تنبيه
قد بحث بعض العلماء مسألة هنا لحديث : " زيارة القبور " . كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة
وقالوا : إن المنع كان عاما من أجل ذكر مآثر الآباء والموتى ، ثم بعد ذلك رخص في الزيارة ، واختلفوا فيمن رخص له . فقيل : للرجال دون النساء لعدم دخولهن في واو الجماعة في قوله : " فزوروها " .
وقيل : هو عام للرجال وللنساء ، واستدل كل فريق بأدلة يطول إيرادها .
ولكن على سبيل الإجمال لبيان الأرجح ، نورد نبذة من البحث .
فقال المانعون للنساء : إنهن على أصل المنع ، ولم تشملهن الرخصة ، ومجيء اللعن بالزيارة فيهن .
وقال المجيزون : إنهن يدخلن ضمنا في خطاب الرجال ، كدخولهن في مثل قوله : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [ 2 \ 43 ] ، فإنهن يدخلن قطعا .
وقالوا : إن اللعن المنوه عنه جاء في الحديث بروايتين رواية : " " . لعن الله زائرات القبور
وجاء : " " إلى آخره . لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن السرج
[ ص: 79 ] فعلى صيغة المبالغة : زوارات لا تشمل مطلق الزيارة ، وإنما تختص للمكثرات ; لأنهن بالإكثار لا يسلمن من عادات الجاهلية من تعداد مآثر الموتى المحظور في أصل الآية .
أما مجرد زيارة بدون إكثار ولا مكث ، فلا .
واستدلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها لما ذكر لها صلى الله عليه وسلم ، السلام على أهل البقيع ، فقالت : " " الحديث . وماذا أقول يا رسول الله إن أنا زرت القبور ؟ قال : قولي : السلام عليكم آل دار قوم مؤمنين
فأقرها صلى الله عليه وسلم ، على أنها تزور القبور وعلمها ماذا تقول إن هي زارت .
وكذلك " . بقصة مروره على المرأة التي تبكي عند القبر فكلمها ، فقالت : إليك عني ، وهي لا تعلم من هو ، فلما ذهب عنها قيل لها : إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاءت تعتذر فقال لها : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى
ولم يذكر لها المنع من زيارة القبور ، مع أنه رآها تبكي .
وهذه أدلة صريحة في السماح بالزيارة . ومن ناحية المعنى ، فإن النتيجة من الزيارة للرجال من في حاجة إليها كذلك ، وهي كون زيارة القبور تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة .
وليست هذه بخاصة في الرجال دون النساء ، بل قد يكن أحوج إليه من الرجال .
وعلى كل ، فإن الراجح من هذه النصوص والله تعالى أعلم ، هو الجواز لمن لم يكثرن ولا يتكلمن بما لا يليق ، مما كان سببا للمنع الأول ، والعلم عند الله تعالى .