المسألة الرابعة
ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ، وممن قال بهذا القران هو أفضل أنواع النسك أبو حنيفة ، وأصحابه ، ، وسفيان الثوري ، وإسحاق بن راهويه والمزني ، وابن المنذر ، ، كما نقله عنهم وأبو إسحاق المروزي النووي في شرح المهذب ، واحتج أهل هذا القول بأحاديث كثيرة ، دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا في حجته .
منها : ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن رضي الله عنهما ، قال : " ابن عمر " الحديث ، أخرجاه بهذا اللفظ . تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج
ومنها : ما أخرجه الشيخان متصلا بحديث هذا من طريق ابن عمر ، عن عروة بن الزبير عائشة : أنها أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث المذكور سواء . ابن عمر
ومنها : ما رواه مسلم في صحيحيهما من حديث والبخاري قتيبة ، عن الليث ، عن نافع ، عن " أنه قرن الحج إلى العمرة ، وطاف لهما طوافا واحدا " ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ابن عمر
ومنها : ما رواه الشيخان ، عن رضي الله عنهما ، قال : عمران بن حصين الخزاعي . الحديث ، هكذا لفظ نزلت آية المتعة في كتاب الله - يعني متعة الحج - وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء مسلم في صحيحه في بعض رواياته لهذا الحديث ، ولفظ قريب منه بمعناه في التفسير ، وفي الحج . ومراد البخاري رضي الله عنهما بالتمتع المذكور : القران ، بدليل الروايات الصحيحة الثابتة في صحيح عمران بن حصين مسلم وغيره المصرحة بذلك .
قال رحمه الله في صحيحه : وحدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبي ، حدثنا عبيد الله بن معاذ شعبة ، عن ، عن حميد بن هلال مطرف قال : قال لي : [ ص: 366 ] أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به : عمران بن حصين . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه ، وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ، ثم تركت الكي فعاد
حدثناه محمد بن المثنى وابن بشار ، قالا : حدثنا ، حدثنا محمد بن جعفر شعبة ، عن ، قال : سمعت حميد بن هلال مطرفا قال : قال لي بمثل حديث عمران بن حصين معاذ .
وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار . قال ابن المثنى : حدثنا ، عن محمد بن جعفر شعبة ، عن قتادة ، عن مطرف : قال : في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي ، فإن عشت فاكتم عني ، وإن مت فحدث بها إن شئت : إنه قد سلم علي ، واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال رجل برأيه ما شاء عمران بن حصين . بعث إلي
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة ، عن ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال : عمران بن حصين . انتهى منه . اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب ، ولم ينهنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فيها رجل برأيه ما شاء
وهذه الروايات تبين أن مراده بالتمتع : القران ، ومعروف عن الصحابة رضي الله عنهم ، أنهم يطلقون اسم التمتع على القران ; لأن فيه عمرة في أشهر الحج مع الحج .
ومنها : ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث رضي الله عنه : " أنس بن مالك " ففي بعض روايات حديثه ، قال : " أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ، ثم أهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما " الحديث ، هذا لفظ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه في صحيحه ، وقد قدمنا بعض ألفاظ البخاري مسلم في حديث أنس في القران ، ومخالفة له في ذلك ، قائلا : إنه أفرد ، وفي بعض روايات حديث ابن عمر أنس عند مسلم عن يحيى بن أبي إسحاق ، ، وعبد العزيز بن صهيب وحميد ، أنهم سمعوا أنسا رضي الله عنه قال : " وقد روى عن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهل بهما جميعا : " لبيك عمرة وحجا ، لبيك عمرة وحجا أنس رضي الله عنه حديث قران النبي هذا ستة عشر رجلا ، كما بينه العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ، وهم الحسن البصري وأبو قلابة ، ، وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويل ، وقتادة ، ، ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت [ ص: 367 ] البناني ، ، وبكر بن عبد الله المزني ، وعبد العزيز بن صهيب ، وسليمان التيمي ويحيى بن أبي إسحاق ، ، وزيد بن أسلم ومصعب بن سليم ، وأبو أسماء وأبو قدامة عاصم بن حسين ، وأبو قزعة ، وهو سويد بن حجر الباهلي .
ومنها : ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن رضي الله عنها وعن أبيها ، أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب " . انتهى منهما بلفظه . وهذه العمرة المذكورة في هذا الحديث المتفق عليه عمرة مقرونة مع الحج بلا شك في ذلك ، كما جزم به قالت : يا رسول الله ، ما شأن الناس حلوا بعمرة ، ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ قال : " إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر النووي في شرح مسلم .
ومنها : ما رواه في صحيحه ، عن أمير المؤمنين البخاري رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب بوادي العقيق ، يقول : " " . اهـ . وقوله في هذا الحديث وقل عمرة في حجة ، يدل على القران ، والمحتملات الأخر التي حمله عليها بعض المالكية والشافعية وغيرهم لا تظهر كل الظهور . بل معناه القران كما ذكرنا وجزم به غير واحد ، والله تعالى أعلم ، والأحاديث بمثل ما ذكرنا كثيرة . أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة
وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد منها بضعة وعشرين حديثا ، عن سبعة عشر صحابيا ، وهم جابر ، وعائشة ، ، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعمران بن حصين ، والبراء بن عازب ، وحفصة أم المؤمنين وأبو قتادة ، وابن أبي أوفى وأبو طلحة ، ، والهرماس بن زياد ، وأم سلمة ، وأنس بن مالك ، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم جميعا ، وعده وعثمان بن عفان لعثمان رضي الله عنه في جملة من روى القران ، مع ما ثبت عنه من النهي عنه ، يعني به تقريره لعلي رضي الله عنه على القران .
وبالجملة : فثبوت كون النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا بالأحاديث الصحيحة التي ذكرنا طرفا منها - لا مطعن فيه ، وقد قدمنا أن القائلين بأفضلية الإفراد معترفون بقرانه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، إلا أنهم جمعوا بين الأحاديث بأنه أحرم أولا مفردا ، ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارنا . والذين قالوا بأفضلية القران جزموا بأنه صلى الله عليه وسلم أحرم قارنا في ابتداء إحرامه ، واستدلوا لذلك بأحاديث صحيحة .
منها : حديث المتفق عليه ، وقد قدمناه في هذا المبحث ، وفيه : ابن عمر ؛ وهو تصريح منه رضي الله عنه بأنه أهل بالعمرة قبل الحج . ومنها : حديث وبدأ [ ص: 368 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج عمر رضي الله عنه عند ، وقد قدمناه أيضا وفيه : " وقل عمرة في حجة " ، وكان ذلك البخاري بالعقيق قبل إحرامه ، وأهل هذا القول جمعوا بين الأحاديث الواردة بالإفراد والأحاديث الواردة بالقران والأحاديث الواردة بالتمتع ، بغير الجمع الذي ذكرناه عن القائلين بأفضلية الإفراد ، وهو أن وجه الجمع أن المراد بالإفراد : إفراد أعمال الحج ؛ لأن القارن يفعل في أعمال الحج كما يفعله الحاج المفرد ، فيطوف لهما طوافا واحدا ، ويسعى لهما سعيا واحدا ، على أصح الأقوال وأقواها دليلا .
وأما جوابهم عن أحاديث التمتع فواضح ؛ لأن الصحابة يطلقون التمتع على القران كما قدمنا في حديث ، وكما يدل له ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، عن عمران بن حصين قال : اجتمع سعيد بن المسيب عثمان وعلي رضي الله عنهما ، وكان عثمان ينهى عن المتعة فقال علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه ، فقال عثمان : دعنا منك ، فقال : إني لا أستطيع أن أدعك ، فلما رأى ذلك علي أهلهما جميعا . فهذا يبين أن من جمع بينهما كان متمتعا عندهم ، وأن هذا هو الذي فعله صلى الله عليه وسلم ، وأقره عثمان ، على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، لكن الخلاف بينهما في الأفضل من ذلك .
ومما يدل على أن القارن متمتع عندهم حديث المتفق عليه الذي قدمناه في هذا المبحث ، فإن في لفظه عند الشيخين : " ابن عمر " فتراه صرح بأن مراده بالتمتع القران . تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، فساق الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج