nindex.php?page=treesubj&link=2970زكاة الفطر .
إن أهم مباحث زكاة الفطر هي الآتي :
أولا : حكمها ، صدر تشريعها .
ثانيا : على من تكون .
ثالثا : مم تكون .
رابعا : كم تكون .
خامسا : متى تكون .
سادسا : هل تجزئ فيها القيمة أم لا ؟
وكذلك القيمة في غيرها من الزكوات .
أما حكمها : فهي فرض عين عند
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وعند
أبي حنيفة هي واجب على اصطلاحه ، أي : ما وجب بالسنة .
وعند المالكية واجبة ، وقيل : سنة .
قال في مختصر
خليل بن إسحاق : يجب بالسنة الصاع . إلخ .
والسبب في اختلافهم هذا ، هل هي داخلة في عموم :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وآتوا الزكاة [ 2 \ 43 ] ، أي : شرعت بأصل مشروعية الزكاة في الكتاب والسنة ، أم أنها شرعت بنص مستقل عنها .
فمن قال بفرضيتها ، قال : إنها داخلة في عموم إيجاب الزكاة ، ومن قال بوجوبها ، فهذا اصطلاح للأحناف . ولا يختلف الأمر في نتيجة التكليف إلا أن عندهم لا يكفر بجحودها .
وقال المالكية : يجب بالسنة صاع من بر إلخ . أي : أن وجوبها بالسنة لا بالكتاب .
وعندهم : لا يقاتل أهل بلد على منعها ، ويقتل من جحد مشروعيتها ، وهذا هو الفرق بينهم وبين الأحناف .
[ ص: 284 ] ولكن في عبارة
مالك في الموطأ إطلاق الوجوب أنه قال : أحسن ما سمعت
nindex.php?page=treesubj&link=2978_2979فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر : أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته . إلخ .
ومن أسباب الخلاف بين الأئمة - رحمهم الله - نصوص السنة ، منها قولهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009680فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . الحديث .
فلفظة فرض : أخذ منها من قال بالفرضية ، وأخذ منها الآخرون ، بمعنى قدر ; لأن الفرض : القدر والقطع .
وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد بن عبادة عند
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009681أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله " .
فمن قال بالوجوب والفرض . قال : الأمر للأول للوجوب ، وفرضية زكاة المال شملتها بعمومها . فلم يحتج معها لتجديد أمر ولم تنسخ فنهى عنها ، وبقيت على الوجوب الأول ، وحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009682فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر ; طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " . فمن لم يقل بفرضيتها قال : إنها طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، فهي لعلة مربوطة بها وتفوت بفوات وقتها ، ولو كانت فرضا لما فاتت بفوات الوقت . وأجاب الآخرون بأن ذلك على سبيل الحث على المبادرة لأدائها ، ولا مانع من أن تكون فرضا وأن تكون طهرة .
ويشهد لهذا قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ 9 \ 103 ] ، فهي فريضة وهي طهرة . والراجح من ذلك كله أنها فرض ; للفظ الحديث " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009683زكاة الفطر صاعا من تمر " ; لأن لفظ فرض إن كان ابتداء فهو للوجوب ، وإن كان بمعنى قدر ، فيكون الوجوب بعموم آيات الزكاة ، وهو أقوى .
وحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009684خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر بصدقة الفطر صاعا من تمر " الحديث . رواه
أبو داود . والأمر للوجوب ، ولا صارف له هنا .
[ ص: 285 ] وقد قال
النووي : إن القول بالوجوب هو قول جمهور العلماء ، وهذا هو القول الذي تبرأ به الذمة ، ويخرج به العبد من العهدة ، والله تعالى أعلم .
أما مم تكون : فالأصل في ذلك أثر
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، ورواه
مالك في الموطأ عنه .
قال : كنا نخرج صاعا من طعام ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب .
وجاء لفظ السلت ، وجاء لفظ الدقيق ، وجاء لفظ السويق . فوقف قوم عند المنصوص عليه فقط وهم الظاهرية . ونظر الجمهور إلى عموم الطعام والغرض من مشروعيتها على خلاف في التفصيل عند الأئمة - رحمهم الله - كالآتي :
أولا : عند الشافعية يجوز إخراجها من كل قوت ; لأثر
أبي سعيد ، وفيه لفظ الطعام .
ثانيا : من غالب قوت المكلف بها ; لأنها الفاضل عن قوته .
ثالثا : من غالب قوت البلد ; لأنها حق يجب في الذمة تعلق بالطعام كالكفارة .
وقال
النووي : تجوز من كل حب معشر ، وفي الأقط خلاف عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي المالكية .
روى
مالك في الموطأ حديث
أبي سعيد المتقدم . وقال
الباجي في شرحه : تخرج من القوت ، ونقل عن
مالك في المختصر : يؤديها من كل ما تجب فيه الزكاة إذا كان ذلك من قوته . وهو مثل قول
النووي : من كل حب معشر . وناقش
الباجي مسألة إجزائها من الأرز والذرة والدخن . فقال : لا تجوز منها عند
أشهب ويجوز عند
مالك . وناقش
القطاني : الحمص ، والترمس ، والجلبان ، فقال :
مالك يجوزها إذا كانت قوته ،
وابن حبيب : لا يجوزها ; لأنها ليست من المنصوص .
واتفق مذهب المالكية : أن المطعوم الذي يضاف إلى غيره كالأبازير : كزبرة ، وكمون ونحوه ، أنها لا تجزئ .
الحنابلة ، قال في المغني : من كل حبة وثمرة تقتات .
وقال في الشرح : أي عند عدم الأجناس المنصوص عليها ، فيجزئ كل مقتات من الحبوب والثمار .
[ ص: 286 ] قال : وظاهر هذا أنه لا يجزئه المقتات من غيرها كاللحم واللبن ، وعند انعدام هذه أيضا يعطي ما قام مقام الأجناس المنصوص عليها .
وعن
ابن حامد عندهم : حتى لحم الحيتان والأنعام ، ولا يردون إلى أقرب قوت الأمصار ، ويجزئ الأقط
لأهل البادية إن كان قوتهم . وعندهم : من قدر على المنصوص عليه فأخرج غيره لم يجزه .
الأحناف : تجوز من البر ، والتمر ، والشعير ، والزبيب ، والسويق ، والدقيق . ومن الخبز مع مراعاة القيمة ، وتجوز القيمة عندهم عوضا عن الجميع ، مع الاختلاف عندهم في مقدار الواجب من هذه الأصناف بين الصاع أو نصف الصاع ، على ما يأتي إن شاء الله .
وقد ناقشهم
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في المغني عند قوله :
ومن أعطى القيمة لم تجزئه ، ونقل عن
أحمد : أخاف ألا تجزئه خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبهذا العرض نجد الأئمة - رحمهم الله - اتفقوا على المنصوص عليه في أثر
أبي سعيد ، وزاد بعضهم من غير المنصوص عليه غير المنصوص : إما بعموم لفظ الطعام ، وإن كان يراد به عرفا القمح ، إلا أن العبرة بعموم اللفظ وهو العرف اللغوي . وإما بعموم مدلول المعنى العام ، والخلاف في الأقط . والنص يقضي به .
وانفرد الأحناف بالقول بالقيمة وبالنظر إلى المعنى العام لمعنى الزكاة ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009685طعمة للمسكين ، وطهرة للصائم " . وقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009686أغنوهم بها عن السؤال ) . لوجدنا إشارة إلى جواز إخراجها من كل ما هو طعمة للمساكين ، ولا نحده بحد أو نقيده بصنف ، فإلحاق غير المنصوص بالمنصوص بجامع العلة متجه ، أما القيمة : فقد ناقش مسألتها صاحب فتح القدير شرح الهداية في باب زكاة الأموال ، وعمدة أدلتهم الآتي :
أولا : بين الجذعة والمسنة في الإبل بشاتين .
ثانيا : قول
معاذ لأهل اليمن : " ائتوني بخميس أو لبيس مكان الذرة والشعير ؟ أهون عليكم ، وخير لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
[ ص: 287 ] ثالثا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009687رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة حسنة في إبل الصدقة ، فقال : " ما هذه ؟ " قال صاحب الصدقة : إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل ؟ . قال : " نعم " .
رابعا : مثلها مثل الجزية ; يؤخذ فيها قدر الواجب كما تؤخذ عينه . والجواب عن هذا كله كالآتي : أما التعويض بين الجذعة والمسنة أو الحقة إلى آخره في الإبل بشاتين أو عشرين درهما ، وهو المنصوص في حديث
أنس في كتاب الأنصباء المتقدم ، ونصه : ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده ، وعنده حقة ، فإنه تقبل منه الحقة ، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده ، وعنده الجذعة ، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا ابنة لبون ، فإنها تقبل منه ابنة لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهما . إلى آخر الحديث .
فليس في هذا دليل على قبول
nindex.php?page=treesubj&link=2990القيمة في زكاة الفطر ; لأن نص الحديث فمن وجبت عليه سن معينة وليست عنده ، وعنده أعلى أو أنزل منها ; فللعدالة بين المالك والمسكين جعل الفرق لعدم الحيف ، ولم يخرج عن الأصل وليس فيه أخذ القيمة مستقلة ، بل فيه أخذ الموجود ، ثم جبر الناقص .
فلو كانت القيمة بذاتها وحدها تجزئ لصرح بها - صلى الله عليه وسلم - .
ولا يجوز هذا العمل إلا عند افتقاد المطلوب ، والأصناف المطلوبة في زكاة الفطر إذا عدمت أمكن الانتقال إلى الموجود مما هو من جنسه لا إلى القيمة ، وهذا واضح .
وقال
ابن حجر - رحمه الله - في الفتح : لو كانت القيمة مقصودة لاختلفت حسب الزمان والمكان ، ولكنه تقدير شرعي .
أما قول
معاذ لأهل اليمن : " ائتوني بخميس أو لبيس مكان الذرة والشعير " . فقد ناقشه
ابن حجر في الفتح من حيث السند والمعنى . ولكن السند ثابت ، أما المعنى ، فقيل : إنه في الجزية .
ورد هذا : بأن فيه مكان الذرة والشعير ، والجزية ليست منها .
[ ص: 288 ] وقيل : إنه بعد أن يستلم الزكاة الواجبة من أجناسها يستبدلها من باب البيع والمعاوضة عملا بما فيه المصلحة للطرفين .
وقيل : إنه اجتهاد منه - رضي الله عنه - ، ولكنه اجتهاد أعرفهم بالحلال والحرام إلى غير ذلك .
والصحيح الثاني : أنه تصرف بعد الاستلام وبلوغها محلها ولا سيما مع نقلها إلى
المدينة ، بخلاف زكاة الفطر فليست تنقل ابتداء ، ولأن مهمة زكاة المال أعم من مهمة زكاة الفطر ; ففيها النقدان والحيوان .
أما زكاة الفطر فطعمة للمسكين في يوم الفطر ; فلا تقاس عليها .
أما الناقة الحسنة التي رآها - صلى الله عليه وسلم - ، وأنها بدل من بعيرين ، فهو من جنس الاستبدال بالجنس عملا للمصلحة ، لم تخرج عن جنس الواجب .
وأما الجزية يؤخذ منها قدر الواجب : فلا دليل فيه ; إذ زكاة الفطر فيها جانب تعبد وارتباط بركن في الإسلام .
وأما الجزية : فهي عقوبة على
أهل الذمة عن يد وهم صاغرون ، فأيما أخذ منهم فهو واف بالغرض ، فلم يبق للقائلين بالقيمة في زكاة الفطر مستند صالح ، فضلا عن عدم النص عليها .
وختاما : إن القول بالقيمة فيه مخالفة للأصول من جهتين :
الجهة الأولى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر تلك الأصناف لم يذكر معها القيمة ولو كانت جائزة لذكرها مع ما ذكر ، كما ذكر العوض في زكاة الإبل ، وهو - صلى الله عليه وسلم - أشفق وأرحم بالمسكين من كل إنسان .
الجهة الثانية : - وهي القاعدة العامة - أنه لا ينتقل إلى البدل إلا عند فقد المبدل عنه ، وأن الفرع إذا كان يعود على الأصل بالبطلان فهو باطل .
كما رد
ابن دقيق العيد على الحنابلة قولهم : إن الأشنان يجزئ عن التراب في الولوغ . أي : لأنه ليس من جنسه ويسقط العمل به .
وكذلك لو أن كل الناس أخذوا بإخراج القيمة ; لتعطل العمل بالأجناس المنصوصة ،
[ ص: 289 ] فكأن الفرع الذي هو القيمة سيعود على الأصل الذي هو الطعام بالإبطال ، فيبطل .
ومثل ما يقوله بعض الناس اليوم في الهدي بمنى مثلا بمثل ، علما بأن الأحناف لا يجيزون القيمة في الهدي ; لأن الهدي فيه جانب تعبد ، وهو النسك .
ويمكن أن يقال لهم أيضا : إن زكاة الفطر فيها جانب تعبد ; طهرة للصائم ، وطعمة للمساكين ، كما أن عملية شرائها ومكيلتها وتقديمها فيه إشعار بهذه العبادة . أما تقديمها نقدا فلا يكون فيها فرق عن أي صدقة من الصدقات ، من حيث الإحساس بالواجب والشعور بالإطعام .
وقد أطلنا الكلام في هذه المسألة ; لأن القول بالقيمة فيها جرأ الناس على ما هو أعظم ، وهو القول بالقيمة في الهدي وهو ما لم يقله أحد على الإطلاق حتى ولا الأحناف .
nindex.php?page=treesubj&link=2970زَكَاةُ الْفِطْرِ .
إِنَّ أَهَمَّ مَبَاحِثِ زَكَاةِ الْفِطْرِ هِيَ الْآتِي :
أَوَّلًا : حُكْمُهَا ، صَدْرُ تَشْرِيعِهَا .
ثَانِيًا : عَلَى مَنْ تَكُونُ .
ثَالِثًا : مِمَّ تَكُونُ .
رَابِعًا : كَمْ تَكُونُ .
خَامِسًا : مَتَى تَكُونُ .
سَادِسًا : هَلْ تَجْزِئُ فِيهَا الْقِيمَةُ أَمْ لَا ؟
وَكَذَلِكَ الْقِيمَةُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الزَّكَوَاتِ .
أَمَّا حُكْمُهَا : فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عِنْدَ
أَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ، وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبٌ عَلَى اصْطِلَاحِهِ ، أَيْ : مَا وَجَبَ بِالسُّنَّةِ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَاجِبَةٌ ، وَقِيلَ : سُنَّةٌ .
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ
خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ : يَجِبُ بِالسُّنَّةِ الصَّاعُ . إلخ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَذَا ، هَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَآتُوا الزَّكَاةَ [ 2 \ 43 ] ، أَيْ : شُرِعَتْ بِأَصْلِ مَشْرُوعِيَّةِ الزَّكَاةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، أَمْ أَنَّهَا شُرِعَتْ بِنَصٍّ مُسْتَقِلٍّ عَنْهَا .
فَمَنْ قَالَ بِفَرْضِيَّتِهَا ، قَالَ : إِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ إِيجَابِ الزَّكَاةِ ، وَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا ، فَهَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْأَحْنَافِ . وَلَا يَخْتَلِفُ الْأَمْرُ فِي نَتِيجَةِ التَّكْلِيفِ إِلَّا أَنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَكْفُرُ بِجُحُودِهَا .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ : يَجِبُ بِالسُّنَّةِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ إلخ . أَيْ : أَنَّ وُجُوبَهَا بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ .
وَعِنْدَهُمْ : لَا يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى مَنْعِهَا ، وَيُقْتَلُ مَنْ جَحَدَ مَشْرُوعِيَّتَهَا ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَحْنَافِ .
[ ص: 284 ] وَلَكِنْ فِي عِبَارَةِ
مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ إِطْلَاقُ الْوُجُوبِ أَنَّهُ قَالَ : أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ
nindex.php?page=treesubj&link=2978_2979فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ : أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَنْ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُ . إلخ .
وَمِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - نُصُوصُ السُّنَّةِ ، مِنْهَا قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009680فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ . الْحَدِيثَ .
فَلَفْظَةُ فَرَضَ : أَخَذَ مِنْهَا مَنْ قَالَ بِالْفَرْضِيَّةِ ، وَأَخَذَ مِنْهَا الْآخَرُونَ ، بِمَعْنَى قَدَّرَ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ : الْقَدْرُ وَالْقَطْعُ .
وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=7246قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيِّ ، قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009681أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ " .
فَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ وَالْفَرْضِ . قَالَ : الْأَمْرُ لِلْأَوَّلِ لِلْوُجُوبِ ، وَفَرْضِيَّةُ زَكَاةِ الْمَالِ شَمَلَتْهَا بِعُمُومِهَا . فَلَمْ يُحْتَجْ مَعَهَا لِتَجْدِيدِ أَمْرٍ وَلَمْ تُنْسَخْ فَنَهَى عَنْهَا ، وَبَقِيَتْ عَلَى الْوُجُوبِ الْأَوَّلِ ، وَحَدِيثُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009682فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ " . فَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهَا قَالَ : إِنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ ، فَهِيَ لِعِلَّةٍ مَرْبُوطَةٍ بِهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا فَاتَتْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ . وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَثِّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِأَدَائِهَا ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا وَأَنْ تَكُونَ طُهْرَةً .
وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [ 9 \ 103 ] ، فَهِيَ فَرِيضَةٌ وَهِيَ طُهْرَةٌ . وَالرَّاجِحُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهَا فَرْضٌ ; لِلَفْظِ الْحَدِيثِ " فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009683زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " ; لِأَنَّ لَفْظَ فَرَضَ إِنْ كَانَ ابْتِدَاءً فَهُوَ لِلْوُجُوبِ ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى قَدَّرَ ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِعُمُومِ آيَاتِ الزَّكَاةِ ، وَهُوَ أَقْوَى .
وَحَدِيثُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009684خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " الْحَدِيثَ . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ . وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ ، وَلَا صَارِفَ لَهُ هُنَا .
[ ص: 285 ] وَقَدْ قَالَ
النَّوَوِيُّ : إِنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ ، وَيَخْرُجُ بِهِ الْعَبْدُ مِنَ الْعُهْدَةِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
أَمَّا مِمَّ تَكُونُ : فَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَثَرُ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَرَوَاهُ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ .
قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ .
وَجَاءَ لَفْظُ السُّلْتِ ، وَجَاءَ لَفْظُ الدَّقِيقِ ، وَجَاءَ لَفْظُ السَّوِيقِ . فَوَقَفَ قَوْمٌ عِنْدَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَقَطْ وَهُمُ الظَّاهِرِيَّةُ . وَنَظَرَ الْجُمْهُورُ إِلَى عُمُومِ الطَّعَامِ وَالْغَرَضِ مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِي التَّفْصِيلِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَالْآتِي :
أَوَّلًا : عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ كُلِّ قُوتٍ ; لِأَثَرِ
أَبِي سَعِيدٍ ، وَفِيهِ لَفْظُ الطَّعَامِ .
ثَانِيًا : مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْمُكَلَّفِ بِهَا ; لِأَنَّهَا الْفَاضِلُ عَنْ قُوتِهِ .
ثَالِثًا : مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ ; لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ تَعَلَّقَ بِالطَّعَامِ كَالْكَفَّارَةِ .
وَقَالَ
النَّوَوِيُّ : تَجُوزُ مِنْ كُلِّ حَبِّ مُعَشَّرٍ ، وَفِي الْأَقِطِ خِلَافٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ الْمَالِكِيَّةِ .
رَوَى
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَ
أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمَ . وَقَالَ
الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ : تُخْرَجُ مِنَ الْقُوتِ ، وَنُقِلَ عَنْ
مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ : يُؤَدِّيهَا مِنْ كُلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قُوتِهِ . وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ
النَّوَوِيِّ : مِنْ كُلِّ حَبِّ مُعَشَّرٍ . وَنَاقَشَ
الْبَاجِيُّ مَسْأَلَةَ إِجْزَائِهَا مِنَ الْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ . فَقَالَ : لَا تَجُوزُ مِنْهَا عِنْد
أَشْهَبَ وَيَجُوزُ عِنْدَ
مَالِكٍ . وَنَاقَشَ
الْقَطَّانِيُّ : الْحِمَّصَ ، وَالتُّرْمُسَ ، وَالْجُلُبَّانَ ، فَقَالَ :
مَالِكٌ يُجَوِّزُهَا إِذَا كَانَتْ قُوتَهُ ،
وَابْنُ حَبِيبٍ : لَا يُجَوِّزُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمَنْصُوصِ .
وَاتَّفَقَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ : أَنَّ الْمَطْعُومَ الَّذِي يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ كَالْأَبَازِيرِ : كُزْبَرَةٍ ، وَكَمُّونٍ وَنَحْوِهِ ، أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ .
الْحَنَابِلَةُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : مِنْ كُلِّ حَبَّةٍ وَثَمَرَةٍ تُقْتَاتُ .
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ : أَيْ عِنْدِ عَدَمِ الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا ، فَيُجْزِئُ كُلُّ مُقْتَاتٍ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ .
[ ص: 286 ] قَالَ : وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْمُقْتَاتُ مِنْ غَيْرِهَا كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ هَذِهِ أَيْضًا يُعْطِي مَا قَامَ مَقَامَ الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا .
وَعَنِ
ابْنِ حَامِدٍ عِنْدَهُمْ : حَتَّى لَحْمُ الْحِيتَانِ وَالْأَنْعَامِ ، وَلَا يَرُدُّونَ إِلَى أَقْرَبِ قُوتِ الْأَمْصَارِ ، وَيُجْزِئُ الْأَقِطُ
لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إِنْ كَانَ قُوتَهُمْ . وَعِنْدَهُمْ : مَنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَ غَيْرَهُ لَمْ يُجْزِهِ .
الْأَحْنَافُ : تَجُوزُ مِنَ الْبُرِّ ، وَالتَّمْرِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالزَّبِيبِ ، وَالسَّوِيقِ ، وَالدَّقِيقِ . وَمِنَ الْخُبْزِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيمَةِ ، وَتَجُوزُ الْقِيمَةُ عِنْدَهُمْ عِوَضًا عَنِ الجَمِيعِ ، مَعَ الِاخْتِلَافِ عِنْدَهُمْ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بَيْنَ الصَّاعِ أَوْ نِصْفِ الصَّاعِ ، عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَقَدْ نَاقَشَهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عِنْدَ قَوْلِهِ :
وَمَنْ أَعْطَى الْقِيمَةَ لَمْ تُجْزِئْهُ ، وَنُقِلَ عَنْ
أَحْمَدَ : أَخَافُ أَلَّا تُجْزِئَهُ خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَبِهَذَا الْعَرْضِ نَجِدُ الْأَئِمَّةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اتَّفَقُوا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي أَثَرِ
أَبِي سَعِيدٍ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ غَيْرَ الْمَنْصُوصِ : إِمَّا بِعُمُومِ لَفْظِ الطَّعَامِ ، وَإِنْ كَانَ يُرَادُ بِهِ عُرْفًا الْقَمْحُ ، إِلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَهُوَ الْعُرْفُ اللُّغَوِيُّ . وَإِمَّا بِعُمُومِ مَدْلُولِ الْمَعْنَى الْعَامِّ ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَقِطِ . وَالنَّصُّ يَقْضِي بِهِ .
وَانْفَرَدَ الْأَحْنَافُ بِالْقَوْلِ بِالْقِيمَةِ وَبِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ لِمَعْنَى الزَّكَاةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009685طُعْمَةً لِلْمِسْكِينِ ، وَطُهْرَةً لِلصَّائِمِ " . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009686أَغْنُوهُمْ بِهَا عَنِ السُّؤَالِ ) . لَوَجَدْنَا إِشَارَةً إِلَى جَوَازِ إِخْرَاجِهَا مِنْ كُلِّ مَا هُوَ طُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ ، وَلَا نَحُدُّهُ بِحَدٍّ أَوْ نُقَيِّدُهُ بِصِنْفٍ ، فَإِلْحَاقُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ بِجَامِعِ الْعِلَّةِ مُتَّجِهٌ ، أَمَّا الْقِيمَةُ : فَقَدْ نَاقَشَ مَسْأَلَتَهَا صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ ، وَعُمْدَةُ أَدِلَّتِهِمُ الْآتِي :
أَوَّلًا : بَيْنَ الْجَذَعَةِ وَالْمُسِنَّةِ فِي الْإِبِلِ بِشَاتَيْنِ .
ثَانِيًا : قَوْلُ
مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ : " ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ ؟ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ ، وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ .
[ ص: 287 ] ثَالِثًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009687رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةً حَسَنَةً فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَقَالَ : " مَا هَذِهِ ؟ " قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ : إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ ؟ . قَالَ : " نَعَمْ " .
رَابِعًا : مِثْلُهَا مِثْلُ الْجِزْيَةِ ; يُؤْخَذُ فِيهَا قَدْرُ الْوَاجِبِ كَمَا تُؤْخَذُ عَيْنُهُ . وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ كَالْآتِي : أَمَّا التَّعْوِيضُ بَيْنَ الْجَذَعَةِ وَالْمُسِنَّةِ أَوِ الْحِقَّةِ إِلَى آخِرِهِ فِي الْإِبِلِ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي حَدِيثِ
أَنَسٍ فِي كِتَابِ الْأَنْصِبَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَنَصُّهُ : وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا ابْنَةُ لَبُونٍ ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا . إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ .
فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ
nindex.php?page=treesubj&link=2990الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ; لِأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ مُعَيَّنَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُ أَعْلَى أَوْ أَنْزَلُ مِنْهَا ; فَلِلْعَدَالَةِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمِسْكِينِ جُعِلَ الْفَرْقُ لِعَدَمِ الْحَيْفِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْأَصْلِ وَلَيْسَ فِيهِ أَخْذُ الْقِيمَةِ مُسْتَقِلَّةً ، بَلْ فِيهِ أَخْذُ الْمَوْجُودِ ، ثُمَّ جَبْرُ النَّاقِصِ .
فَلَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ بِذَاتِهَا وَحْدَهَا تُجْزِئُ لَصَرَّحَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَلَا يَجُوزُ هَذَا الْعَمَلُ إِلَّا عِنْدَ افْتِقَادِ الْمَطْلُوبِ ، وَالْأَصْنَافُ الْمَطْلُوبَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِذَا عُدِمَتْ أَمْكَنَ الِانْتِقَالُ إِلَى الْمَوْجُودِ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لَا إِلَى الْقِيمَةِ ، وَهَذَا وَاضِحٌ .
وَقَالَ
ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتْحِ : لَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مَقْصُودَةً لَاخْتَلَفَتْ حَسَبَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَلَكِنَّهُ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ .
أَمَّا قَوْلُ
مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ : " ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ " . فَقَدْ نَاقَشَهُ
ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ وَالْمَعْنَى . وَلَكِنَّ السَّنَدَ ثَابِتٌ ، أَمَّا الْمَعْنَى ، فَقِيلَ : إِنَّهُ فِي الْجِزْيَةِ .
وَرُدَّ هَذَا : بِأَنَّ فِيهِ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ ، وَالْجِزْيَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا .
[ ص: 288 ] وَقِيلَ : إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَلِمَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ مِنْ أَجْنَاسِهَا يَسْتَبْدِلُهَا مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالْمُعَاوَضَةِ عَمَلًا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلطَّرَفَيْنِ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَلَكِنَّهُ اجْتِهَادُ أَعْرَفِهِمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَالصَّحِيحُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَصَرُّفٌ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ وَبُلُوغِهَا مَحِلَّهَا وَلَا سِيَّمَا مَعَ نَقْلِهَا إِلَى
الْمَدِينَةِ ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلَيْسَتْ تُنْقَلُ ابْتِدَاءً ، وَلِأَنَّ مُهِمَّةَ زَكَاةِ الْمَالِ أَعَمُّ مِنْ مُهِمَّةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ; فَفِيهَا النَّقْدَانِ وَالْحَيَوَانِ .
أَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَطُعْمَةٌ لِلْمِسْكِينِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ ; فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا .
أَمَّا النَّاقَةُ الْحَسَنَةُ الَّتِي رَآهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ بَعِيرَيْنِ ، فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِبْدَالِ بِالْجِنْسِ عَمَلًا لِلْمَصْلَحَةِ ، لَمْ تَخْرُجْ عَنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ .
وَأَمَّا الْجِزْيَةُ يُؤْخَذُ مِنْهَا قَدْرُ الْوَاجِبِ : فَلَا دَلِيلَ فِيهِ ; إِذْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهَا جَانِبُ تَعَبُّدٍ وَارْتِبَاطٍ بِرُكْنٍ فِي الْإِسْلَامِ .
وَأَمَّا الْجِزْيَةُ : فَهِيَ عُقُوبَةٌ عَلَى
أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ، فَأَيُّمَا أُخِذَ مِنْهُمْ فَهُوَ وَافٍ بِالْغَرَضِ ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْقَائِلِينَ بِالْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مُسْتَنَدٌ صَالِحٌ ، فَضْلًا عَنْ عَدَمِ النَّصِّ عَلَيْهَا .
وَخِتَامًا : إِنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيمَةِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْأُصُولِ مِنْ جِهَتَيْنِ :
الْجِهَةُ الْأُولَى : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَكَرَ تِلْكَ الْأَصْنَافَ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا الْقِيمَةَ وَلَوْ كَانَتْ جَائِزَةً لَذَكَرَهَا مَعَ مَا ذَكَرَ ، كَمَا ذَكَرَ الْعِوَضَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْفَقُ وَأَرْحَمُ بِالْمِسْكِينِ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ .
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ : - وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ - أَنَّهُ لَا يُنْتَقَلُ إِلَى الْبَدَلِ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْمُبْدَلِ عَنْهُ ، وَأَنَّ الْفَرْعَ إِذَا كَانَ يَعُودُ عَلَى الْأَصْلِ بِالْبُطْلَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ .
كَمَا رَدَّ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى الْحَنَابِلَةِ قَوْلَهُمْ : إِنَّ الْأُشْنَانَ يُجْزِئُ عَنِ التُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ . أَيْ : لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ جِنْسِهِ وَيَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ أَخَذُوا بِإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ ; لَتَعَطَّلَ الْعَمَلُ بِالْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصَةِ ،
[ ص: 289 ] فَكَأَنَّ الْفَرْعَ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ سَيَعُودُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الطَّعَامُ بِالْإِبْطَالِ ، فَيَبْطُلُ .
وَمِثْلُ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي الْهَدْيِ بِمِنًى مِثْلًا بِمِثْلٍ ، عِلْمًا بِأَنَّ الْأَحْنَافَ لَا يُجِيزُونَ الْقِيمَةَ فِي الْهَدْيِ ; لِأَنَّ الْهَدْيَ فِيهِ جَانِبُ تَعَبُّدٍ ، وَهُوَ النُّسُكُ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَيْضًا : إِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهَا جَانِبُ تَعَبُّدٍ ; طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ ، وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ ، كَمَا أَنَّ عَمَلِيَّةَ شِرَائِهَا وَمُكَيَّلَتِهَا وَتَقْدِيمِهَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ . أَمَّا تَقْدِيمُهَا نَقْدًا فَلَا يَكُونُ فِيهَا فَرْقٌ عَنْ أَيِّ صَدَقَةٍ مِنَ الصَّدَقَاتِ ، مِنْ حَيْثُ الْإِحْسَاسُ بِالْوَاجِبِ وَالشُّعُورِ بِالْإِطْعَامِ .
وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيمَةِ فِيهَا جَرَّأَ النَّاسَ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْقِيمَةِ فِي الْهَدْيِ وَهُوَ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى وَلَا الْأَحْنَافُ .