[ ص: 143 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المسد
قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب . التب : القطع .
ومن المادة : بت بتقديم الباء ، فهي تدور على معنى القطع ، كما يفيده فقه اللغة في دوران المادة على معنى واحد .
وقال : التب ، والتبب ، والتباب ، والتبيب ، والتتبيب : النقص والخسار ، إلى أن قال : وتبت يداه : ضلتا وخسرتا .
وقال : التبات : الهلاك ، ونظيره قوله تعالى : الفخر الرازي وما كيد فرعون إلا في تباب [ 40 \ 37 ] ، أي : في هلاك .
وذلك لأن أبا لهب أهلك نفسه بفساد اعتقاده وسوء فعاله ، كما جاء في السنة قول الأعرابي : هلكت وأهلكت : أي بوقاعه أهله في رمضان ، وجاء قوله تعالى : فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب [ 11 \ 101 ] .
فقالوا : غير خسران ، والخسران يؤدي إلى الهلاك ، والقطع .
كما جاء في معناه في قصة صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام . قوله تعالى : فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير [ 11 \ 63 ] ، فظهر من هذا كله أن معنى : تبت يدا أبي لهب ، دائر بين معنى القطع والهلاك والخسران .
أما قطعها فلم يقدر عليه قطع يديه قبل موته .
وأما الهلاك والخسران : فقد هلك بالغدة .
وأما الخسران : فما أشد خسرانه بعد هذا الحكم عليه من الله تعالى .
[ ص: 144 ] وإذا كان المعنى قد تعين بنص القرآن في الهلاك والخسران ، فما معنى إسناد التب لليدين ؟
الجواب : أن ذلك من باب إطلاق البعض وإرادة الكل كما تقدم في قوله تعالى : ناصية كاذبة [ 96 \ 16 ] ، مع أن الكاذب هو صاحبها .
وقد قدمنا هناك أن مثل هذا الأسلوب لا بد فيه من زيادة اختصاص للجزء المنطوق في المعنى المراد .
فلما كان الكذب يسود الوجه ويذل الناصية ، وعكسه الصدق يبيض الوجه ويعز الناصية ، أسند هناك الكذب إلى الناصية لزيادة اختصاصها بالكذب عن اليد مثلا .
ولما كان الهلاك والخسران غالبا بما تكسبه الجوارح ، واليد أشد اختصاصا في ذلك أسند إليها البت .
ومما يدل على أن المرد صاحب اليدين ، ما جاء بعدها ، قوله تعالى : وتب ، أي : أبو لهب نفسه .
وسواء كان قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب ، على سبيل الإخبار أو الإنشاء ، فإنه محتمل من حيث اللفظ .
ولكن قوله تعالى بعده : وتب ، فهو إخبار ، فيكون الأول للإنشاء كقوله : قتل الإنسان ما أكفره [ 80 \ 17 ] .
ثم جاء الثاني تصديقا له ، وجاءت قراءة " وقد تب " . ابن مسعود