اعلم أن هو قول أكثر أهل العلم ، منهم اشتراط الطهارة من الحدث ، والخبث ، وستر العورة في الطواف مالك ، وأصحابه ، ، وأصحابه ، وهو مشهور مذهب والشافعي . الإمام أحمد
قال النووي في شرح المهذب : وحكاه الماوردي عن جمهور العلماء ، وحكاه ابن المنذر في طهارة الحدث ، عن عامة العلماء .
وخالف الإمام أبو حنيفة رحمه الله الجمهور في هذه المسألة ، فقال : لا تشترط للطواف طهارة ، ولا ستر عورة ، فلو صح طوافه عنده . طاف جنبا ، أو محدثا ، أو عليه نجاسة ، أو عريانا
واختلف أصحابه في وجوب الطهارة للطواف ، مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط فيه . ومن أشهر الأقوال عندهم أنه إذا طاف طواف الإفاضة جنبا ، فعليه بدنة ، وإن طافه محدثا : فعليه شاة ، وأنه يعيد الطواف بطهارة ما دام بمكة ، فإن رجع إلى بلده ، فالدم على التفصيل المذكور ، واحتج الجمهور لاشتراط الطهارة للطواف ، بأدلة .
منها : حديث عائشة المتفق عليه الذي ذكرناه سابقا بسنده ، ومتنه عند البخاري ومسلم : الحديث ، قالوا : فهذا الحديث الصحيح صرحت فيه أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم : " أنه توضأ ، ثم طاف بالبيت " عائشة رضي الله عنها ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالوضوء قبل الطواف لطوافه ، فدل على أنه لا بد للطواف من الطهارة .
[ ص: 397 ] فإن قيل : وضوءه صلى الله عليه وسلم المذكور في هذا الحديث فعل مطلق ، وهو لا يدل على الوجوب : فضلا عن كونه شرطا في الطواف .
فالجواب : أن وضوءه لطوافه المذكور في هذا الحديث ، قد دل دليلان على أنه لازم لا بد منه .
أحدهما : أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع : ، وهذا الأمر للوجوب ، والتحتم ، فلما توضأ للطواف لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالا لأمره في قوله : " خذوا عني مناسككم " . " خذوا عني مناسككم "
والدليل الثاني : أن فعله في الطواف من الوضوء له ، ومن هيئته التي أتى به عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى : وليطوفوا بالبيت العتيق [ 22 \ 29 ] وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب الله ، فهو على اللزوم والتحتم . ولذا أجمع العلماء على ; لأن قطع النبي صلى الله عليه وسلم للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى : قطع يد السارق من الكوع فاقطعوا أيديهما [ 5 \ 38 ] لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق ، وإلى المنكب .
قال صاحب الضياء اللامع في شرح قول صاحب جمع الجوامع : ووقوعه بيانا ما نصه : الثاني : أن يكون فعله صلى الله عليه وسلم لبيان مجمل ، إما بقرينة حال ، مثل القطع من الكوع ، فإنه بيان لقوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ 5 \ 38 ] وإما بقول كقوله : ، فإن الصلاة فرضت على الجملة ، ولم تبين صفاتها فبينها بفعله وأخبر بقوله : أن ذلك الفعل بيان ، وكذا قوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وحكم هذا القسم وجوب الاتباع انتهى . محل الغرض منه . " خذوا عني مناسككم "
وأشار في مراقي السعود : إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم الواقع لبيان مجمل من كتاب الله إن كان المبين بصيغة اسم المفعول واجبا فالفعل المبين له بصيغة اسم الفاعل واجب بقوله :
من غير تخصيص وبالنص يرى وبالبيان وامتثال ظهرا
ومحل الشاهد منه قوله : وبالبيان يعني : أنه يعرف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان ، فإذا بين أمرا واجبا : كالصلاة والحج ، وقطع السارق بالفعل ، فهذا الفعل واجب إجماعا لوقوعه بيانا لواجب ، إلا ما أخرجه دليل خاص ، وبهذا تعلم أن الله تعالى أوجب طواف الركن بقوله : وليطوفوا بالبيت العتيق [ 22 \ 29 ] وقد بينه صلى الله عليه وسلم بفعله [ ص: 398 ] وقال : ومن فعله الذي بينه به : الوضوء له كما ثبت في الصحيحين ، فعلينا أن نأخذه عنه إلا بدليل ، ولم يرد دليل يخالف ما ذكرنا . " خذوا عني مناسككم "
ومن أدلتهم على اشتراط الطهارة من الحدث للطواف : ما أخرجاه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ، قال رحمه الله في كتاب الحيض : حدثنا البخاري أبو نعيم ، قال : حدثنا ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة عبد الرحمن بن القاسم ، عن ، عن القاسم بن محمد عائشة ، قالت : ، انتهى منه . " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا سرف طمثت " الحديث . وفيه : " فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري "
وأخرج مسلم في صحيحه حديث عائشة هذا بإسنادين عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عنها بلفظ : وفي لفظ " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " مسلم عنها : قالوا : فهذا الحديث المتفق عليه صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بنهي " فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي " عائشة رضي الله عنها عن الطواف إلى غاية هي الطهارة لقوله : " حتى تطهري " ، عند الشيخين ، و " حتى تغتسلي " ، عند مسلم ومنع الطواف في حالة الحدث ، الذي هو الحيض إلى غاية الطهارة من جنابته : يدل مسلك الإيماء ، والتنبيه على أن علة منعها من الطواف ، هو الحدث الذي هو الحيض ، فيفهم منه اشتراط الطهارة من الجنابة للطواف كما ترى .
فإن قيل : يجوز أن تكون علة النهي عن طوافها ، وهي حائض ، أن الحائض لا تدخل المسجد .
فالجواب : أن نص الحديث يأبى هذا التعليل ; لأنه صلى الله عليه وسلم قال : " حتى تطهري حتى تغتسلي " ، ولو كان المراد ما ذكر لقال : حتى ينقطع عنك الدم .
قال النووي في شرح المهذب : فإن قيل : إنما نهاها لأن الحائض لا تدخل المسجد .
قلنا : هذا فاسد ; لأنه صلى الله عليه وسلم قال : " حتى تغتسلي " ، ولم يقل حتى ينقطع دمك ، وهو ظاهر .
ومن أدلة الجمهور على اشتراط الطهارة في الطواف : ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الحديث . قال " الطواف بالبيت صلاة " الزيلعي في نصب الراية : رواه في [ ص: 399 ] صحيحه في النوع السادس والستين من القسم الثالث من حديث ابن حبان ، فضيل بن عياض والحاكم في المستدرك من حديث سفيان كلاهما عن ، عن عطاء بن السائب ، عن طاوس . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عباس ، انتهى . وسكت " الطواف بالبيت صلاة ; إلا أن الله قد أحل فيه الكلام فمن يتكلم فلا يتكلم إلا بخير " الحاكم عنه ، وأخرجه الترمذي في كتابه عن جرير ، عن به بلفظ : " الطواف حول البيت مثل الصلاة " ، قال : وقد روي هذا الحديث عن ابن عطاء بن السائب وغيره ، عن طاوس موقوفا ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث طاوس . وعن عطاء بن السائب الحاكم رواه البيهقي في المعرفة بسنده ثم قال : وهذا حديث قد رفعه في رواية جماعة عنه وروي عنه موقوفا ، وهو أصح انتهى . وقال الشيخ عطاء بن السائب تقي الدين في الإمام : هذا الحديث روي مرفوعا ، أما المرفوع فله ثلاثة أوجه :
أحدهما : رواية رواها عنه عطاء بن السائب جرير ، ، وفضيل بن عياض ، وموسى بن أعين وسفيان أخرجها كلها البيهقي .
الوجه الثاني : رواية رواها عنه ليث بن أبي سليم ، عن موسى بن أعين ليث ، عن ، عن طاوس مرفوعا باللفظ المذكور ، أخرجها ابن عباس البيهقي في سننه ، في معجمه . والطبراني
الوجه الثالث : رواية الباغندي ، عن أبيه ، عن ، عن ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس مرفوعا نحوه رواه ابن عباس البيهقي أيضا . فأما طريق عطاء فإن عطاء من الثقات ، لكنه اختلط بأخرة قال : من سمع منه قديما فهو صحيح ، ومن سمع منه حديثا ، فليس بشيء ، وجميع من روى عنه روى عنه في الاختلاط إلا ابن معين شعبة ، وسفيان ، وما سمع منه جرير وغيره فليس من صحيح حديثه . وأما طريق ليث ، فليث رجل صالح صدوق يستضعف . قال : ابن معين ضعيف مثل ليث بن أبي سليم ، وقد أخرج له عطاء بن السائب مسلم في المتابعات ، وقد يقال : لعل اجتماعه مع عطاء يقوي رفع الحديث ، وأما طريق الباغندي ، فإن البيهقي لما ذكرها قال ولم يضع الباغندي شيئا في رفعه لهذه الرواية . فقد رواه ، ابن جريج وأبو عوانة ، عن موقوفا انتهى من نصب الراية إبراهيم بن ميسرة للزيلعي . ثم قال أيضا : حديث آخر رواه في معجمه الأوسط : حدثنا الطبراني محمد بن أبان ، ثنا أحمد بن ثابت الجحدري ، ثنا ، ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود سفيان ، عن حنظلة ، عن : عن طاوس لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر انتهى منه . " الطواف صلاة فأقلوا فيه الكلام "
[ ص: 400 ] واعلم : أن علماء الحديث قالوا : إن وقف هذا الحديث على أصح من رفعه . ابن عباس
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : وقد علمت مما مر قريبا أن حديث المذكور رفعه ابن عباس ، عطاء بن السائب ، والظاهر أن اجتماعهما معا لا يقل عن درجة الحسن ، ومما يؤيد ذلك أن ممن روى رفعه عن وليث بن أبي سليم عطاء ، وقد ذكروا أن رواية سفيان الثوري سفيان عنه صحيحة ; لأنه روى عنه قبل اختلاطه ، وعلى ذلك فهو دليل على اشتراط الطهارة ، وستر العورة ; لأن قوله : يدل على أنه يشترط فيه ما يشترط في الصلاة ، إلا ما أخرجه دليل خاص كالمشي فيه ، والانحراف عن القبلة ، والكلام ، ونحو ذلك . " الطواف صلاة "
فإن قيل : المحققون من علماء الحديث ، يرون أن الصحيح أن حديث ( ) موقوف لا مرفوع ، لأن من وقفوه أضبط ، وأوثق ممن رفعه ؟ الطواف صلاة
فالجواب : أنا لو سلمنا أنه موقوف ، فهو قول صحابي اشتهر ولم يعلم له مخالف من الصحابة ، فيكون حجة ، لا سيما وقد اعتضد بما ذكرنا قبله من الأحاديث الصحيحة ، وبينا وجه دلالتها على اشتراط الطهارة للطواف .
وقال النووي في شرح المهذب في الكلام على حديث : ما نصه : وقد سبق أن الصحيح أنه موقوف على " الطواف صلاة " ، وتحصل منه الدلالة أيضا ، لأنه قول صحابي اشتهر ، ولم يخالفه أحد من الصحابة ، فكان حجة كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح ، وقول الصحابي حجة أيضا ، عند ابن عباس أبي حنيفة انتهى منه .
فهذا الذي ذكرنا هو حاصل أدلة من قال : باشتراط الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر للطواف ، وأما اشتراط ستر العورة للطواف فقد استدلوا له بحديث متفق عليه دال على ذلك .
قال رحمه الله في صحيحه : حدثنا البخاري ، حدثنا يحيى بن بكير الليث قال يونس : قال : حدثني ابن شهاب : أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن أبا هريرة رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس : ألا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . وقال أبا بكر الصديق مسلم رحمه الله في صحيحه : حدثنا هارون بن سعيد الأبلي ، حدثنا ابن وهب ، [ ص: 401 ] أخبرني عمرو ، عن ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ح ، حدثني أبي هريرة حرملة بن يحيى التجيبي ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس : أن أخبره عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال : بعثني أبي هريرة رضي الله عنه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط ، يؤذنون في الناس يوم النحر : " لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان " قال أبو بكر الصديق : فكان ابن شهاب يقول : يوم النحر يوم الحج الأكبر ، من أجل حديث حميد بن عبد الرحمن ، فهذا الحديث المتفق عليه بلفظ : أبي هريرة يدل فيه مسلك الإيماء والتنبيه على أن علة المنع من الطواف كونه عريانا ، وهو دليل على اشتراط ستر العورة للطواف كما ترى . " ولا يطوف بالبيت عريان "
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : وجوب ستر العورة للطواف يدل عليه كتاب الله في قوله تعالى في سورة الأعراف : يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد [ 7 \ 31 ] . وإيضاح دلالة هذه الآية الكريمة على ستر العورة للطواف يتوقف أولا على مقدمتين .
الأولى منهما : أن تعلم أن المقرر في علوم الحديث أن ، أن له حكم الرفع كما أوضحناه في سورة البقرة . تفسير الصحابي إذا كان له تعلق بسبب النزول
قال العلوي الشنقيطي في طلعة الأنوار :
تفسير صاحب له تعلق بالسبب الرفع له محقق
وقال العراقي في ألفيته :
وعد ما فسره الصحابي رفعا فمحمول على الأسباب
المقدمة الثانية : هي أن تعلم أن صورة سبب النزول قطعية الدخول عند جماهير الأصوليين ، وهو الصواب إن شاء الله تعالى .
فإذا علمت ذلك : فاعلم أن سبب نزول قوله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد [ 7 \ 31 ] أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فكانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة ، فتقول : من يعيرني ثوبا تجعله على فرجها ، وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية في هذا السبب : يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية [ 7 \ 31 ] . [ ص: 402 ] ومن زينتهم التي أمروا بأخذها عند كل مسجد : لبسهم الثياب عند المسجد الحرام للطواف ; لأنه هو صورة سبب النزول . فدخولها في حكم الآية قطعي عند الجمهور ، كما ذكرناه الآن وأوضحناه سابقا في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك . فالأمر في : خذوا شامل لستر العورة للطواف ، وهو أمر حتم أوجبه الله مخاطبا به بني آدم ، وهو السبب الذي نزل فيه الأمر .
واعلم أيضا : أنه ثبت عن ما يدل على أنه فسر : ابن عباس خذوا زينتكم بلبس الثياب للطواف استنادا لسبب النزول .
قال مسلم رحمه الله في صحيحه : حدثنا ، حدثنا محمد بن بشار ح ، وحدثني محمد بن جعفر أبو بكر بن نافع واللفظ له ، حدثنا ، حدثنا غندر شعبة ، عن مسلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن ، عن سعيد بن جبير قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول : من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها وتقول : ابن عباس
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
جهم من الجهم عظيم ظله كم من لبيب عقله يضله
وناظر ينظر ما يمله
قال صاحب الدر المنثور : وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن في قوله : ابن عباس خذوا زينتكم عند كل مسجد قال : كان رجال يطوفون بالبيت عراة ، فأمرهم الله بالزينة ، والزينة : اللباس ، وهو ما يواري السوأة وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع ا هـ منه . وجماهير علماء التفسير مطبقون على هذا التفسير المتعلق بسبب النزول ، فتبين بما ذكرنا أن القرآن والسنة الصحيحة دلا معا على ستر العورة للطواف ، وقد قدمنا مرارا كلام العلماء في اقتضاء النهي الفساد فأغنى ذلك عن إعادته هنا ، وقد رأيت فيما كتبنا أدلة الجمهور على طهارة الحدث وستر العورة للطواف .
أما : فقد استدلوا لها بما تقدم من أن الطواف صلاة ، وقد بينا وجه الدلالة منه على ذلك ، سواء قلنا : إنه موقوف ، أو مرفوع ، وقد يقال : إنه لا مجال للرأي [ ص: 403 ] فيه ، فله حكم الرفع ، واستأنس بعضهم لطهارة الخبث للطواف بقوله تعالى : طهارة الخبث وطهر بيتي للطائفين الآية [ 22 \ 26 ] ; لأنه يدل في الجملة على الأمر بالطهارة للطائفين ، والعلم عند الله تعالى . وإذا علمت مما ذكرنا أن جماهير العلماء منهم الأئمة الثلاثة قالوا : باشتراط الطهارة وستر العورة للطواف ، وأن خالف الجمهور في هذه المسألة ، فلم يشترط الطهارة ، ولا ستر العورة للطواف . أبا حنيفة
فاعلم أن حجته في ذلك هي قاعدة مقررة في أصوله ترك من أجلها العمل بأحاديث صحيحة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلك القاعدة التي ترك من أجلها العمل ببعض الأحاديث الصحيحة ، متركبة من مقدمتين :
إحداهما : أن الزيادة على النص نسخ .
والثانية : أن ، فقال في المسألة التي نحن بصددها : قال الله تعالى في كتابه الأخبار المتواترة لا تنسخ بأخبار الآحاد وليطوفوا بالبيت العتيق [ 22 \ 29 ] وهو نص متواتر ، فلو زدنا على الطواف اشتراط الطهارة ، والستر ، فإن هذه الزيادة نسخ ، وأخبارها أخبار آحاد فلا تنسخ المتواتر الذي هو الآية ، ولأجل هذا لم يقل بتغريب الزاني البكر ، لأن الأحاديث الصحيحة الدالة عليه عنده أخبار آحاد ، وزيادة التغريب على قوله : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما الآية [ 24 ] نسخ له ، وهو متواتر ، فلا ينسخ بأخبار الآحاد . ولأجل ذلك أيضا لم يقل بثبوت المال بالشاهد واليمين ، لأنه يرى ذلك زيادة على قوله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء الآية [ 2 \ 282 ] والزيادة نسخ ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد ا هـ . والتحقيق في مسألة الزيادة على النص هو التفصيل . فإن كانت الزيادة أثبتت شيئا نفاه المتواتر ، أو نفت شيئا أثبته ، فهي نسخ له ، وإن كانت الزيادة زيد فيها شيء ، لم يتعرض له النص المتواتر ، فهي زيادة شيء مسكوت عنه لم ترفع حكما شرعيا ، وإنما رفعت البراءة الأصلية التي هي الإباحة العقلية ، ورفعها ليس بنسخ .
مثال الزيادة التي هي نسخ على التحقيق : زيادة تحريم الخمر بالقرآن ، وتحريم الحمر الأهلية بالسنة الصحيحة ، على قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به [ 6 \ 145 ] فإن هذه الآية الكريمة لم تسكت عن إباحة الخمر والحمر الأهلية وقت [ ص: 404 ] نزولها ، بل صرحت بإباحتهما بمقتضى الحصر الصريح بالنفي في لا أجد في ما أوحي إلي والإثبات في قوله : إلا أن يكون ميتة فتحريم شيء زائد على الأربعة المذكورة في الآية زيادة ناسخة ; لأنها أثبتت تحريما دلت الآية على نفيه .
ومثال الزيادة التي لم يتعرض لها النص بنفي ولا إثبات ، زيادة تغريب الزاني البكر عاما بالسنة الصحيحة على آية الجلد ، وزيادة الحكم بالشاهد واليمين على آية : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان الآية . وزيادة الطهارة ، والستر التي بينا أدلتها على آية : وليطوفوا بالبيت العتيق [ 22 \ 29 ] وقد أشار صاحب مراقي السعود إلى مسألة الزيادة على النص بقوله :
وليس نسخا كل ما أفادا فيما رسا بالنص الازديادا
وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي [ 6 \ 145 ] ، وبينا أن التحقيق هو جواز نسخ المتواتر بالآحاد إذا علم تأخرها عنه ، وبيناها أيضا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : وإذا بدلنا آية مكان آية الآية [ 16 \ 101 ] . ولذلك اختصرناها هنا ، والعلم عند الله تعالى .