هذه الآية يدل ظاهرها على أن المنافقين لا يسمعون ، ولا يتكلمون ، ولا يبصرون ، وقد جاء في آيات أخر ما يدل على خلاف ذلك ، كقوله تعالى : ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [ 2 \ 20 ] .
وكقوله : وإن يقولوا تسمع لقولهم الآية [ 63 \ 4 ] ، أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم .
وقوله فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [ 33 \ 19 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، ووجه الجمع ظاهر ، وهو أنهم بكم عن النطق بالحق ، وإن تكلموا بغيره ، صم عن سماع الحق وإن سمعوا غيره ، عمي عن رؤية الحق وإن رأوا غيره ، وقد بين تعالى هذا الجمع بقوله : وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة الآية [ 46 \ 26 ] ، لأن ما لا يغني شيئا فهو كالمعدوم ، والعرب ربما أطلقت الصمم على السماع الذي لا أثر له ، ومنه قول قعنب بن أم صاحب :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وقول الشاعر :أصم عن الأمر الذي لا أريده وأسمع خلق الله حين أريد
فأصممت عمرا وأعميته عن الجود والفخر يوم الفخار
قال هبيرة بن أبي وهب المخزومي :
وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها
هذه الآية تدل على أن هذه النار كانت معروفة عندهم ؛ بدليل أل العهدية ، وقد قال تعالى في سورة " التحريم " : قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة [ 66 \ 6 ] .
فتنكير النار هنا يدل على أنها لم تكن معروفة عندهم بهذه الصفات ووجه الجمع أنهم لم يكونوا يعلمون أن من صفاتها كون الناس والحجارة وقودا لها فنزلت آية " التحريم " فعرفوا منها ذلك من صفات النار ، ثم لما كانت معروفة عندهم نزلت آية " البقرة " ، فعرفت فيها النار بأل العهدية لأنها معهودة عندهم في آية " التحريم " .
ذكر هذا الجمع البيضاوي والخطيب في تفسيريهما ، وزعما أن آية " التحريم " نزلت بمكة ، وظاهر القرءان يدل على هذا الجمع لأن تعريف النار هنا بأل العهدية يدل على عهد سابق ، والموصول وصلته دليل على العهد وعدم قصد الجنس ، ولا ينافي ذلك أن سورة " التحريم " مدنية ، وأن الظاهر نزولها بعد " البقرة " .
كما روي عن لجواز كون الآية مكية في سورة مدنية كالعكس . ابن عباس