قوله تعالى : فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ، في هذه الآية الكريمة للعلماء أوجه من التفسير : بعضها يشهد له القرآن .
منها : أن المعنى فما كانوا ليؤمنوا بما سبق في علم الله يوم أخذ الميثاق أنهم يكذبون به ، ولم يؤمنوا به ، لاستحالة التغير فيما سبق به العلم الأزلي ، ويروى هذا عن أبي بن كعب وأنس ، واختاره ، ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله : ابن جرير إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون الآية [ 10 \ 96 ] ، وقوله : وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون [ 10 \ 101 ] ، ونحو ذلك من الآيات .
ومنها : أن معنى الآية أنهم أخذ عليهم الميثاق ، فآمنوا كرها ، فما كانوا ليؤمنوا بعد ذلك طوعا . ويروى هذا عن وهو راجع في المعنى إلى الأول . السدي
ومنها : أن معنى الآية أنهم لو ردوا إلى الدنيا مرة لكفروا أيضا ، فما كانوا ليؤمنوا في الرد إلى الدنيا بما كذبوا به من قبل ؛ أي في المرة الأولى ، ويروى هذا عن مجاهد . ويدل لمعنى هذا القول قوله تعالى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه الآية [ 6 \ 28 ] لكنه بعيد من ظاهر الآية .
[ ص: 38 ] ومنها : أن معنى الآية : فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم ، وهذا القول حكاه ابن عطية ، واستحسنه ابن كثير ، وهو من أقرب الأقوال لظاهر الآية الكريمة . ووجهه ظاهر ; لأن شؤم المبادرة إلى تكذيب الرسل سبب للطبع على القلوب والإبعاد عن الهدى ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة ، كقوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، وقوله : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] ، وقوله : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا [ 2 \ 10 ] ، وقوله : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم [ 63 \ 3 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد تكون فيها أوجه من التفسير كلها يشهد له قرآن ، وكلها حق . فنذكر جميعها ، والعلم عند الله تعالى .