الأول : أن آل فرعون جاءتهم النذر .
الثاني : أنهم كذبوا بآيات الله .
الثالث : أن الله أخذهم أخذ عزيز مقتدر .
وهذه الأمور الثلاثة المذكورة هنا جاءت موضحة في آيات أخر من كتاب الله .
أما الأول منها وهو أن آل فرعون وقومه جاءهم النذر ، فقد أوضحه تعالى في آيات كثيرة من كتابه .
اعلم أولا أن قوله : جاء آل فرعون النذر ، قيل : هو جمع نذير وهو الرسول ، وقيل : هو مصدر بمعنى الإنذار ، فعلى أنه مصدر فقد بينت الآيات القرآنية بكثرة أن الذي جاءهم بذلك الإنذار هو موسى وهارون . وعلى أنه جمع نذير أي منذر ، فالمراد به موسى وهارون ، وقد جاء في آيات كثيرة إرسال موسى وهارون لفرعون كقوله تعالى في طه فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك [ 20 \ 47 ] .
ثم بين تعالى إنذارهما له في قوله : إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى [ 20 \ 48 ] ، ونحوها من الآيات . وفي هذه الآية سؤال معروف ، وهو أن موسى وهارون ، كما قال تعالى : الله تبارك وتعالى أرسل لفرعون نبيين هما فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين [ 26 \ 16 ] ، وهنا جمع النذر في قوله : ولقد جاء آل فرعون النذر ، وللعلماء عن هذا أجوبة ، أحدها أن أقل الجمع اثنان كما هو المقرر في أصول رحمه الله ، وعقده صاحب مراقي السعود بقوله : مالك بن أنس
أقل معنى الجمع في المشتهر لاثنان في رأي الإمام الحميري
[ ص: 484 ] قالوا : ومنه قوله تعالى : فقد صغت قلوبكما [ 66 \ 4 ] ، ولهما قلبان فقط وقوله : فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ 4 \ 11 ] ، والمراد بالإخوة اثنان فصاعدا كما عليه الصحابة فمن بعدهم خلافا ، وقوله : لابن عباس وأطراف النهار [ 20 \ 130 ] ، وله طرفان . ومنها ما ذكره وغيره من أن المراد بالنذر الزمخشري موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء ، لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون . ومنها أن النذر مصدر بمعنى الإنذار .قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : التحقيق في الجواب - أن من كذب رسولا واحدا فقد كذب جميع المرسلين ، ومن كذب نذيرا واحدا فقد كذب جميع النذر ، لأن أصل دعوة جميع الرسل واحدة ، وهي مضمون لا إله إلا الله كما أوضحه تعالى بقوله : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ 16 \ 36 ] ، وقوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ 21 \ 25 ] ، وقوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ 43 \ 45 ] .
وأوضح تعالى أن من كذب بعضهم فقد كذب جميعهم في قوله تعالى : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا [ 4 \ 150 ] ، ، وأشار إلى ذلك في قوله : لا نفرق بين أحد من رسله [ 2 \ 285 ] ، وقوله : لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون [ 2 \ 136 ] ، وقوله تعالى : والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم الآية [ 4 \ 152 ] .
وقد أوضح تعالى في سورة الشعراء أن ، وذلك في قوله : تكذيب رسول واحد تكذيب لجميع الرسل كذبت قوم نوح المرسلين [ 26 \ 105 ] ، ثم بين أن تكذيبهم للمرسلين إنما وقع بتكذيبهم نوحا وحده ، حيث أفرد ذلك بقوله : إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إلى قوله : قال رب إن قومي كذبون [ 26 \ 106 - 107 ] ، وقوله تعالى : كذبت عاد المرسلين [ 26 \ 123 ] ، ثم بين أن ذلك بتكذيب هود وحده ، حيث أفرده بقوله : إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون [ 26 \ 124 ] ، ونحو ذلك في قوله تعالى في [ ص: 485 ] قصة صالح وقومه ، ولوط وقومه ، وشعيب وأصحاب الأيكة ، كما هو معلوم ، وهو واضح لا خفاء فيه ، ويزيده إيضاحا قوله - صلى الله عليه وسلم : " " يعني أنهم كلهم متفقون في الأصول وإن اختلفت شرائعهم في بعض الفروع . إنا معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد
وأما الأمر الثاني : وهو كون فرعون وقومه كذبوا بآيات الله ، فقد جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى : وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين [ 7 \ 132 ] ، وقوله تعالى : ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى [ 20 \ 56 ] ، وقوله تعالى : فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى [ 79 \ 20 - 21 ] ، وقوله تعالى : وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين [ 27 \ 12 - 14 ] .
وأما الأمر الثالث وهو قوله تعالى : فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، فقد جاء موضحا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى : وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين إلى قوله : فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم [ 51 \ 38 - 40 ] ، وقوله تعالى : فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم [ 20 \ 78 ] ، وقوله تعالى : وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون [ 2 \ 50 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله : أخذ عزيز مقتدر يوضحه قوله تعالى : وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد [ 11 \ 102 ] .
وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبي موسى الأشعري وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى الآية [ 11 \ 102 ] ، " ، والعزيز الغالب ، والمقتدر : شديد القدرة عظيمها . إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم تلا قوله تعالى :