تنبيه .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=61nindex.php?page=treesubj&link=28987_29494ما ترك عليها من دابة [ 16 \ 61 ] ، الضمير في " عليها " ، راجع إلى غير مذكور وهو الأرض ; لأن قوله : من دابة يدل عليه ; لأن من المعلوم : أن الدواب إنما تدب على الأرض . ونظيره قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45ما ترك على ظهرها من دابة [ 35 \ 45 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حتى توارت بالحجاب [ 38 \ 32 ] ، أي : الشمس ولم يجر لها ذكر ، ورجوع الضمير إلى غير مذكور يدل عليه المقام كثير في كلام العرب ; ومنه قول
حميد بن ثور :
وصهباء منها كالسفينة نضجت به الحمل حتى زاد شهرا عديدها
فقوله : " صهباء منها " ، أي : من الإبل ، وتدل له قرينة " كالسفينة " مع أن الإبل لم يجر لها ذكر ، ومنه أيضا قول
حاتم الطائي :
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقوله : " حشرجت وضاق بها " يعني النفس ، ولم يجر لها ذكر ; كما تدل له قرينة " وضاق بها الصدر " ، ومنه أيضا
لبيد في معلقته :
حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها
فقوله : " ألقت " ، أي : الشمس ، ولم يجر لها ذكر ، ولكن يدل له قوله : وأجن عورات الثغور ظلامها .
لأن قوله : " ألقت يدا في كافر " ، أي : دخلت في الظلام . ومنه أيضا قول
طرفة في معلقته :
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
فقوله : " أفديك منها " ، أي : الفلاة ، ولم يجر لها ذكر ، ولكن قرينة سياق الكلام تدل عليها .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : يؤاخذ الآية [ 16 \ 61 ] ، الظاهر أن المفاعلة فيه بمعنى الفعل المجرد ; فمعنى آخذ الناس يؤاخذهم : أخذهم بذنوبهم ; لأن المفاعلة
[ ص: 393 ] تقتضي الطرفين . ومجيئها بمعنى المجرد مسموع نحو : سافر وعافى . وقوله : " يؤاخذ " [ 16 \ 61 ] ، إن قلنا : إن المضارع فيه بمعنى الماضي فلا إشكال . وإن قلنا : إنه بمعنى الاستقبال فهو على إيلاء لو المستقبل وهو قليل ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم [ 4 \ 9 ] ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=15162قيس بن الملوح :
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة لصوت صدى ليلى يهش ويطرب
والجواب بحمله على المضي في الآية تكلف ظاهر ، ولا يمكن بتاتا في البيتين ، وأمثلته كثيرة في القرآن وفي كلام العرب . وقد أشار لذلك في الخلاصة بقوله :
لو حرف شرط في مضي ويقل إيلاؤها مستقبلا ، لكن قبل .
تَنْبِيهٌ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=61nindex.php?page=treesubj&link=28987_29494مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ [ 16 \ 61 ] ، الضَّمِيرُ فِي " عَلَيْهَا " ، رَاجِعٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الْأَرْضُ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : مِنْ دَابَّةٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ : أَنَّ الدَّوَابَّ إِنَّمَا تَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [ 35 \ 45 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ 38 \ 32 ] ، أَيْ : الشَّمْسُ وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ ، وَرُجُوعُ الضَّمِيرِ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; وَمِنْهُ قَوْلُ
حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ :
وَصَهْبَاءُ مِنْهَا كَالسَّفِينَةِ نَضَّجَتْ بِهِ الْحَمْلُ حَتَّى زَادَ شَهْرًا عَدِيدُهَا
فَقَوْلُهُ : " صَهْبَاءُ مِنْهَا " ، أَيْ : مِنَ الْإِبِلِ ، وَتَدُلُّ لَهُ قَرِينَةُ " كَالسَّفِينَةِ " مَعَ أَنَّ الْإِبِلَ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ ، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ
حَاتِمٍ الطَّائِيِّ :
أَمَاوِيُّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
فَقَوْلُهُ : " حَشْرَجَتْ وَضَاقَ بِهَا " يَعْنِي النَّفْسَ ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ ; كَمَا تَدُلُّ لَهُ قَرِينَةُ " وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ " ، وَمِنْهُ أَيْضًا
لَبِيدٌ فِي مُعَلَّقَتِهِ :
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا
فَقَوْلُهُ : " أَلْقَتْ " ، أَيِ : الشَّمْسُ ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ ، وَلَكِنْ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ : وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا .
لِأَنَّ قَوْلَهُ : " أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ " ، أَيْ : دَخَلَتْ فِي الظَّلَامِ . وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ
طُرْفَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ :
عَلَى مِثْلِهَا أَمْضِي إِذَا قَالَ صَاحِبِي أَلَا لَيْتَنِي أَفْدِيكَ مِنْهَا وَأَفْتَدِي
فَقَوْلُهُ : " أَفْدِيكَ مِنْهَا " ، أَيْ : الْفَلَاةِ ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ ، وَلَكِنَّ قَرِينَةَ سِيَاقِ الْكَلَامِ تَدُلُّ عَلَيْهَا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : يُؤَاخِذُ الْآيَةَ [ 16 \ 61 ] ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ فِيهِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ ; فَمَعْنَى آخَذَ النَّاسَ يُؤَاخِذُهُمْ : أَخَذَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ; لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ
[ ص: 393 ] تَقْتَضِي الطَّرَفَيْنِ . وَمَجِيئُهَا بِمَعْنَى الْمُجَرَّدِ مَسْمُوعٌ نَحْوَ : سَافَرَ وَعَافَى . وَقَوْلُهُ : " يُؤَاخِذُ " [ 16 \ 61 ] ، إِنْ قُلْنَا : إِنَّ الْمُضَارِعَ فِيهِ بِمَعْنَى الْمَاضِي فَلَا إِشْكَالَ . وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ عَلَى إِيلَاءِ لَوِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ قَلِيلٌ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ [ 4 \ 9 ] ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15162قَيْسِ بْنِ الْمُلَوَّحِ :
وَلَوْ تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنَا بَعْدَ مَوْتِنَا وَمَنْ دُونِ رَمْسَيْنَا مِنَ الْأَرْضِ سَبْسَبُ
لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي وَإِنْ كُنْتُ رُمَّةً لِصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهُشُّ وَيَطْرَبُ
وَالْجَوَابُ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُضِيِّ فِي الْآيَةِ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ ، وَلَا يُمْكِنُ بَتَاتًا فِي الْبَيْتَيْنِ ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ . وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ وَيَقِلُّ إِيلَاؤُهَا مُسْتَقْبَلًا ، لَكِنْ قُبِلْ .