المسألة الثالثة : لا يجوز . بيع اللحم بالحيوان الذي يجوز أكله من جنسه
وهذا مذهب أكثر العلماء : منهم مالك ، ، والشافعي وأحمد . وقال أبو حنيفة - رحمه الله - : يجوز بيع اللحم بالحيوان ; لأن الحيوان غير ربوي ، فأشبه بيعه باللحم بيع اللحم بالأثمان .
واحتج الجمهور بما رواه مالك في الموطأ ، عن ، عن زيد بن أسلم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن المسيب . وفي " الموطأ " أيضا ، عن نهى عن بيع اللحم بالحيوان مالك ، عن : أنه سمع داود بن الحصين يقول : من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان باللحم بالشاة والشاتين . وفي " الموطأ " أيضا ، عن سعيد بن المسيب مالك ، عن أبي الزناد ، عن : أنه كان يقول : نهي عن بيع الحيوان باللحم . قال سعيد بن المسيب أبو الزناد : فقلت : أرأيت رجلا اشترى شارفا بعشر شياه ؟ ، فقال لسعيد بن المسيب سعيد : إن كان اشتراها لينحرها فلا خير في ذلك . قال أبو الزناد : وكل من أدركت من الناس ينهون عن بيع الحيوان باللحم . قال أبو الزناد : وكان ذلك يكتب في عهود العمال في زمان أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل ينهون عن ذلك . اهـ ، من الموطأ .
وقال في المغني : لا يختلف المذهب أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه ، وهو مذهب ابن قدامة مالك ، وقول فقهاء والشافعي المدينة السبعة . وحكي عن مالك : أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد لللحم ويجوز بغيره . وقال أبو حنيفة : يجوز مطلقا ; لأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه ; فأشبه بيع اللحم بالدراهم ، أو بلحم من غير جنسه . ولنا ما روي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن " ، رواه بيع اللحم بالحيوان مالك في الموطأ ، عن ، عن زيد بن أسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال سعيد بن المسيب : هذا أحسن أسانيده . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ابن عبد البر " ذكره الإمام أنه نهى أن يباع حي بميت أحمد . وروي عن : " أن جزورا نحرت فجاء رجل بعناق ، فقال أعطوني جزءا بهذه العناق - فقال ابن عباس أبو بكر : لا يصلح [ ص: 347 ] هذا ، قال : لا أعلم مخالفا الشافعي لأبي بكر في ذلك . وقال أبو الزناد : كل من أدركت ينهى عن بيع اللحم بالحيوان ; ولأن اللحم نوع فيه الربا بيع بأصله الذي فيه مثله فلم يجز ; كبيع السمسم بالشيرج اهـ .
وقال صاحب المهذب : ولا يجوز بيع حيوان يؤكل لحمه بلحمه ، لما روى - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " سعيد بن المسيب " ، وروى لا يباع حي بميت - رضي الله عنهما - : " أن جزورا نحرت على عهد ابن عباس أبي بكر - رضي الله عنه - ، فجاء رجل بعناق فقال : أعطوني بها لحما فقال أبو بكر : لا يصلح هذا " ; ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه مثله ; فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم ، اهـ .
وقال ابن السبكي في تكملته لشرح المهذب : حديث رواه سعيد بن المسيب أبو داود من طريق ، عن الزهري سعيد ، كما ذكره المصنف ، ورواه مالك في الموطأ ، في المختصر والأم ، والشافعي وأبو داود من طريق ، عن زيد بن أسلم : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن المسيب " ، هذا لفظ نهى عن بيع اللحم بالحيوان عن الشافعي مالك ، وأبي داود ، عن ، عن القعنبي مالك ، وكذلك هو في موطأ ابن وهب . ورأيت في موطأ عن القعنبي ، والمعنى واحد ، وكلا الحديثين - أعني : رواية بيع الحيوان باللحم الزهري - مرسل ، ولم يسنده واحد عن وزيد بن أسلم سعيد . وقد روي من طرق أخر ، منها عن الحسن ، عن سمرة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ، رواه نهى أن تباع الشاة باللحم الحاكم في المستدرك ، وقال : رواته عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات . وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة ، وله شاهد مرسل في الموطأ ، هذا كلام الحاكم . ورواه البيهقي في سننه الكبير ، وقال : هذا إسناد صحيح . ومن أثبت سماع الحسن عن سمرة عده موصولا . ومن لم يثبته فهو مرسل جيد انضم إلى مرسل سعيد . ومنها عن قال : " سهل بن سعد " ، رواه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع اللحم بالحيوان ، وقال : تفرد به الدارقطني يزيد بن مروان ، عن مالك بهذا الإسناد ولم يتابع عليه ، وصوابه في الموطأ عن مرسلا . وذكره ابن المسيب البيهقي في سننه الصغير ، وحكم بأن ذلك من غلط يزيد بن مروان ، ويزيد المذكور تكلم فيه . وقال يحيى بن معين : وليس هذا بذلك المعروف . ومنها عن ابن عدي - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ابن عمر " ، قال نهى عن بيع الحيوان باللحم عبد الحق : أخرجه البزار في مسنده من رواية ثابت بن زهير عن نافع ، وثابت رجل من أهل البصرة منكر الحديث لا يستقل به . ذكره . انتهى محل الغرض من كلام صاحب تكملة المجموع . أبو حاتم الرازي
[ ص: 348 ] قال مقيده - عفا الله عنه - : لا يخفى أن هذا الذي ذكرنا يثبت به منع بيع اللحم بالحيوان . أما على مذهب من يحتج بالمرسل : كمالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد ، فلا إشكال ، وأما على مذهب من لا يحتج بالمرسل : فمرسل حجة عند كثير ممن لا يحتج بالمرسل ، ولا سيما أنه اعتضد بحديث سعيد بن المسيب الحسن عن سمرة . فعلى قول من يصحح سماع الحسن عن سمرة ; فلا إشكال في ثبوت ذلك ; لأنه حينئذ حديث صحيح متصل وأما على قول من لا يثبت سماع الحسن عن سمرة - فأقل درجاته أنه مرسل صحيح ، اعتضد بمرسل صحيح . ومثل هذا يحتج به من يحتج بالمرسل ومن لا يحتج به ، وقد قدمنا في " سورة المائدة " ، كلام العلماء في سماع الحسن عن سمرة ، وقدمنا في " سورة الأنعام " أن مثل هذا المرسل يحتج به بلا خلاف عنه الأئمة الأربعة ، فظهر بهذه النصوص : أن بيع الحيوان باللحم من جنسه لا يجوز ; خلافا لأبي حنيفة . وأما إن كان من غير جنسه كبيع شاة بلحم حوت ، أو بيع طير بلحم إبل فهو جائز عند مالك ; لأن المزابنة تنتفي باختلاف الجنس ، وحمل معنى الحديث على هذا وإن كان ظاهره العموم . ومذهب مع اختلاف الجنس فيه قولان : أحدهما : جواز الشافعي . بيع اللحم بالحيوان إذا اختلف جنسهما
والثاني : المنع مطلقا لعموم الحديث . ومذهب أحمد في المسألة ذكره في المغني بقوله : وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فظاهر كلام ابن قدامة أحمد والخرقي : أنه لا يجوز ; فإن أحمد سئل عن بيع الشاة باللحم ، فقال : لا يصح ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ، " ، واختار القاضي جوازه ، نهى أن يباع حتى بميت فيه قولان . واحتج من منعه بعموم الأخبار ، وبأن اللحم كله جنس واحد ومن أجازه ، قال : مال الربا بيع بغير أصله ولا جنسه ، فجاز كما لو باعه بالأثمان . وإن باعه بحيوان غير مأكول اللحم جاز في ظاهر قول أصحابنا ، وهو قول عامة الفقهاء . انتهى كلام صاحب المغني . وللشافعي
قال مقيده - عفا الله عنه - : قد عرفت مما تقدم أن بعض العلماء قال : إن اللحم كله جنس واحد . وبعضهم قال : إن اللحوم أجناس . فعلى أن اللحم جنس واحد ; فمنع بيع الحيوان باللحم هو الظاهر . وعلى أن اللحوم أجناس مختلفة ; فبيع اللحم بحيوان من غير جنسه الظاهر فيه الجواز ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ، والعلم عند الله تعالى . فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم
[ ص: 349 ] تنبيه .
اشترط المالكية في منع بيع الحيوان باللحم من جنسه : إلا يكون اللحم مطبوخا . فإن كان مطبوخا : جاز عندهم بيعه بالحيوان من جنسه ، وهو معنى قول خليل في مختصره . وفسد منهي عنه إلا بدليل كحيوان بلحم جنسه إن لم يطبخ . واحتجوا لذلك ; بأن الطبخ ينقل اللحم عن جنسه ; فيجوز التفاضل بينه وبين اللحم الذي لم يطبخ ; فبيعه بالحيوان من باب أولى . هكذا يقولون . والعلم عند الله تعالى .