قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=28991_33952قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن سحرة
فرعون لما آمنوا برب
هارون وموسى قال لهم
فرعون منكرا عليهم : آمنتم له أي : صدقتموه في أنه نبي مرسل من الله ، وآمنتم بالله قبل أن آذن لكم . يعني أنهم لم يكفوا عن الإيمان حتى يأذن لهم ، لأنه يزعم أنهم لا يحق لهم أن يفعلوا شيئا إلا بعد إذنه هو لهم . وقال لهم أيضا : إن
موسى هو كبيرهم . أي : كبير السحرة وأستاذهم الذي علمهم السحر . ثم هددهم مقسما على أنه يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ؛ يعني اليد اليمنى ، والرجل اليسرى مثلا . لأنه أشد على الإنسان من قطعهما من جهة واحدة . لأنه إن كان قطعهما من جهة واحدة يبقى عنده شق كامل صحيح ، بخلاف قطعهما من خلاف . فالجنب الأيمن يضعف بقطع اليد ، والأيسر يضعف بقطع الرجل كما هو معلوم . وأنه يصلبهم في جذوع النخل ، وجذع النخلة هو أخشن جذع من جذوع الشجر ، والتصليب عليه أشد من التصليب على غيره من
[ ص: 64 ] الجذوع كما هو معروف .
وما ذكره جل وعلا عنه هنا أوضحه في غير هذا الموضع أيضا . كقوله في سورة " الشعراء " :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين [ 26 49 ] . وذكر هذا أيضا في سورة " الأعراف " وزاد فيها التصريح بفاعل ، قال : وادعاء
فرعون أن
موسى ، والسحرة تمالئوا على أن يظهروا أنه غلبهم مكرا ليتعاونوا على إخراج فرعون وقومه من
مصر . وذلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=123قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=124لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين [ 7 123 - 124 ] " وقوله في " طه " :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71ولأصلبنكم في جذوع النخل يبين أن التصليب في جذوع النخل هو مراده بقوله في " الأعراف ، والشعراء " :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49ولأصلبنكم أجمعين [ 7 124 ، 26 49 ] . أي : في جذوع النخل ، وتعدية التصليب بـ " في " أسلوب عربي معروف ، ومنه قول
سويد بن أبي كاهل :
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
ومعلوم عند علماء البلاغة : أن في مثل هذه الآية استعارة تبعية في معنى الحرف كما سيأتي إن شاء الله تعالى إيضاح كلامهم في ذلك ونحوه في سورة " القصص " . وقد أوضحنا في كتابنا المسمى ( منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز ) . أن ما يسميه البلاغيون من أنواع المجاز مجازا كلها أساليب عربية نطقت بها العرب في لغتها . وقد بينا وجه عدم جواز المجاز في القرآن وما يترتب على ذلك من المحذور .
وقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قال بعض أهل العلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71ولتعلمن أينا : يعني أنا ، أم رب
موسى أشد عذابا وأبقى . واقتصر على هذا
القرطبي . وعليه ففرعون يدعي أن عذابه أشد وأبقى من عذاب الله . وهذا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى [ 79 24 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري [ 28 38 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين [ 26 29 ] . وقال بعضهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71ولتعلمن أينا أنا ، أم موسى أشد عذابا وأبقى . وعلى هذا فهو كالتهكم
بموسى لاستضعافه له ، وأنه لا يقدر على أن يعذب من لم يطعه . كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين [ 43 52 ] . والله جل وعلا أعلم .
[ ص: 65 ] واعلم أن العلماء اختلفوا : هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به ، أو لم يفعله بهم ؟ فقال قوم : قتلهم وصلبهم . وقوم أنكروا ذلك ، وأظهرهما عندي : أنه لم يقتلهم ، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله تعالى . لأن الله يقول
لموسى وهارون :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35أنتما ومن اتبعكما الغالبون [ 28 35 ] ، والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=28991_33952قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى .
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّ سَحَرَةَ
فِرْعَوْنَ لَمَّا آمَنُوا بِرَبِّ
هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ لَهُمْ
فِرْعَوْنُ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ : آمَنْتُمْ لَهُ أَيْ : صَدَّقْتُمُوهُ فِي أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ ، وَآمَنْتُمْ بِاللَّهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ . يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكُفُّوا عَنِ الْإِيمَانِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ ، لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ لَا يَحِقُّ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِ هُوَ لَهُمْ . وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا : إِنَّ
مُوسَى هُوَ كَبِيرُهُمْ . أَيْ : كَبِيرُ السَّحَرَةِ وَأُسْتَاذُهُمُ الَّذِي عَلَّمَهُمُ السِّحْرَ . ثُمَّ هَدَّدَهُمْ مُقْسِمًا عَلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ؛ يَعْنِي الْيَدَ الْيُمْنَى ، وَالرِّجْلَ الْيُسْرَى مَثَلًا . لِأَنَّهُ أَشَدُّ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ قَطْعِهِمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ . لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ قَطْعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ يَبْقَى عِنْدَهُ شِقٌّ كَامِلٌ صَحِيحٌ ، بِخِلَافِ قَطْعِهِمَا مِنْ خِلَافٍ . فَالْجَنْبُ الْأَيْمَنُ يَضْعُفُ بِقَطْعِ الْيَدِ ، وَالْأَيْسَرُ يَضْعُفُ بِقَطْعِ الرِّجْلِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ . وَأَنَّهُ يُصَلِّبُهُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ، وَجِذْعُ النَّخْلَةِ هُوَ أَخْشَنُ جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الشَّجَرِ ، وَالتَّصْلِيبُ عَلَيْهِ أَشَدُّ مِنَ التَّصْلِيبِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ
[ ص: 64 ] الْجُذُوعِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ .
وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْهُ هُنَا أُوَضِّحُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْضًا . كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ " الشُّعَرَاءِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [ 26 49 ] . وَذَكَرَ هَذَا أَيْضًا فِي سُورَةِ " الْأَعْرَافِ " وَزَادَ فِيهَا التَّصْرِيحَ بِفَاعِلٍ ، قَالَ : وَادِّعَاءُ
فِرْعَوْنَ أَنَّ
مُوسَى ، وَالسَّحَرَةَ تَمَالَئُوا عَلَى أَنْ يُظْهِرُوا أَنَّهُ غَلَبَهُمْ مَكْرًا لِيَتَعَاوَنُوا عَلَى إِخْرَاجِ فِرْعَوْنِ وَقَوْمِهِ مِنْ
مِصْرَ . وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=123قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=124لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [ 7 123 - 124 ] " وَقَوْلُهُ فِي " طه " :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يُبَيِّنُ أَنَّ التَّصْلِيبَ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ هُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فِي " الْأَعْرَافِ ، وَالشُّعَرَاءِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [ 7 124 ، 26 49 ] . أَيْ : فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ، وَتَعْدِيَةُ التَّصْلِيبِ بِـ " فِي " أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
سُوِيدِ بْنِ أَبِي كَاهِلٍ :
هُمُ صَلَبُوا الْعَبْدِيَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَانُ إِلَّا بِأَجْدَعَا
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَلَاغَةِ : أَنَّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً فِي مَعْنَى الْحَرْفِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِيضَاحُ كَلَامِهِمْ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فِي سُورَةِ " الْقَصَصِ " . وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى ( مَنْعُ جَوَازِ الْمَجَازِ فِي الْمُنَزَّلِ لِلتَّعَبُّدِ وَالْإِعْجَازِ ) . أَنَّ مَا يُسَمِّيهِ الْبَلَاغِيُّونَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ مَجَازًا كُلَّهَا أَسَالِيبٌ عَرَبِيَّةٌ نَطَقَتْ بِهَا الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ عَدَمِ جَوَازِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَحْذُورِ .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا : يَعْنِي أَنَا ، أَمْ رَبُّ
مُوسَى أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى . وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا
الْقُرْطُبِيُّ . وَعَلَيْهِ فَفِرْعَوْنُ يَدَّعِي أَنَّ عَذَابَهُ أَشَدُّ وَأَبْقَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [ 79 24 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [ 28 38 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [ 26 29 ] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَنَا ، أَمْ مُوسَى أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى . وَعَلَى هَذَا فَهُوَ كَالتَّهَكُّمِ
بِمُوسَى لِاسْتِضْعَافِهِ لَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُعَذِّبَ مَنْ لَمْ يُطِعْهُ . كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ [ 43 52 ] . وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَعْلَمُ .
[ ص: 65 ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا : هَلْ فَعَلَ بِهِمْ فِرْعَوْنُ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ بِهِمْ ؟ فَقَالَ قَوْمٌ : قَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ . وَقَوْمٌ أَنْكَرُوا ذَلِكَ ، وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدِي : أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُمْ مِنْهُ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمُ الرَّاسِخِ بِاللَّهِ تَعَالَى . لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ
لِمُوسَى وَهَارُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [ 28 35 ] ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .