ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة بعض ; فذكر منها هنا الإيمان بآيات الله والإسلام ، وذكر بعضا منها في غير هذا الموضع . صفات الذين ينتفي عنهم الخوف والحزن يوم القيامة
[ ص: 140 ] فمن ذلك الإيمان والتقوى ، وذلك في قوله - تعالى - في سورة " يونس " : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون [ 10 \ 62 - 63 ] .
ومن ذلك الاستقامة ، وقولهم : ربنا الله ، وذلك في قوله في " فصلت " : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا [ 41 ] . وقوله - تعالى - في " الأحقاف " : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 46 \ 13 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
والخوف في لغة العرب : الغم من أمر مستقبل .
والحزن : الغم من أمر ماض .
وربما استعمل كل منهما في موضع الآخر .
وإطلاق الخوف على الغم أسلوب عربي معروف .
قال بعض العلماء : ومنه قوله - تعالى - : إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [ 2 \ 229 ] .
قال معناه : إلا أن يعلما .
ومنه قول أبي محجن الثقفي :
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي في الممات عروقها ولا تدفنني في الفلاة فإنني
أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
وقوله في هذه الآية الكريمة : الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ظاهره . المغايرة بين الإيمان والإسلام
وقد دلت بعض الآيات على اتحادهما كقوله - تعالى - : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين [ 51 \ 35 - 36 ] .
ولا منافاة في ذلك ، فإن الإيمان يطلق تارة على جميع ما يطلق عليه الإسلام من الاعتقاد والعمل ، كما ثبت في الصحيح في حديث وفد عبد القيس ، والأحاديث بمثل ذلك كثيرة جدا .
[ ص: 141 ] ومن أصرحها في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " . الإيمان بضع وسبعون
وفي بعض الروايات الثابتة في الصحيح : " " . وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق
فقد سمى - صلى الله عليه وسلم - " " إيمانا . إماطة الأذى عن الطريق
وقد أطال البيهقي - رحمه الله - في شعب الإيمان ، في ذكر الأعمال التي جاء الكتاب والسنة بتسميتها إيمانا .
فالإيمان الشرعي التام والإسلام الشرعي التام معناهما واحد .
وقد يطلق الإيمان إطلاقا آخر على خصوص ركنه الأكبر الذي هو الإيمان بالقلب ، كما في حديث جبريل الثابت في الصحيح .
والقلب مضغة في الجسد إذا صلحت صلح الجسد كله ، فغيره تابع له ، وعلى هذا تحصل المغايرة في الجملة بين الإيمان والإسلام .
فالإيمان ، على هذا الإطلاق اعتقاد ، والإسلام شامل للعمل .
واعلم أن مغايرته - تعالى - بين في قوله - تعالى - : الإيمان والإسلام قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم [ 49 \ 14 ] .
قال بعض العلماء : المراد بالإيمان هنا معناه الشرعي ، والمراد بالإسلام معناه اللغوي ، لأن إذعان الجوارح وانقيادها دون إيمان القلب - إسلام لغة لا شرعا .
وقال بعض العلماء : المراد بكل منهما معناه الشرعي ، ولكن نفي الإيمان في قوله : ولما يدخل الإيمان ، يراد به عند من قال هذا نفي كمال الإيمان ، لا نفي أصله ، ولكن ظاهر الآية لا يساعد على هذا ; لأن قوله : ولما يدخل فعل في سياق النفي ، وهو صيغة عموم على التحقيق ، وإن لم يؤكد بمصدر ، ووجهه واضح جدا كما قدمناه مرارا .
وهو أن الفعل الصناعي ينحل عن مصدر وزمن عند النحويين ، وعن مصدر وزمن ونسبة عند البلاغيين ، كما حرروه في مبحث الاستعارة التبعية ، وهو أصوب .
[ ص: 142 ] فالمصدر كامن في مفهوم الفعل الصناعي إجماعا ، وهو نكرة لم تتعرف بشيء ، فيئول إلى معنى النكرة في سياق النفي .
وقد أشار صاحب مراقي السعود إلى أن الفعل في سياق النفي أو الشرط من صيغ العموم ، بقوله :
ونحو لا شربت أو وإن شربا واتفقوا إن مصدر قد جلبا
ووجه إهمال ( لا ) في هذه الآية في قوله - تعالى - : لا خوف [ 46 \ 13 ] - أن ( لا ) الثانية التي هي ولا هم يحزنون [ 46 \ 13 ] بعدها معرفة ، وهي الضمير ، وهي لا تعمل في المعارف ، بل في النكرات ، فلما وجب إهمال الثانية أهملت الأولى لينسجم الحرفان بعضهما مع بعض في إهمالهما معا .