قوله تعالى : قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري     . 
الظاهر أن الفتنة المذكورة هي عبادتهم العجل . فهي فتنة إضلال . كقوله : إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء    [ 7 155 ] . وهذه الفتنة بعبادة العجل جاءت مبينة في آيات متعددة . كقوله : وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون    [ 2 51 ] ونحو ذلك من الآيات . 
قوله هنا : وأضلهم السامري  أوضح كيفية إضلاله لهم في غير هذا الموضع . كقوله : واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار  إلى قوله اتخذوه وكانوا ظالمين    [ 7 148 ] أي : اتخذوه إلها وقد صنعه السامري  لهم من حلي القبط فأضلهم بعبادته . وقوله هنا فكذلك ألقى السامري  فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي    [ 20 88 ] والسامري    : قيل اسمه هارون  ، وقيل اسمه موسى بن ظفر  ، وعن  ابن عباس    : أنه من قوم كانوا يعبدون البقر . وقيل : كان رجلا من القبط . وكان جارا لموسى  آمن به وخرج معه . وقيل : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل  من قبيلة تعرف بالسامرة  وهم معروفون بالشام    . قال  سعيد بن جبير    : كان من أهل كرمان    . والفتنة أصلها في اللغة : وضع الذهب في النار ليتبين أهو خالص أم زائف . وقد أطلقت في القرآن إطلاقات متعددة : 
( منها ) : الوضع في النار ، كقوله يوم هم على النار يفتنون    [ 51 13 ] أي : يحرقون بها ، وقوله إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات  الآية [ 85 10 ] . أي : أحرقوهم بنار الأخدود . 
 [ ص: 79 ]   ( ومنها ) : الاختبار وهو الأغلب في استعمال الفتنة . كقوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة  الآية [ 64 15 ] وقوله وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا  لنفتنهم فيه    [ 72 16 - 17 ] . 
( ومنها ) : نتيجة الاختبار إذا كانت سيئة . ومن هنا أطلقت الفتنة على الشرك ، كقوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة    [ 8 39 ] وقوله هنا فإنا قد فتنا قومك  الآية [ 20 85 ] . 
( ومنها ) : الحجة ، كقوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين    [ 6 23 ] أي : لم تكن حجتهم . 
وقوله تعالى في هذه الآية : وأضلهم السامري  أسند إضلالهم إليه ، لأنه هو الذي تسبب فيه بصياغته لهم العجل من حلي القبط ورميه عليه التراب الذي مسه حافر الفرس التي جاء عليها جبريل  ، فجعله الله بسبب ذلك عجلا جسدا له خوار ، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة : فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار  وقال في " الأعراف " واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار    [ 7 148 ] . والخوار : صوت البقر . قال بعض العلماء : جعل الله بقدرته ذلك الحلي المصوغ جسدا من لحم ودم ، وهذا هو ظاهر قوله عجلا جسدا    . 
وقال بعض العلماء : لم تكن تلك الصورة لحما ، ولا دما ، ولكن إذا دخلت فيها الريح صوتت كخوار العجل . والأول أقرب لظاهر الآية ، والله تعالى قادر على أن يجعل الجماد لحما ودما ، كما جعل آدم لحما ودما وكان طينا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					