مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى : أخذ مالك - رحمه الله - من هذه الآية الكريمة أن أن يحبب ويسنبل . قال لقاح القمح القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك واللفظ لأشهب .
قال مالك : قال الله تعالى وأرسلنا الرياح لواقح [ 15 \ 22 ] فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل ، ولا أدري ما ييبس في أكمامه ولكن يحبب حتى يكون لو يبس لم يكن فسادا لا خير فيه ، ولقاح الشجر كلها أن تثمر ، ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت منها ما يثبت ، وليس ذلك بأن تورد . قال ابن العربي : إنما عول مالك في هذا التفسير على تشبيه لقاح الشجر بلقاح الحمل ، وأن الولد إذا عقد وخلق ونفخ فيه الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله ; لأنه سمي باسم تشترك فيه كل حاملة ، وعليه جاء الحديث : " " اه من نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحب حتى يشتد القرطبي .
قال مقيده - عفا الله عنه - : استنباط الإمام مالك المذكور من هذه الآية ، لأن لقاح القمح أن يحبب ويسنبل ، واستدلال ابن العربي له بالحديث المذكور ليس بظاهر عندي كل الظهور .
المسألة الثانية : اعلم أن تلقيح الثمار هو إبارها ، وهو أن يؤخذ شيء من طلع ذكور فيدخل بين ظهراني طلع الإناث ، ومعنى ذلك في سائر الثمار طلوع الثمار من التين وغيره ، حتى تكون الثمرة مرئية منظورا إليها . والمعتبر عند النخل مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير ، وفيما لا يذكر أن يثبت من نواره ما يثبت ويسقط ما يسقط ، وحد ذلك في الزرع ظهوره من الأرض ، قاله مالك . وقد روي عنه أن إباره أن يحبب اه ، قاله القرطبي . وقال أيضا : لم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشق طلع إناثه ، فأخر إباره ، وقد أبر غيره مما حاله مثل حاله ، أن حكمه حكم ما أبر ، فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعا له ، كما أن [ ص: 270 ] الحائط إذا بدا صلاح بعضه كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلاح في جواز بيعه اه . وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح .
المسألة الثالثة : إذا فثمرته للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ، فإن اشترطها المبتاع فهي له ، والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - " بيع حائط نخل بعد أن أبر " متفق عليه من حديث من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع - رضي الله عنهما - . فإن بيعت النخل قبل التأبير فالثمرة للمشتري ، واختلف في استثناء البائع لها ، فمشهور مذهب ابن عمر مالك أنها كالجنين لا يجوز للبائع اشتراطها ولا استثناؤها بناء على أن المستثنى مشترى ، خلافا لتصحيح اللخمي جواز استثناء البائع لها بناء على أن المستثنى مبقى ، وجواز استثنائها هو مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله تعالى .
قال مقيده - عفا الله عنه - : وهو أظهر عندي ; لأن كون المستثنى مبقى أظهر من كونه مشترى لأنه كان مملوكا للبائع ، ولم يزل على ملكه ; لأن البيع لم يتناوله لاستثنائه من جملة المبيع كما ترى . وهذا الذي ذكرنا في هذه المسألة هو الحق إن شاء الله تعالى ، فما أبر فهو للبائع إلا بشرط ، وما لم يؤبر فهو للمشتري إلا بشرط ، خلافا لابن أبي ليلى القائل : هي للمشتري في الحالين ; لأنها متصلة بالأصل اتصال خلقة فكانت تابعة له كالأغصان . وهذا الاستدلال فاسد الاعتبار ; لمخالفته لحديث المتفق عليه المذكور آنفا ، فقد صرح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن البيع إن كان وقع بعد التأبير فالثمرة للبائع ، وخلافا للإمام ابن عمر أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - في قولهما : إنها للبائع في الحالين . والحديث المذكور يرد عليهما ، بدليل خطابه أعني مفهوم مخالفته ; لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - " والأوزاعي " الحديث . يفهم منه أنها إن كانت غير مؤبرة فليس الحكم كذلك ، وإلا كان قوله " قد أبرت " وقوله " بعد أن تؤبر " في بعض الروايات لغوا لا فائدة فيه ، فيتعين أن ذكر وصف التأبير ليحترز به عن غيره ، ومعلوم أن الإمام من ابتاع نخلا قد أبرت - رحمه الله - لا يقول بحجته مفهوم المخالفة ، فالجاري على أصوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور نص على حكم الثمرة المؤبرة ، وسكت عن غير المؤبرة ، فلم يتعرض لها أصلا . وإن أبر بعض الثمرة التي بيعت أصولها ، وبعضها الآخر لم يؤبر ، فمذهب أبا حنيفة مالك أنه إن كان أحدهما أكثر فالأقل تابع له ، وإن استويا فلكل حكمه ، فالمؤبر للبائع وغيره للمشتري . ومذهب أن لكل واحد من المؤبر وغيره حكمه ، الإمام أحمد وأبو حنيفة لا فرق عنده بين المؤبر وغيره ، فالجميع عنده للبائع إلا إذا اشترطه المبتاع ، ومذهب - رحمه الله - الصحيح من الخلاف ، أن ما لم يؤبر تبع للمؤبر [ ص: 271 ] فيبقى الجميع للبائع دفعا لضرر اختلاف الأيدي . واعلم أن استثناء بعض الثمرة دون بعض يجوز في قول جمهور العلماء ، وفاقا لأشهب من أصحاب الشافعي مالك وخالف ابن القاسم فقال : لا يجوز استثناء بعض المؤبرة . وحجة الجمهور أن ما جاز استثناء جميعه جاز استثناء بعضه ، وحجة ابن القاسم أن النص إنما ورد في اشتراط الجميع .
واعلم أن أكثر العلماء على أن الثمرة المؤبرة التي هي للبائع إن لم يستثنها المشتري ، فإنها تبقى إلى وقت الانتفاع المعتاد بها ، ولا يكلفه المشتري بقطعها في الحال ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد . وخالف في ذلك أبو حنيفة قائلا : يلزم قطعها في الحال وتفريغ النخل منها ; لأنه مبيع مشغول بملك البائع ، فلزم نقله وتفريغه منه ، كما لو باع دارا فيها طعام أو قماش له . واحتج الجمهور بأن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة ، كما لو باع دارا فيها طعام لم يجب نقله على حسب العادة في ذلك ، وهو أن ينقله نهارا شيئا بعد شيء ، ولا يلزمه النقل ليلا ، ولا جمع دواب البلد لنقله ، كذلك هاهنا يفرغ النخل من الثمرة في أوان وهو وقت الجذاذ ، قاله في المغني . ابن قدامة
المسألة الرابعة : لو ، فهل لمشتري الأصل أن يشتري الثمرة قبل بدو صلاحها ؟ أولا : اختلف العلماء في ذلك ، فمشهور مذهب اشتريت النخل وبقيت الثمرة للبائع مالك جواز ذلك ; لأن لها عنده حكم التبعية وإن أفردت بالعقد ، وعنه في رواية أخرى : لا يجوز ذلك . وللشافعية والحنابلة وجهان بالمنع والجواز . قال في المغني : ونسب ابن قدامة القرطبي للشافعي وأبي حنيفة وأهل الظاهر وفقهاء الحديث القول بمنع ذلك ثم قال : وهو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها . والثوري
المسألة الخامسة : إذا فلها ثلاث حالات : الأولى : أن يبيعها بشرط التبقية إلى وقت الجذاذ ، وفي هذه الحالة لا يصح البيع إجماعا . الثانية : أن يبيعها بشرط قطعها في الحال ، وفي هذه الحالة يصح البيع إجماعا . الثالثة : أن يبيعها من غير شرط تبقية ولا قطع ، بل سكتا عن ذلك ، وعقدا البيع مطلقا دون شرط ، وفي هذه الحالة لا يصح البيع عند جمهور العلماء ، منهم : اشتريت الثمرة وحدها دون الأصل قبل بدو صلاحها مالك والشافعي وأحمد - رحمهم الله تعالى - وأجاز أبو حنيفة - رحمه الله - البيع في هذه الحالة ، وأوجب قطع الثمرة حالا ، قال : لأن إطلاق العقد يقتضي القطع ، فهو كما لو اشترطه ، وحجة الجمهور إطلاق النصوص الواردة بذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما أخرجه الشيخان [ ص: 272 ] والإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن وابن ماجه - رضي الله عنهما - قال : ابن عمر ، نهى البائع والمبتاع ، وفي لفظ : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها . رواه نهى عن بيع النخل حتى تزهو ، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا . ومن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن ابن ماجه أنس - رضي الله عنه - قال : " " . ومن ذلك أيضا ما رواه أحمد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى تزهي ، قيل وما زهوتها ؟ قال تحمار وتصفار ومسلم والنسائي عن وابن ماجه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة " . ومن ذلك ما رواه لا تبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه عن أنس - رضي الله عنه - " . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد
فإطلاقات هذه النصوص ونحوها تدل على منع في حالة الإطلاق وعدم الاشتراط كما تقدم . بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
وقرأ هذه الآية الكريمة جماهير القراء وأرسلنا الرياح بصيغة الجمع وقرأها حمزة وأرسلنا الريح بالإفراد ، والألف على قراءة حمزة للجنس ، ولذلك صح الجمع في قوله لواقح قال أبو حيان في البحر المحيط : ومن قرأ بإفراد الريح فعلى تأويل الجنس ، كما قالوا أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض اه والعلم عند الله تعالى .