قوله تعالى : وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يقولون بألسنتهم الكذب ; فيزعمون أن لهم الحسنى ، والحسنى تأنيث الأحسن ، قيل : المراد بها الذكور ; كما تقدم في قوله : ولهم ما يشتهون [ ص: 394 ] [ 16 \ 57 ] ، والحق الذي لا شك فيه : أن المراد بالحسنى : هو زعمهم أنه إن كانت الآخرة حقا فسيكون لهم فيها أحسن نصيب كما كان لهم في الدنيا . ويدل على صحة هذا القول الأخير دليلان :
أحدهما : كثرة الآيات القرآنية المبينة لهذا المعنى ; كقوله تعالى عن الكافر : ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى [ 41 \ 50 ] ، وقوله : ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا [ 18 \ 36 ] ، وقوله : وقال لأوتين مالا وولدا [ 19 \ 77 ] ، وقوله : وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين [ 34 \ 35 ] ، وقوله : أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات الآية [ 23 \ 55 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
والدليل الثاني : أن الله أتبع قوله : أن لهم الحسنى [ 16 \ 62 ] ، بقوله : لا جرم أن لهم النار الآية [ 16 \ 62 ] ، فدل ذلك دلالة واضحة على ما ذكرنا ، والعلم عند الله . والمصدر المنسبك من " أن " ، وصلتها في قوله : أن لهم الحسنى [ 16 \ 62 ] في محل نصب ، بدل من قوله الكذب ، ومعنى وصف ألسنتهم الكذب قولها للكذب صريحا لا خفاء به .
وقال في الكشاف في تفسير قوله تعالى : الزمخشري ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب [ 16 \ 116 ] ، ما نصه : فإن قلت : ما معنى وصف ألسنتهم الكذب ؟ قلت : هو من فصيح الكلام وبليغه ، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه ; فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته ، وصورته بصورته . كقولهم : وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر . اه .