[ ص: 513 ] أي صرتم أزواجا ثلاثة ، والعرب تطلق كان بمعنى صار ، ومنه ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين [ 2 \ 35 ] ، أي فتصيرا من الظالمين .
ومنه قول الشاعر :
بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
وقوله : أزواجا : أي أصنافا ثلاثة ، ثم بين هذه الأزواج الثلاثة بقوله : فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم [ 56 \ 8 - 12 ] ، أما أصحاب الميمنة فهم أصحاب اليمين ، كما أوضحه تعالى بقوله : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود [ 56 \ 27 - 28 ] ، وأصحاب المشأمة هم أصحاب الشمال كما أوضحه تعالى بقوله : وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم الآيات [ 56 \ 41 - 42 ] .قال بعض العلماء : قيل لهم أصحاب اليمين لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم .
وقيل : لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة .
وقيل : لأنهم عن يمين أبيهم آدم ، كما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك ليلة الإسراء .
وقيل : سموا أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة لأنهم ميامين ، أي مباركون على أنفسهم ، لأنهم أطاعوا ربهم فدخلوا الجنة ، واليمن البركة .
وسمي الآخرون أصحاب الشمال ، وقيل : لأنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم .
وقيل : لأنهم يذهب بهم ذات الشمال إلى النار ، والعرب تسمي الشمال شؤما ، كما تسمي اليمين يمنا ، ومن هنا قيل لهم أصحاب المشأمة أو لأنهم مشائيم على أنفسهم : فعصوا الله فأدخلهم النار ، والمشائيم ضد الميامين ، ومنه قول الشاعر :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها
والمكذبون هم أصحاب المشأمة وهم أصحاب الشمال .
وذكر تعالى في البلد في قوله تعالى : بعض صفات أصحاب الميمنة والمشأمة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة إلى قوله تعالى : أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة [ 90 \ 18 - 20 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ما أصحاب الميمنة ، وقوله : ما أصحاب المشأمة ، استفهام أريد به التعجب من شأن هؤلاء في السعادة ، وشأن هؤلاء في الشقاوة ، والجملة فيهما مبتدأ وخبر ، وهي خبر المبتدأ قبله ، وهو أصحاب الميمنة في الأول وأصحاب المشأمة في الثاني .
وهذا الأسلوب يكثر في القرآن نحو : الحاقة ما الحاقة [ 69 \ 1 - 2 ] ، القارعة ما القارعة [ 101 \ 1 - 2 ] ، والرابط في جملة الخبر في جميع الآيات المذكورة هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر كما لا يخفى ، وقوله : والسابقون لم يذكر فيه استفهام تعجب كما ذكره فيما قبله ، ولكنه ذكر في مقابله تكرير لفظ السابقين .
والأظهر في إعرابه أنه مبتدأ وخبر على عادة العرب في تكريرهم اللفظ وقصدهم الإخبار بالثاني عن الأول ، يعنون أن اللفظ المخبر عنه هو المعروف خبره الذي لا يحتاج إلى تعريف ، ومنه قول أبي النجم :
أنا أبو النجم وشعري شعري لله دري ما أجن صدري