الإشارة في قوله : هذا هدى راجعة للقرآن العظيم المعبر عنه بآيات الله في قوله : تلك آيات الله [ 45 \ 6 ] . وقوله : فبأي حديث بعد الله وآياته الآية [ 45 \ 6 ] . [ ص: 195 ] وقوله : يسمع آيات الله تتلى عليه [ 45 \ 8 ] . وقوله : وإذا علم من آياتنا شيئا [ 45 \ 9 ] .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن هذا - جاء موضحا في غير هذا الموضع . القرآن هدى ، وأن من كفر بآياته له العذاب الأليم
أما كون القرآن هدى ، فقد ذكره - تعالى - في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - : ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون [ 7 \ 52 ] . وقوله - تعالى - : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين [ 16 \ 89 ] . وقوله - تعالى - : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] . وقوله - تعالى - : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان [ 2 \ 185 ] . وقوله : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [ 2 \ 1 - 2 ] . وقوله - تعالى - : قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء [ 41 \ 44 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
وأما كون من كفر بالقرآن يحصل له بسبب ذلك العذاب الأليم - فقد جاء موضحا في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - : ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه الآية [ 11 \ 17 ] . وقوله - تعالى - : وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا [ 20 \ 99 - 101 ] . وقوله - تعالى - : ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا [ 18 \ 106 ] . والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة .
وقد قدمنا في سورة " فصلت " في الكلام على قوله - تعالى - : وأما ثمود فهديناهم الآية [ 41 \ 17 ] . وغير ذلك من المواضع - أن الهدى يطلق في القرآن إطلاقا عاما ، بمعنى أن الهدى هو البيان والإرشاد وإيضاح الحق ، كقوله : وأما ثمود فهديناهم أي بينا لهم الحق وأوضحناه ، وأرشدناهم إليه وإن لم يتبعوه ، وكقوله : هدى للناس [ 2 \ 185 ] . وقوله هنا : هذا هدى - وأنه يطلق أيضا في القرآن بمعناه الخاص ، وهو التفضل بالتوفيق إلى طريق الحق والاصطفاء ، كقوله : هدى للمتقين [ 2 \ 2 ] . وقوله : قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء [ 41 \ 44 ] . وقوله : والذين اهتدوا زادهم هدى [ ص: 196 ] [ 47 \ 17 ] . وقوله : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ 6 \ 90 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وقد أوضحنا في سورة " فصلت " أن معرفة إطلاق الهدى المذكورين ، يزول بها الإشكال الواقع في آيات من كتاب الله .
والهدى مصدر هداه على غير قياس ، وهو هنا من جنس النعت بالمصدر ، وبينا فيما مضى مرارا أن تنزيل المصدر منزلة الوصف إما على حذف مضاف ، وإما على المبالغة .
وعلى الأول فالمعنى : هذا القرآن ذو هدى ، أي يحصل بسببه الهدى لمن اتبعه ، كقوله : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] .
وعلى الثاني فالمعنى أن المراد المبالغة في اتصاف القرآن بالهدى حتى أطلق عليه أنه هو نفس الهدى .
وقوله في هذه الآية الكريمة : " لهم عذاب من رجز أليم " أصح القولين فيه أن المراد بالرجز العذاب ، ولا تكرار في الآية ; لأن العذاب أنواع متفاوتة ، والمعنى : لهم عذاب من جنس العذاب الأليم ، والأليم معناه المؤلم . أي : الموصوف بشدة الألم وفظاعته .
والتحقيق إن شاء الله : أن العرب تطلق الفعيل وصفا بمعنى المفعل ، فما يذكر عن من أنه أنكر ذلك إن صح عنه فهو غلط منه ; لأن إطلاق الفعيل بمعنى المفعل معروف في القرآن العظيم وفي كلام العرب ، ومن إطلاقه في القرآن العظيم قوله تعالى الأصمعي عذاب أليم [ 2 \ 104 ] أي مؤلم ، وقوله - تعالى - : بديع السماوات والأرض [ 2 \ 117 ] أي مبدعهما ، وقوله - تعالى - : إن هو إلا نذير لكم الآية [ 34 \ 46 ] أي منذر لكم ، ونظير ذلك من كلام العرب قول عمرو بن معد يكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
ويرفع من صدور شمردلات يصك وجوهها وهج أليم
أي مؤلم . وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير ابن كثير ، وحفص عن عاصم : من رجز أليم ، بخفض أليم على أنه نعت لرجز .
وقرأه ابن كثير ، وحفص عن عاصم : من رجز أليم ، برفع أليم على أنه نعت لعذاب .