قوله - تعالى - : ولا تتفرقوا فيه .
الضمير في قوله : ( فيه ) ، راجع إلى الدين في قوله : ( أن أقيموا الدين ) .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن الافتراق في الدين - جاء مبينا في غير هذا الموضع ، وقد بين - تعالى - أنه وصى خلقه بذلك ، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله - تعالى - : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا الآية [ 3 \ 103 ] . وقوله - تعالى - : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون [ 6 \ 153 ] . وقد بين - تعالى - في بعض المواضع أن بعض الناس لا يجتنبون هذا النهي ، وهددهم على ذلك ، كقوله - تعالى - : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون [ 6 \ 159 ] . لأن قوله : لست منهم في شيء إلى قوله : يفعلون - فيه تهديد عظيم لهم .
وقوله - تعالى - في سورة " قد أفلح المؤمنون " : وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين [ 23 \ 52 - 54 ] .
فقوله : وإن هذه أمتكم أمة واحدة أي : إن هذه شريعتكم شريعة واحدة ، ودينكم دين واحد ، وربكم واحد فلا تتفرقوا في الدين .
وقوله - جل وعلا - : فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا دليل على أنهم لم يجتنبوا ما نهوا عنه من ذلك .
وقوله - تعالى - : فذرهم في غمرتهم حتى حين فيه تهديد لهم ووعيد عظيم على ذلك . ونظير ذلك قوله - تعالى - في سورة " الأنبياء " : إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون [ 21 \ 92 - 93 ] . فقوله - تعالى - : كل إلينا راجعون فيه أيضا تهديد لهم ووعيد على ذلك ، وقد أوضحنا تفسير هذه الآيات في آخر سورة " الأنبياء " في الكلام على قوله - تعالى - : إن هذه أمتكم أمة واحدة الآية [ 21 \ 93 ] .
[ ص: 62 ] وقد جاء في الحديث المشهور اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، افتراق النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة ، وافتراق ، وأن الناجية منها واحدة ، وهي التي كانت على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . وافتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة