nindex.php?page=treesubj&link=29017_31756_28658قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى .
صيغة الجمع في قوله : خلقنا - للتعظيم .
وقوله : إلا بالحق ، أي خلقا متلبسا بالحق .
والحق ضد الباطل ، ومعنى كون خلقه للسماوات والأرض متلبسا بالحق أنه خلقهما لحكم باهرة ، ولم يخلقهما باطلا ، ولا عبثا ، ولا لعبا ، فمن الحق الذي كان خلقهما متلبسا به - إقامة البرهان على أنه هو الواحد المعبود وحده - جل وعلا - كما أوضح ذلك في آيات كثيرة لا تكاد تحصيها في المصحف الكريم ، كقوله - تعالى - في " البقرة " :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [ 2 \ 163 ] ثم أقام البرهان على أنه هو الإله الواحد بقوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون [ 2 \ 164 ] .
فتلبس خلقه للسماوات والأرض بالحق واضح جدا ، من قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لآيات لقوم يعقلون بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو ; لأن إقامة البرهان القاطع على صحة معنى لا إله إلا الله - هو أعظم الحق .
وكقوله - تعالى - :
[ ص: 208 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [ 2 \ 21 - 22 ] ; لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21اعبدوا ربكم فيه معنى الإثبات من لا إله إلا الله .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون يتضمن معنى النفي منها على أكمل وجه وأتمه .
وقد أقام الله - جل وعلا -
nindex.php?page=treesubj&link=28664_28662البرهان القاطع على صحة معنى لا إله إلا الله نفيا وإثباتا بخلقه للسماوات والأرض وما بينهما - في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء الآية .
وبذلك تعلم أنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقا متلبسا بأعظم الحق ، الذي هو إقامة البرهان القاطع ، على توحيده - جل وعلا - ومن كثرة الآيات القرآنية الدالة على إقامة هذا البرهان القاطع المذكور على توحيده - جل وعلا - علم من استقراء القرآن أن العلامة الفارقة من يستحق العبادة ، وبين من لا يستحقها ، هي كونه خالقا لغيره ، فمن كان خالقا لغيره ، فهو المعبود بحق ، ومن كان لا يقدر على خلق شيء ، فهو مخلوق محتاج ، لا يصح أن يعبد بحال .
فالآيات الدالة على ذلك كثيرة جدا ، كقوله - تعالى - في آية " البقرة " المذكورة آنفا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم الآية .
فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الذي خلقكم يدل على أن المعبود هو الخالق وحده ، وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء الآية [ 13 \ 16 ] . يعني وخالق كل شيء هو المعبود وحده .
وقد أوضح - تعالى - هذا في سورة " النحل " ; لأنه - تعالى - لما ذكر فيها البراهين القاطعة على توحيده - جل وعلا - ، في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وعلامات وبالنجم هم يهتدون [ 16 \ 3 - 16 ] - أتبع ذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون [ 16 \ 17 ] .
وذلك واضح جدا في أن من يخلق غيره هو المعبود ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28667_28678_29705من لا يخلق شيئا لا يصح أن يعبد .
[ ص: 209 ] ولهذا قال - تعالى - قريبا منه :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون [ 16 \ 20 ] . وقال - تعالى - في " الأعراف " :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=191أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون [ 7 \ 191 ] . وقال - تعالى - في " الحج " :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له [ 22 \ 73 ] أي ومن لا يقدر أن يخلق شيئا لا يصح أن يكون معبودا بحال ، وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الذي خلق فسوى الآية [ 87 \ 1 - 2 ] .
ولما بين - تعالى - في أول سورة " الفرقان " صفات من يستحق أن يعبد ، ومن لا يستحق ذلك - قال في صفات من يستحق العبادة :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا [ 25 \ 2 ] .
وقال في صفات من لا يصح أن يعبد :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون الآية [ 25 \ 3 ] .
والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا ، وكل تلك الآيات تدل دلالة واضحة على أنه - تعالى - ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقا متلبسا بالحق .
وقد بين - جل وعلا - أن من الحق الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما ، خلقا متلبسا به - تعليمه خلقه أنه - تعالى - على كل شيء قدير ، وأنه قد أحاط بكل شيء علما ، وذلك في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=12الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما [ 65 \ 12 ] .
فلام التعليل في قوله : لتعلموا ، متعلقة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=12خلق سبع سماوات الآية ، وبه تعلم أنه ما خلق السماوات السبع والأرضين السبع ، وجعل الأمر يتنزل بينهن - إلا خلقا متلبسا بالحق .
ومن الحق الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما خلقا متلبسا به ، هو
nindex.php?page=treesubj&link=20490_29468تكليف الخلق وابتلاؤهم أيهم أحسن عملا ، ثم جزاؤهم على أعمالهم ، كما قال - تعالى - في أول
[ ص: 210 ] سورة "
هود " :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ 11 \ 7 ] .
فلام التعليل في قوله : ليبلوكم ، متعلقة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7خلق السماوات والأرض وبه تعلم أنه ما خلقهما إلا خلقا متلبسا بالحق .
ونظير ذلك قوله - تعالى - في أول " الكهف " :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا [ 18 \ 7 ] . وقوله - تعالى - في أول " الملك " :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ 67 \ 2 ] .
ومما يوضح أنه ما خلق السماوات والأرض إلا خلقا متلبسا بالحق - قوله - تعالى - في آخر " الذاريات " :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=57ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون [ 51 \ 56 - 57 ] .
سواء قلنا : إن معنى إلا ليعبدون ، أي لآمرهم بعبادتي فيعبدني السعداء منهم ; لأن عبادتهم يحصل بها تعظيم الله وطاعته والخضوع له ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين [ 6 \ 89 ] . وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=38فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون [ 41 \ 38 ] .
أو قلنا : إن معنى إلا ليعبدون ، أي إلا ليقروا لي بالعبودية ، ويخضعوا ويذعنوا لعظمتي ; لأن المؤمنين يفعلون ذلك طوعا ، والكفار يذعنون لقهره وسلطانه - تعالى - كرها .
ومعلوم أن حكمة الابتلاء والتكليف لا تتم إلا بالجزاء على الأعمال .
وقد بين - تعالى - أن من الحق الذي خلق السماوات والأرض خلقا متلبسا به -
nindex.php?page=treesubj&link=29468جزاء الناس بأعمالهم ، كقوله - تعالى - في " النجم " :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى [ 53 \ 31 ] .
فقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ولله ما في السماوات وما في الأرض أي هو خالقها ومن فيهما
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ليجزي الذين أساءوا بما عملوا الآية .
ويوضح ذلك قوله - تعالى - في "
يونس " :
[ ص: 211 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=4إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون [ 10 \ 4 ] .
ولما ظن الكفار أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، لا لحكمة تكليف وحساب وجزاء - هددهم بالويل من النار بسبب ذلك الظن السيئ ، في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار [ 38 \ 27 ] .
وقد نزه - تعالى - نفسه عن كونه خلق الخلق عبثا ، لا لتكليف وحساب وجزاء ، وأنكر ذلك على من ظنه ، في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم [ 23 \ 115 - 116 ] .
فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فتعالى الله ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=28787تنزه وتعاظم وتقدس عن أن يكون خلقهم لا لحكمة تكليف وبعث ، وحساب وجزاء .
وهذا الذي نزه - تعالى - عنه نفسه - نزهه عنه أولو الألباب ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار [ 3 \ 190 - 191 ] . فقوله عنهم : سبحانك أي تنزيها لك عن أن تكون خلقت هذا الخلق باطلا ، لا لحكمة تكليف وبعث ، وحساب وجزاء .
وقوله - جل وعلا - في آية " الأحقاف " هذه :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق - يفهم منه أنه لم يخلق ذلك باطلا ، ولا لعبا ولا عبثا .
وهذا المفهوم جاء موضحا في آيات من كتاب الله ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا الآية [ 38 \ 27 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ربنا ما خلقت هذا باطلا [ 3 \ 191 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39ما خلقناهما إلا بالحق [ 44 \ 38 - 39 ] .
وقوله - تعالى - في آية " الأحقاف " هذه :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3وأجل مسمى معطوف على قوله : بالحق أي ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقا متلبسا بالحق ، وبتقدير
[ ص: 212 ] أجل مسمى ، أي وقت معين محدد ينتهي إليه أمد السماوات والأرض ، وهو يوم القيامة كما صرح الله بذلك في أخريات " الحجر " في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية الآية [ 15 \ 85 ] .
فقوله في " الحجر " :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85وإن الساعة لآتية بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=8إلا بالحق يوضح معنى قوله في " الأحقاف " :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3إلا بالحق وأجل مسمى .
وقد بين - تعالى - في آيات من كتابه أن
nindex.php?page=treesubj&link=30290للسماوات والأرض أمدا ينتهي إليه أمرهما ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [ 39 \ 67 ] . وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب [ 21 \ 104 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات [ 14 \ 48 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11وإذا السماء كشطت [ 81 \ 11 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=14يوم ترجف الأرض والجبال الآية [ 73 \ 14 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
nindex.php?page=treesubj&link=29017_31756_28658قَوْلُهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى .
صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ : خَلَقْنَا - لِلتَّعْظِيمِ .
وَقَوْلُهُ : إِلَّا بِالْحَقِّ ، أَيْ خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ .
وَالْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِلِ ، وَمَعْنَى كَوْنِ خَلْقِهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ أَنَّهُ خَلَقَهُمَا لِحَكَمٍ بَاهِرَةٍ ، وَلَمْ يَخْلُقْهُمَا بَاطِلًا ، وَلَا عَبَثًا ، وَلَا لَعِبًا ، فَمِنَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ خَلْقُهُمَا مُتَلَبِّسًا بِهِ - إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْوَاحِدُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا - كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ لَا تَكَادُ تُحْصِيهَا فِي الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي " الْبَقَرَةِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [ 2 \ 163 ] ثُمَّ أَقَامَ الْبُرْهَانَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [ 2 \ 164 ] .
فَتَلَبُّسُ خَلْقِهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْحَقِّ وَاضِحٌ جِدًّا ، مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ; لِأَنَّ إِقَامَةَ الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ - هُوَ أَعْظَمُ الْحَقِّ .
وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
[ ص: 208 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ 2 \ 21 - 22 ] ; لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فِيهِ مَعْنَى الْإِثْبَاتِ مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى النَّفْيِ مِنْهَا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ وَأَتَمِّهِ .
وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا -
nindex.php?page=treesubj&link=28664_28662الْبُرْهَانَ الْقَاطِعَ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا بِخَلْقِهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا - فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً الْآيَةَ .
وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ مَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِأَعْظَمِ الْحَقِّ ، الَّذِي هُوَ إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ ، عَلَى تَوْحِيدِهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَمِنْ كَثْرَةِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِقَامَةِ هَذَا الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ الْمَذْكُورِ عَلَى تَوْحِيدِهِ - جَلَّ وَعَلَا - عُلِمَ مِنِ اسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْعَلَامَةَ الْفَارِقَةَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ ، وَبَيْنَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا ، هِيَ كَوْنُهُ خَالِقًا لِغَيْرِهِ ، فَمَنْ كَانَ خَالِقًا لِغَيْرِهِ ، فَهُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ ، وَمَنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ شَيْءٍ ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ مُحْتَاجٌ ، لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْبَدَ بِحَالٍ .
فَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي آيَةِ " الْبَقَرَةِ " الْمَذْكُورَةِ آنِفًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الْآيَةَ .
فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الَّذِي خَلَقَكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ هُوَ الْخَالِقُ وَحْدَهُ ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الْآيَةَ [ 13 \ 16 ] . يَعْنِي وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ .
وَقَدْ أَوْضَحَ - تَعَالَى - هَذَا فِي سُورَةِ " النَّحْلِ " ; لِأَنَّهُ - تَعَالَى - لَمَّا ذَكَرَ فِيهَا الْبَرَاهِينَ الْقَاطِعَةَ عَلَى تَوْحِيدِهِ - جَلَّ وَعَلَا - ، فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [ 16 \ 3 - 16 ] - أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [ 16 \ 17 ] .
وَذَلِكَ وَاضِحٌ جِدًّا فِي أَنَّ مَنْ يَخْلُقُ غَيْرَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28667_28678_29705مَنْ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْبَدَ .
[ ص: 209 ] وَلِهَذَا قَالَ - تَعَالَى - قَرِيبًا مِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ 16 \ 20 ] . وَقَالَ - تَعَالَى - فِي " الْأَعْرَافِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=191أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ 7 \ 191 ] . وَقَالَ - تَعَالَى - فِي " الْحَجِّ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [ 22 \ 73 ] أَيْ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا بِحَالٍ ، وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى الْآيَةَ [ 87 \ 1 - 2 ] .
وَلَمَّا بَيَّنَ - تَعَالَى - فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْفُرْقَانِ " صِفَاتِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ ، وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ - قَالَ فِي صِفَاتِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [ 25 \ 2 ] .
وَقَالَ فِي صِفَاتِ مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْبَدَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ الْآيَةَ [ 25 \ 3 ] .
وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَكُلُّ تِلْكَ الْآيَاتِ تَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهُ - تَعَالَى - مَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ .
وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - أَنَّ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ، خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِهِ - تَعْلِيمَهُ خَلْقَهُ أَنَّهُ - تَعَالَى - عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=12اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [ 65 \ 12 ] .
فَلَامُ التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ : لِتَعْلَمُوا ، مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=12خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ الْآيَةَ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ مَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ يَتَنَزَّلُ بَيْنَهُنَّ - إِلَّا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ .
وَمِنَ الْحَقِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِهِ ، هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=20490_29468تَكْلِيفُ الْخَلْقِ وَابْتِلَاؤُهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، ثُمَّ جَزَاؤُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي أَوَّلِ
[ ص: 210 ] سُورَةِ "
هُودٍ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ 11 \ 7 ] .
فَلَامُ التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ : لِيَبْلُوَكُمْ ، مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ مَا خَلَقَهُمَا إِلَّا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ .
وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي أَوَّلِ " الْكَهْفِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ 18 \ 7 ] . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي أَوَّلِ " الْمُلْكِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ 67 \ 2 ] .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّهُ مَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ إِلَّا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ - قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي آخِرِ " الذَّارِيَاتِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=57مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [ 51 \ 56 - 57 ] .
سَوَاءٌ قُلْنَا : إِنَّ مَعْنَى إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، أَيْ لِآمُرَهُمْ بِعِبَادَتِي فَيَعْبُدُنِي السُّعَدَاءُ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ عِبَادَتَهُمْ يَحْصُلُ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ وَطَاعَتُهُ وَالْخُضُوعُ لَهُ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [ 6 \ 89 ] . وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=38فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [ 41 \ 38 ] .
أَوْ قُلْنَا : إِنَّ مَعْنَى إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، أَيْ إِلَّا لِيُقِرُّوا لِي بِالْعُبُودِيَّةِ ، وَيَخْضَعُوا وَيُذْعِنُوا لِعَظَمَتِي ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ طَوْعًا ، وَالْكُفَّارُ يُذْعِنُونَ لِقَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ - تَعَالَى - كَرْهًا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ حِكْمَةَ الِابْتِلَاءِ وَالتَّكْلِيفِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ .
وَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - أَنَّ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِهِ -
nindex.php?page=treesubj&link=29468جَزَاءَ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي " النَّجْمِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [ 53 \ 31 ] .
فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَيْ هُوَ خَالِقُهَا وَمِنْ فِيهِمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا الْآيَةَ .
وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي "
يُونُسَ " :
[ ص: 211 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=4إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [ 10 \ 4 ] .
وَلَمَّا ظَنَّ الْكُفَّارُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ، لَا لِحِكْمَةِ تَكْلِيفٍ وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ - هَدَّدَهُمْ بِالْوَيْلِ مِنَ النَّارِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الظَّنِّ السَّيِّئِ ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ 38 \ 27 ] .
وَقَدْ نَزَّهَ - تَعَالَى - نَفْسَهُ عَنْ كَوْنِهِ خَلَقَ الْخَلْقَ عَبَثًا ، لَا لِتَكْلِيفٍ وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [ 23 \ 115 - 116 ] .
فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فَتَعَالَى اللَّهُ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28787تَنَزَّهَ وَتَعَاظَمَ وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهُمْ لَا لِحِكْمَةِ تَكْلِيفٍ وَبَعْثٍ ، وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ .
وَهَذَا الَّذِي نَزَّهَ - تَعَالَى - عَنْهُ نَفْسَهُ - نَزَّهَهُ عَنْهُ أُولُو الْأَلْبَابِ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [ 3 \ 190 - 191 ] . فَقَوْلُهُ عَنْهُمْ : سُبْحَانَكَ أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَنْ أَنْ تَكُونَ خَلَقْتَ هَذَا الْخَلْقَ بَاطِلًا ، لَا لِحِكْمَةِ تَكْلِيفٍ وَبَعْثٍ ، وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ .
وَقَوْلُهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي آيَةِ " الْأَحْقَافِ " هَذِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ - يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ بَاطِلًا ، وَلَا لَعِبًا وَلَا عَبَثًا .
وَهَذَا الْمَفْهُومُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا الْآيَةَ [ 38 \ 27 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [ 3 \ 191 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [ 44 \ 38 - 39 ] .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي آيَةِ " الْأَحْقَافِ " هَذِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3وَأَجَلٍ مُسَمًّى مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : بِالْحَقِّ أَيْ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ ، وَبِتَقْدِيرِ
[ ص: 212 ] أَجَلٍ مُسَمًّى ، أَيْ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مُحَدَّدٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمَدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَمَا صَرَّحَ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي أُخْرَيَاتِ " الْحِجْرِ " فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ الْآيَةَ [ 15 \ 85 ] .
فَقَوْلُهُ فِي " الْحِجْرِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=8إِلَّا بِالْحَقِّ يُوَضِّحُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي " الْأَحْقَافِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى .
وَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30290لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَمَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمْرُهُمَا ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [ 39 \ 67 ] . وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [ 21 \ 104 ] . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [ 14 \ 48 ] . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ [ 81 \ 11 ] . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=14يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ الْآيَةَ [ 73 \ 14 ] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .