قوله تعالى : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا . تقدم الكلام على التسبيح ومتعلقه وتصريفه .
وهنا قرن التسبيح بحمد الله ، وفيه ارتباط لطيف بأول السورة وموضوعها ، إذ هي في الدلالة على . ومجيء الفتح العام على المسلمين لبلاد الله بالفعل أو بالوعد الصادق كما تقدم ، وهي نعمة تستوجب الشكر ويستحق موليها الحمد . كمال مهمة الرسالة بمجيء نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدينه
فكان التسبيح مقترنا بالحمد في مقابل ذلك وقوله : بحمد ربك ، ليشعر أنه سبحانه المولي للنعم ، كما جاء في سورة الضحى في قوله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى [ 93 \ 3 ] .
[ ص: 141 ] وقوله في سورة اقرأ : اقرأ باسم ربك [ 96 \ 1 ] ، وتكرارها اقرأ وربك الأكرم [ 96 \ 3 ] ; لأن صفة الربوبية مشعرة بالإنعام .
وقوله : واستغفره ، قال بعضهم : إن الاستغفار عن ذنب فما هو . وتقدم الكلام على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند قوله تعالى : ووضعنا عنك وزرك [ 94 \ 2 ] .
ومما تجدر الإشارة إليه أن التوبة دعوة الرسل ، ولو بدأنا مع آدم عليه السلام مع قصته ففيها : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه [ 2 \ 37 ] ، ومعلوم موجب تلك التوبة .
ثم نوح عليه السلام يقول : رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات الآية [ 71 \ 28 ] .
وإبراهيم عليه السلام يقول : وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم [ 2 \ 128 ] .
وبناء عليه قال بعض العلماء : إن الاستغفار نفسه عبادة كالتسبيح ، فلا يلزم منه وجود ذنب .
وقيل : هو تعليم لأمته .
وقيل : رفع لدرجاته صلى الله عليه وسلم .
وقد جاء في السنة ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : " " ، فتكون أيضا من باب الاستكثار من الخير ، والإنابة إلى الله . توبوا إلى الله ، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة
تنبيه
جاء في التفسير عند الجميع أنه صلى الله عليه وسلم منذ أن نزلت هذه السورة وهو لم يكن يدع قوله : " " تقول سبحانك اللهم وبحمدك عائشة رضي الله عنها : " يتأول القرآن " أي : يفسره ، ويعمل به .
ونقل أبو حيان عن أنه قال : والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر [ ص: 142 ] بما هو قوام أمر الدين ، من الجمع بين الطاعة والاحتراز من المعصية ، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفا لأمته ، ولأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس فهو عبادة في نفسه . الزمخشري
وفي هذا لفت نظر لأصحاب الأذكار والأوراد الذين يحرصون على دوام ذكر الله تعالى ، حيث هذا كان من أكثر ما يداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء دون الملازمة على ذكر اسم من أسماء الله تعالى وحده ، منفردا مما لم يرد به نص صحيح ولا صريح .
ولا شك أن ، وأي خير أعظم مما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ، ويأمره به ، ويلازم هو عليه . الخير كل الخير في الاتباع لا في الابتداع
وقلنا في آخر حياته : لأنه صلى الله عليه وسلم توفي بعدها بمدة يسيرة .
وفي هذه الآية دلالة الإيماء ، كما قالوا : ودلالة الالتزام كما جاء عن ابن عباس في قصة عمر رضي الله عنه مع كبار المهاجرين والأنصار ، حينما كان يسمح له بالجلوس معهم ، ويرى في وجوههم ، وسألوه وقالوا : إن لنا أولادا في سنه ، فقال : إنه من حيث علمتم .
وفي يوم اجتمعوا عنده فدعاه عمر ، قال : فعلمت أنه ما دعاني إلا لأمر ، فسألهم عن قوله تعالى : ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح ، السورة .
فقالوا : إنها بشرى بالفتح وبالنصر ، فقال : ما تقول أنت يا ؟ ابن عباس
قال : فقلت ، لا والله ، إنها نعت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا .
فقال عمر : وأنا لا أعرف فيها إلا كما قلت ، أي : أنه صلى الله عليه وسلم جاء لمهمة ، وقد تمت بمجيء النصر والفتح والدخول في الدين أفواجا .
وعليه يكون قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة . فعليه أن يتأهب لملاقاة ربه ليلقى جزاء عمله ، وهو مأخذ في غاية الدقة ، وبيان لقول علي رضي الله عنه : أو فهم أعطاه الله من شاء في كتاب الله .