قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29014_30200_29497ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=34ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين .
قوله : ( لبيوتهم ) في الموضعين ، قرأه
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش وأبو عمرو ،
وحفص عن
عاصم - بضم الباء على الأصل .
وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون عن
نافع ،
وابن كثير ،
وابن عامر ، وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وشعبة عن
عاصم :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لبيوتهم بكسر الباء لمجانسة الكسرة للياء .
وقوله : ( سقفا ) قرأه
نافع وابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وعاصم - سقفا بضمتين على الجمع .
وقرأه
ابن كثير وأبو عمرو : سقفا بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد المراد به الجمع .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة قرأه
نافع وابن كثير وابن عامر في رواية
ابن ذكوان ، وإحدى الروايتين عن
هشام وأبي عمرو nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35لما متاع الحياة الدنيا بتخفيف الميم من ( لما ) .
وقرأه
عاصم وحمزة وهشام عن
ابن عامر ، وفي إحدى الروايتين :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35لما متاع الحياة الدنيا بتشديد الميم من ( لما ) .
[ ص: 116 ] ومعنى الآية الكريمة أن الله لما بين حقارة الدنيا وعظم شأن الآخرة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32ورحمة ربك خير مما يجمعون [ 43 \ 32 ] - أتبع ذلك ببيان شدة حقارتها ، وأنه جعلها مشتركة بين المؤمنين والكافرين ، وجعل ما في الآخرة من النعيم خاصا بالمؤمنين دون الكافرين ، وبين حكمته في اشتراك المؤمن مع الكافر في نعيم الدنيا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ولولا أن يكون الناس أمة واحدة أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة متفقة على الكفر ، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار .
ولكننا لعلمنا بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا وحبها لها ، لو أعطينا ذلك كله للكفار لحملت الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفارا ، فجعلنا في كل من الكافرين والمؤمنين غنيا وفقيرا ، وأشركنا بينهم في الحياة الدنيا .
ثم بين - جل وعلا - اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ، أي خالصة لهم دون غيرهم .
وهذا المعنى جاء موضحا في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - في " الأعراف " :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة [ 7 \ 32 ] .
فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا أي مشتركة بينهم في الحياة الدنيا ، خالصة يوم القيامة ، أي خاصة بهم دون الكفار يوم القيامة ; إذ لا نصيب للكفار البتة في طيبات الآخرة .
فقوله في آية " الأعراف " هذه :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا - صريح في اشتراك المؤمنين مع الكفار في متاع الحياة الدنيا .
وذلك الاشتراك المذكور دل عليه حرف الامتناع للوجود الذي هو ( لولا ) في قوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ولولا أن يكون الناس أمة واحدة .
وخصوص طيبات الآخرة بالمؤمنين المنصوص عليه في آية " الأعراف " بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32خالصة يوم القيامة [ 7 \ 32 ] - هو الذي أوضحه - تعالى - في آية " الزخرف " هذه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35والآخرة عند ربك للمتقين [ 43 \ 35 ] .
[ ص: 117 ] وجميع المؤمنين يدخلون في الجملة في لفظ المتقين ; لأن كل مؤمن اتقى الشرك بالله .
وما دلت عليه هذه الآيات من أنه - تعالى - يعطي الكفار من متاع الحياة الدنيا - دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار [ 2 \ 126 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=24نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ [ 31 \ 24 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون [ 10 \ 23 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=69قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=70متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون [ 10 \ 69 - 70 ] . والآيات بمثل هذا كثيرة .
وقد بين - تعالى - في آيات من كتابه أن إنعامه على الكافرين ليس لكرامتهم عليه ، ولكنه للاستدراج ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=44فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=45وأملي لهم إن كيدي متين [ 68 \ 44 - 45 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين [ 6 \ 44 - 45 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون [ 7 \ 95 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=75قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا [ 19 \ 75 ] على أظهر التفسيرين . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=178ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين [ 3 \ 178 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=44فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير [ 22 \ 44 ] .
ودعوى الكفار أن الله ما أعطاهم المال ونعيم الدنيا إلا لكرامتهم عليه واستحقاقهم لذلك ، وأنه إن كان البعث حقا أعطاهم خيرا منه في الآخرة - قد ردها الله عليهم في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون [ 23 \ 55 - 56 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا [ 34 \ 37 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=48قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون [ 7 \ 48 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2ما أغنى عنه ماله وما كسب [ 111 \ 2 ] .
[ ص: 118 ] وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=11وما يغني عنه ماله إذا تردى [ 92 \ 11 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم [ 6 \ 94 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا طرفا من هذا في سورة " الكهف " في الكلام على قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا [ 18 \ 36 ] .
ولنرجع إلى تفسير ألفاظ الآية الكريمة ، فقوله : جعلنا أي صيرنا ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لبيوتهم بدل اشتمال مع إعادة العامل من قوله : لمن يكفر وعلى قراءة سقفا بضمتين ، فهو جمع سقف ، وسقف البيت معروف .
وعلى قراءة سقفا بفتح السين وسكون القاف : فهو مفرد أريد به الجمع .
وقد قدمنا في أول سورة " الحج " في الكلام على قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم نخرجكم طفلا [ 22 \ 5 ] - أن المفرد إذا كان اسم جنس . يجوز إطلاقه مرادا به الجمع ، وأكثرنا من أمثلة ذلك في القرآن ومن الشواهد العربية على ذلك .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ومعارج الظاهر أنه جمع معرج ، بلا ألف بعد الراء .
والمعرج والمعراج بمعنى واحد ، وهو الآلة التي يعرج بها أي يصعد بها إلى العلو .
وقوله : ( يظهرون ) ، أي يصعدون ويرتفعون حتى يصيروا على ظهور البيوت . ومن ذلك المعنى قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=97فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا [ 18 \ 97 ] .
والسرر جمع سرير ، والاتكاء معروف .
والأبواب جمع باب وهو معروف ، والزخرف الذهب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إن المعارج التي هي المصاعد والأبواب والسرر - كل ذلك من فضة ، كأنه يرى اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في ذلك ، وعلى هذا المعنى فقوله : زخرفا - مفعول عامله محذوف ، والتقدير : وجعلنا لهم مع ذلك زخرفا .
[ ص: 119 ] وقال بعض العلماء : إن جميع ذلك بعضه من فضة ، وبعضه من زخرف ، أي ذهب .
وقد ذكر
القرطبي أن إعراب قوله : وزخرفا - على هذا القول أنه منصوب بنزع الخافض ، وأن المعنى من فضة ، ومن زخرف ، فحذف حرف الجر فانتصب زخرفا .
وأكثر علماء النحو على أن النصب بنزع الخافض ليس مطردا ولا قياسيا ، وما سمع منه يحفظ ولا يقاس عليه .
وعليه درج
ابن مالك في الخلاصة في قوله :
وإن حذف فالنصب للمنجر نقلا . . . إلخ .
nindex.php?page=showalam&ids=13676وعلي بن سليمان وهو الأخفش الصغير يرى اطراده في كل شيء أمن فيه اللبس ، كما أشار في الكافية بقوله :
وابن سليمان اطراده رأى إن لم يخف لبس كمن زيد نأى
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا [ 43 \ 35 ] على قراءة الجمهور بتخفيف الميم من ( لما ) ، فـ ( إن ) هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بين ( إن ) المخففة من الثقيلة ، و ( إن ) النافية المشار إليها بقوله في الخلاصة :
وخففت إن فقل العمل وتلزم اللام إذا ما تهمل
و ( ما ) مزيدة للتوكيد ، وأما على قراءة
عاصم وحمزة وابن عامر في إحدى الروايتين عن
هشام ( لما ) بتشديد الميم فـ ( إن ) نافية ، و ( لما ) حرف إثبات بمعنى إلا .
والمعنى : وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا .
وذكره بعضهم أن تشديد ميم ( لما ) على بعض القراءات في هذه الآية وآية " الطارق "
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إن كل نفس لما عليها حافظ [ 86 \ 4 ] - لغة
بني هذيل بن مدركة . والعلم عند الله - تعالى - .
قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29014_30200_29497وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=34وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ .
قَوْلُهُ : ( لِبُيُوتِهِمْ ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، قَرَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٌ وَأَبُو عَمْرٍو ،
وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ - بِضَمِّ الْبَاءِ عَلَى الْأَصْلِ .
وَقَرَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قَالُونُ عَنْ
نَافِعٍ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ ،
وَابْنُ عَامِرٍ ، وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَشُعْبَةُ عَنْ
عَاصِمٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لِبُيُوتِهِمْ بِكَسْرِ الْبَاءِ لِمُجَانِسَةِ الْكَسْرَةِ لِلْيَاءِ .
وَقَوْلُهُ : ( سُقُفًا ) قَرَأَهُ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ - سُقُفًا بِضَمَّتَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ .
وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو : سَقْفًا بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ عَلَى الْإِفْرَادِ الْمُرَادِ بِهِ الْجَمْعُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ قَرَأَهُ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ ذَكْوَانَ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
هِشَامٍ وَأَبِي عَمْرٍو nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنْ ( لَمَا ) .
وَقَرَأَهُ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَهِشَامٌ عَنِ
ابْنِ عَامِرٍ ، وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنْ ( لَمَّا ) .
[ ص: 116 ] وَمَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا بَيَّنَ حَقَارَةَ الدُّنْيَا وَعِظَمَ شَأْنِ الْآخِرَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [ 43 \ 32 ] - أَتْبَعَ ذَلِكَ بِبَيَانِ شِدَّةِ حَقَارَتِهَا ، وَأَنَّهُ جَعَلَهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ ، وَجَعَلَ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّعِيمِ خَاصًّا بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكَافِرِينَ ، وَبَيَّنَ حِكْمَتَهُ فِي اشْتِرَاكِ الْمُؤْمِنِ مَعَ الْكَافِرِ فِي نَعِيمِ الدُّنْيَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً أَيْ لَوْلَا كَرَاهَتُنَا لِكَوْنِ جَمِيعِ النَّاسِ أُمَّةً وَاحِدَةً مُتَّفِقَةً عَلَى الْكُفْرِ ، لَأَعْطَيْنَا زَخَارِفَ الدُّنْيَا كُلَّهَا لِلْكُفَّارِ .
وَلَكِنَّنَا لِعِلْمِنَا بِشِدَّةِ مَيْلِ الْقُلُوبِ إِلَى زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَحُبِّهَا لَهَا ، لَوْ أَعْطَيْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْكُفَّارِ لَحَمَلَتِ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا ، فَجَعَلْنَا فِي كُلٍّ مِنَ الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ غَنِيًّا وَفَقِيرًا ، وَأَشْرَكْنَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
ثُمَّ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - اخْتِصَاصَ نَعِيمِ الْآخِرَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ، أَيْ خَالِصَةٌ لَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي " الْأَعْرَافِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ 7 \ 32 ] .
فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَيْ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، خَالِصَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَيْ خَاصَّةٌ بِهِمْ دُونَ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; إِذْ لَا نَصِيبَ لِلْكُفَّارِ الْبَتَّةَ فِي طَيِّبَاتِ الْآخِرَةِ .
فَقَوْلُهُ فِي آيَةِ " الْأَعْرَافِ " هَذِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا - صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاكِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الْكُفَّارِ فِي مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
وَذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ الْمَذْكُورُ دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الِامْتِنَاعِ لِلْوُجُودِ الَّذِي هُوَ ( لَوْلَا ) فِي قَوْلِهِ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً .
وَخُصُوصُ طَيِّبَاتِ الْآخِرَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي آيَةِ " الْأَعْرَافِ " بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ 7 \ 32 ] - هُوَ الَّذِي أَوْضَحَهُ - تَعَالَى - فِي آيَةِ " الزُّخْرُفِ " هَذِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [ 43 \ 35 ] .
[ ص: 117 ] وَجَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ فِي الْجُمْلَةِ فِي لَفْظِ الْمُتَّقِينَ ; لِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ اتَّقَى الشِّرْكَ بِاللَّهِ .
وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ أَنَّهُ - تَعَالَى - يُعْطِي الْكُفَّارَ مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا - دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ [ 2 \ 126 ] . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=24نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [ 31 \ 24 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ 10 \ 23 ] . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=69قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=70مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [ 10 \ 69 - 70 ] . وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ .
وَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ إِنْعَامَهُ عَلَى الْكَافِرِينَ لَيْسَ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ لِلِاسْتِدْرَاجِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=44فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=45وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [ 68 \ 44 - 45 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 6 \ 44 - 45 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [ 7 \ 95 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=75قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [ 19 \ 75 ] عَلَى أَظْهَرِ التَّفْسِيرَيْنِ . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=178وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [ 3 \ 178 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=44فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [ 22 \ 44 ] .
وَدَعْوَى الْكُفَّارِ أَنَّ اللَّهَ مَا أَعْطَاهُمُ الْمَالَ وَنَعِيمَ الدُّنْيَا إِلَّا لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ لِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْبَعْثُ حَقًّا أَعْطَاهُمْ خَيْرًا مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ - قَدْ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ [ 23 \ 55 - 56 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [ 34 \ 37 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=48قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [ 7 \ 48 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [ 111 \ 2 ] .
[ ص: 118 ] وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=11وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [ 92 \ 11 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [ 6 \ 94 ] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ هَذَا فِي سُورَةِ " الْكَهْفِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا [ 18 \ 36 ] .
وَلْنَرْجِعْ إِلَى تَفْسِيرِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، فَقَوْلُهُ : جَعَلْنَا أَيْ صَيَّرْنَا ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لِبُيُوتِهِمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مَعَ إِعَادَةِ الْعَامِلِ مِنْ قَوْلِهِ : لِمَنْ يَكْفُرُ وَعَلَى قِرَاءَةِ سُقُفًا بِضَمَّتَيْنِ ، فَهُوَ جَمْعُ سَقْفٍ ، وَسَقْفُ الْبَيْتِ مَعْرُوفٌ .
وَعَلَى قِرَاءَةِ سَقْفًا بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ : فَهُوَ مُفْرَدٌ أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْحَجِّ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [ 22 \ 5 ] - أَنَّ الْمُفْرَدَ إِذَا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ . يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ مُرَادًا بِهِ الْجَمْعُ ، وَأَكْثَرْنَا مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَمِنَ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَمَعَارِجَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعُ مِعْرَجٍ ، بِلَا أَلْفٍ بَعْدِ الرَّاءِ .
وَالْمِعْرَجُ وَالْمِعْرَاجُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْآلَةُ الَّتِي يُعْرَجُ بِهَا أَيْ يُصْعَدُ بِهَا إِلَى الْعُلُوِّ .
وَقَوْلُهُ : ( يَظْهَرُونَ ) ، أَيْ يَصْعَدُونَ وَيَرْتَفِعُونَ حَتَّى يَصِيرُوا عَلَى ظُهُورِ الْبُيُوتِ . وَمِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=97فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [ 18 \ 97 ] .
وَالسُّرُرُ جَمْعُ سَرِيرٍ ، وَالِاتِّكَاءُ مَعْرُوفٌ .
وَالْأَبْوَابُ جَمْعُ بَابٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ ، وَالزُّخْرُفُ الذَّهَبُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنَّ الْمَعَارِجَ الَّتِي هِيَ الْمَصَاعِدُ وَالْأَبْوَابُ وَالسُّرُرُ - كُلُّ ذَلِكَ مِنْ فِضَّةٍ ، كَأَنَّهُ يَرَى اشْتِرَاكَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ : زُخْرُفًا - مَفْعُولٌ عَامِلُهُ مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَجَعَلْنَا لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ زُخْرُفًا .
[ ص: 119 ] وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ بَعْضُهُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَبَعْضُهُ مِنْ زُخْرُفٍ ، أَيْ ذَهَبٍ .
وَقَدْ ذَكَرَ
الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ إِعْرَابَ قَوْلِهِ : وُزُخْرُفًا - عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ ، وَأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ فِضَّةٍ ، وَمِنْ زُخْرُفٍ ، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَانْتَصَبَ زُخْرُفًا .
وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ النَّحْوِ عَلَى أَنَّ النَّصْبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ لَيْسَ مُطَّرِدًا وَلَا قِيَاسِيًّا ، وَمَا سُمِعَ مِنْهُ يُحْفَظُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ .
وَعَلَيْهِ دَرَجَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِهِ :
وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لِلْمُنْجَرِّ نَقْلًا . . . إِلَخْ .
nindex.php?page=showalam&ids=13676وَعَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ يَرَى اطِّرَادَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ أُمِنَ فِيهِ اللَّبْسُ ، كَمَا أَشَارَ فِي الْكَافِيَةِ بِقَوْلِهِ :
وَابْنُ سُلَيْمَانَ اطِّرَادَهُ رَأَى إِنْ لَمْ يُخَفْ لَبْسٌ كَمِنْ زَيْدٍ نَأَى
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ 43 \ 35 ] عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنْ ( لَمَا ) ، فَـ ( إِنْ ) هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ ( إِنِ ) الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَ ( إِنِ ) النَّافِيَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ :
وَخُفِّفَتْ إِنْ فَقَلَّ الْعَمَلُ وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ
وَ ( مَا ) مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ
عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَابْنِ عَامِرٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
هِشَامٍ ( لَمَّا ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَـ ( إِنْ ) نَافِيَةٌ ، وَ ( لَمَّا ) حَرْفُ إِثْبَاتٍ بِمَعْنَى إِلَّا .
وَالْمَعْنَى : وَمَا كُلُّ ذَلِكَ إِلَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَشْدِيدَ مِيمِ ( لَمَّا ) عَلَى بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ " الطَّارِقِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [ 86 \ 4 ] - لُغَةُ
بَنِي هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - .