واعلم : أن ، وهي : العقل ، والبلوغ ، والإسلام ، والحرية ، والاستطاعة . ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم ، أما العقل فكونه شرطا في وجوب كل تكليف ، واضح لأن غير العاقل لا يصح تكليفه بحال . وأما اشتراط البلوغ فواضح ; لأن الصبي مرفوع عنه القلم حتى يحتلم ، فالبلوغ والعقل كلاهما شرط وجوب ، وأما الإسلام : فالظاهر أنه على القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، فهو شرط صحة لا شرط وجوب ، وعلى أنهم غير مخاطبين بها ، فهو شرط وجوب ، والأصح خطاب الكفار بفروع الشريعة كما أوضحنا أدلته في غير هذا الموضع ، فيكون الإسلام شرط صحة في حقهم ، ومعلوم أنه على أنه شرط وجوب ، فهو شرط صحة أيضا ؛ لأن بعض شروط الوجوب يكون شرطا في الصحة أيضا ؛ كالوقت للصلاة ، فإنه شرط لوجوبها وصحتها أيضا ، وقد يكون شرط الوجوب ليس شرطا في الصحة ؛ كالبلوغ ، والحرية ، فإن الصبي لا يجب عليه الحج ، مع أنه يصح منه لو فعله ، وكذلك العبد ، إلا أنه لا يجزئ عن [ ص: 304 ] حجة الإسلام ، إلا إذا كان بعد البلوغ وبعد الحرية . وأما الحرية : فهي شرط وجوب ، فلا يجب الحج على العبد ، واستدل العلماء على عدم وجوب الحج على العبد بأمرين : وجوب الحج المذكور تشترط له شروط
الأول : إجماع أهل العلم على ذلك . ولكنه إذا حج صح حجه ، ولم يجزئه عن حجة الإسلام ، فإن عتق بعد ذلك فعليه حجة الإسلام .
قال النووي في شرح المهذب : أجمعت الأمة على أن ; لأن منافعه مستحقة لسيده ، فليس هو مستطيعا . ويصح منه الحج بإذن سيده وبغير إذنه بلا خلاف عندنا . قال العبد لا يلزمه الحج : وبه قال الفقهاء كافة ، وقال القاضي أبو الطيب داود : لا يصح بغير إذنه . انتهى محل الغرض منه .
الأمر الثاني : حديث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك ؛ وهو أنه صلى الله عليه وسلم جاء عنه من حديث أنه قال : ابن عباس قال " أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام ، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام " ابن حجر في التلخيص في هذا الحديث : رواه ابن خزيمة والإسماعيلي في مسند ، الأعمش والحاكم والبيهقي وصححه ، وابن حزم والخطيب في التاريخ من حديث محمد بن المنهال ، عن ، عن يزيد بن زريع شعبة ، عن عن الأعمش أبي ظبيان عنه . قال : الصحيح موقوف ، بل خرجه كذلك من رواية ابن خزيمة عن ابن أبي عدي شعبة ، وقال البيهقي : تفرد برفعه محمد بن المنهال ، ورواه عن الثوري شعبة موقوفا .
قلت : لكن هو عند الإسماعيلي والخطيب عن الحارث بن سريج عن متابعة يزيد بن زريع لمحمد بن المنهال . ويؤيد صحة رفعه ما رواه في مصنفه : أنا ابن أبي شيبة أبو معاوية ، عن أبي ظبيان ، عن قال : احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره ، وهذا ظاهر أنه أراد أنه مرفوع ; فلذا نهاهم عن نسبته إليه . وفي الباب عن ابن عباس جابر أخرجه بلفظ : ابن عدي الحديث ، وسنده ضعيف ، وأخرجه " لو حج صغير حجة لكانت عليه حجة إذا بلغ " أبو داود في المراسيل عن نحو حديث محمد بن كعب القرظي مرسلا ، وفيه راو مبهم . انتهى من التلخيص . ابن عباس
وقال البيهقي في سننه : وأخبرنا أبو الحسن المقري : ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق : ثنا يوسف بن يعقوب : ثنا محمد بن المنهال : ثنا ، ثنا يزيد بن زريع شعبة عن ، عن سليمان الأعمش أبي ظبيان ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عباس ، ثم ساق الحديث بسند آخر موقوفا على [ ص: 305 ] " أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى " ، وسكت ولم يبين هل الموقوف أصح أو المرفوع ؟ وقال ابن عباس النووي في شرح المهذب في هذا الحديث :
رواه البيهقي في الباب الأول من كتاب الحج بإسناد جيد ؟ ورواه أيضا موقوفا ، ولا يقدح ذلك فيه . ورواية المرفوع قوية ، ولا يضر تفرد محمد بن المنهال بها ، فإنه ثقة مقبول ضابط . روى عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما . اهـ .
وقد علمت من كلام ابن حجر : أن ابن المنهال تابعه على رفع الحديث المذكور الحارث بن سريج ، فقد زال التفرد . والظاهر أن الحارث المذكور هو ابن سريج النقال ، ولا يحتج به لضعفه . وبما ذكرنا تعلم أن الحديث المذكور لا يقل عن درجة الاحتجاج ، ووجه الدلالة منه على أن الحرية شرط في وجوب الحج أنه لو حج وهو مملوك ، ثم أعتق بعد ذلك لزمته حجة الإسلام ، فلو كان واجبا عليه في حال كونه مملوكا أجزأه حجه عن حجة الإسلام كما هو ظاهر ، والعلم عند الله تعالى .
وقال رحمه الله ما نصه : أبو عيسى الترمذي
وقد أجمع أهل العلم : أن فعليه الحج إذا أدرك لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام ، وكذلك الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلا ، ولا يجزئ عنه ما حج في حال رقه ، وهو قول المملوك إذا حج في رقه ثم أعتق الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق .