْنِي أَنَّ وُرُودَهُمُ النَّارَ الْمَذْكُورَ كَانَ حَتْمًا عَلَى رَبِّكَ مَقْضِيًّا ، أَيْ : أَمْرًا وَاجِبًا مَفْعُولًا لَا مَحَالَةَ ، وَالْحَتْمُ : الْوَاجِبُ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ :
عِبَادُكَ يُخْطِئُونَ وَأَنْتَ رَبٌّ بِكَفَّيْكَ الْمَنَايَا وَالْحُتُومُ
فَقَوْلُهُ : " وَالْحُتُومُ " : جَمْعُ حَتْمٍ ، يَعْنِي الْأُمُورَ الْوَاجِبَةَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا ، وَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71حَتْمًا مَقْضِيًّا قَسَمًا وَاجِبًا ، كَمَا رُوِيَ عَنْ
عِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ - لَا يَظْهَرُ كُلَّ الظُّهُورِ .
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ : إِنَّ فِي الْآيَةِ قَسَمًا ، بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
عَلِيٌّ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيَّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008271لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ " قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا اهـ . وَقَالَ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى
مَالِكٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008272لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ " ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16696وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ) ح ( وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16957وَابْنُ رَافِعٍ ، عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ كِلَاهُمَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ
مَالِكٍ ، وَبِمَعْنَى حَدِيثِهِ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ
سُفْيَانَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008273فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ " اهـ .
قَالُوا : الْمُرَادُ بِالْقَسَمِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ : قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ،
[ ص: 482 ] وَالَّذِينَ اسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ قَسَمٌ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْقَسَمِ مِنَ الْآيَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ، أَيْ : وَاللَّهِ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَسَمِ قَبْلَهُ ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْقَسَمِ قَسَمٌ ، وَالْمَعْنَى : فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ وَرَبِّكَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْقَسَمُ الْمَذْكُورُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا أَيْ : قَسَمًا وَاجِبًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ ،
وَعِكْرِمَةَ ،
وَقَتَادَةَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَسَمِ مَا دَلَّ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ مِنَ السِّيَاقِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، تَذْيِيلٌ وَتَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقَسَمِ فِي تَأْكِيدِ الْإِخْبَارِ ، بَلْ هَذَا أَبْلَغُ لِلْحَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ يَتَعَيَّنُ فِيهَا قَسَمٌ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِأَدَاةٍ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ ، وَلَا قَرِينَةٍ وَاضِحَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْقَسَمِ ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَطْفُهَا عَلَى الْقَسَمِ ، وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيرِ قَسَمٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ دُونَ قَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ فِيهِ ، زِيَادَةٌ عَلَى مَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ ، وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهُ أَنَّ فِي الْآيَةَ قَسَمًا ; لِأَنَّ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ التَّعْبِيرَ بِتَحِلَّةِ الْقَسَمِ عَنِ الْقِلَّةِ الشَّدِيدَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَسَمٌ أَصْلًا ، يَقُولُونَ : مَا فَعَلْتُ كَذَا إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ، يَعْنُونَ إِلَّا فِعْلًا قَلِيلًا جِدًّا قَدْرَ مَا يُحَلِّلُ بِهِ الْحَالِفُ قَسَمَهُ ، وَهَذَا أُسْلُوبٌ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ فِي وَصْفِ نَاقَتِهِ :
تَخْدِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاصِقَةٌ ذَوَابِلٌ مَسُّهُنَّ الْأَرْضَ تَحْلِيلُ
يَعْنِي : أَنَّ قَوَائِمَ نَاقَتِهِ لَا تَمَسُّ الْأَرْضَ لِشِدَّةِ خِفَّتِهَا إِلَّا قَدْرَ تَحْلِيلِ الْقَسَمِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَمِينَ مِنْ نَاقَتِهِ أَنَّهَا تَمَسُّ الْأَرْضَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْمَسُّ تَحْلِيلًا لَهَا كَمَا تَرَى ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِلَّا تَحِلَّةَ " ، أَيْ : لَا يَلِجُ النَّارَ إِلَّا وُلُوجًا قَلِيلًا جِدًّا لَا أَلَمَ فِيهِ وَلَا حَرَّ ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ الْمَرْفُوعِ ، وَأَقْرَبُ أَقْوَالِ مَنْ قَالُوا : إِنَّ فِي الْآيَةِ قَسَمًا ، قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ ; لِأَنَّ الْجُمَلَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَهُ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=68ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=70ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ لِدَلَالَةِ قَرِينَةِ لَامِ الْقَسَمِ فِي الْجُمَلِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى ذَلِكَ ، أَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ، فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْعَطْفِ أَيْضًا ، وَمُحْتَمِلٌ لِلِاسْتِئْنَافِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .