قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=29018_18648أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها .
الهمزة في قوله : أفلا يتدبرون للإنكار ، والفاء عاطفة على جملة محذوفة ، على أصح القولين ، والتقدير : أيعرضون عن كتاب الله فلا يتدبرون القرآن ; كما أشار له في الخلاصة بقوله :
وحذف متبوع بدا هنا استبح
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أم على قلوب أقفالها " أم " فيه منقطعة بمعنى بل ، فقد أنكر تعالى عليهم إعراضهم عن تدبر القرآن ، بأداة الإنكار التي هي الهمزة ، وبين أن قلوبهم عليها أقفال لا تنفتح لخير ، ولا لفهم قرآن .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من التوبيخ والإنكار على من أعرض عن تدبر كتاب الله ، جاء موضحا في آيات كثيرة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ 4 \ 82 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=68أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين [ 23 \ 68 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ 38 \ 29 ] .
وقد ذم - جل وعلا - المعرض عن هذا القرآن العظيم في آيات كثيرة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها [ 18 \ 57 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=22ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها [ 32 \ 22 ] .
[ ص: 257 ] ومعلوم أن كل من لم يشتغل بتدبر آيات هذا القرآن العظيم أي تصفحها وتفهمها ، وإدراك معانيها والعمل بها ، فإنه معرض عنها ، غير متدبر لها فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكور في الآيات إن كان الله أعطاه فهما يقدر به على التدبر ، وقد شكا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه من هجر قومه هذا القرآن ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=30وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا [ 25 - 30 ] .
وهذه الآيات المذكورة تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18648تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به ، أمر لا بد منه للمسلمين .
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المشتغلين بذلك هم خير الناس . كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009413خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون [ 3 \ 79 ] .
فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له ، من أعظم المناكر وأشنعها ، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى .
ولا يخفى على عاقل أن القول بمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - اكتفاء عنهما بالمذاهب المدونة ، وانتفاء الحاجة إلى تعلمهما ; لوجود ما يكفي عنهما من مذاهب الأئمة - من أعظم الباطل .
وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة .
[ ص: 258 ] فمرتكبه مخالف لله ولرسوله ولأصحاب رسوله جميعا وللأئمة رحمهم الله ، كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=29018_18648أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا .
الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ لِلْإِنْكَارِ ، وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَيُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ; كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَحَذْفُ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " أَمْ " فِيهِ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ ، فَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِعْرَاضَهُمْ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ ، بِأَدَاةِ الْإِنْكَارِ الَّتِي هِيَ الْهَمْزَةُ ، وَبَيَّنَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ عَلَيْهَا أَقْفَالٌ لَا تَنْفَتِحُ لِخَيْرٍ ، وَلَا لِفَهْمِ قُرْآنٍ .
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللَّهِ ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [ 4 \ 82 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=68أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [ 23 \ 68 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ 38 \ 29 ] .
وَقَدْ ذَمَّ - جَلَّ وَعَلَا - الْمُعْرِضَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا [ 18 \ 57 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=22وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا [ 32 \ 22 ] .
[ ص: 257 ] وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِتَدَبُّرِ آيَاتِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَيْ تَصَفُّحِهَا وَتَفَهُّمِهَا ، وَإِدْرَاكِ مَعَانِيهَا وَالْعَمَلِ بِهَا ، فَإِنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْهَا ، غَيْرُ مُتَدَبِّرٍ لَهَا فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْكَارَ وَالتَّوْبِيخَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَاتِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أَعْطَاهُ فَهْمًا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى التَّدَبُّرِ ، وَقَدْ شَكَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَبِّهِ مِنْ هَجْرِ قَوْمِهِ هَذَا الْقُرْآنَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=30وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [ 25 - 30 ] .
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18648تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمَهُ وَتَعَلُّمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ ، أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ .
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِذَلِكَ هُمْ خَيْرُ النَّاسِ . كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009413خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [ 3 \ 79 ] .
فَإِعْرَاضُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَتَفَهُّمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَبِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمُبِيِّنَةِ لَهُ ، مَنْ أَعْظَمِ الْمُنَاكِرِ وَأَشْنَعِهَا ، وَإِنْ ظَنَّ فَاعِلُوهُ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى .
وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِ الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتِفَاءً عَنْهُمَا بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى تَعَلُّمِهِمَا ; لِوُجُودِ مَا يَكْفِي عَنْهُمَا مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ - مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ .
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ .
[ ص: 258 ] فَمُرْتَكِبُهُ مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَصْحَابِ رَسُولِهِ جَمِيعًا وَلِلْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، كَمَا سَتَرَى إِيضَاحَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .