اعلم : أن الذي لا يسكر لقلته . وهذا مما لا شك فيه . النبيذ الذي يسكر منه الكثير لا يجوز أن يشرب منه القليل
فمن زعم جواز شرب القليل الذي لا يسكر منه كالحنفية وغيرهم ، فقط غلط غلطا فاحشا ; لأن ما يسكر كثيره يصدق عليه بدلالة المطابقة أنه مسكر ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " كل مسكر حرام " ، وقد ثبت عنه في الصحيح - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " ، ولو حاول الخصم أن ينازع في معنى هذه الأحاديث ، فزعم أن القليل الذي لا يسكر يرتفع عنه اسم الإسكار فلا يلزم تحريمه ، قلنا : صرح - صلى الله عليه وسلم - بأن " كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام " ، وهذا نص صريح في محل النزاع لا يمكن معه كلام . وعن ما أسكر كثيره فقليله حرام عائشة - رضي الله عنه - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " ، رواه كل مسكر حرام ، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام ، الإمام أحمد وأبو داود ، ، وقال : حديث حسن . وعن والترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عمر " ، رواه أحمد ما أسكر كثيره فقليله حرام ، وابن ماجه وصححه . والدارقطني ولأبي داود ، وابن ماجه مثله سواء من حديث والترمذي جابر . وكذا لأحمد والنسائي من حديث وابن ماجه ، عن أبيه ، عن جده . وكذلك عمرو بن شعيب من حديث الإمام الدارقطني - رضي الله عنه - . وعن علي بن أبي طالب : سعد بن أبي وقاص " ، رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن قليل ما أسكر كثيره النسائي . وعن والدارقطني ، عن أبيه عن جده : عمرو بن شعيب " ، رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه قوم فقالوا : يا رسول الله ، إنا ننبذ النبيذ فنشربه على غدائنا وعشائنا ؟ فقال : " اشربوا فكل مسكر حرام " . فقالوا : يا رسول الله ، إنا نكسره بالماء ؟ [ ص: 408 ] فقال : " حرام قليل ما أسكر كثيره . اه . بواسطة نقل المجد في ( منتقى الأخبار ) . الدارقطني
فهذه الأحاديث لا لبس معها في تحريم قليل ما أسكر كثيره . وقال ابن حجر ( في فتح الباري ) في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - عند : " البخاري " ، ما نصه : فعند كل شراب أسكر فهو حرام أبي داود وصححه والنسائي من حديث ابن حبان جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " ، ما أسكر كثيره فقليله حرام من حديث وللنسائي ، عن أبيه ، عن جده مثله ، وسنده إلى عمرو بن شعيب عمرو صحيح . ولأبي داود من حديث عائشة مرفوعا : " " ، كل مسكر حرام ، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام ولابن حبان من حديث والطحاوي ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " عامر بن سعد بن أبي وقاص " ، وقد اعترف أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره بصحة هذه الأحاديث - إلى أن قال : وجاء أيضا عن علي عند الطحاوي ، وعن الدارقطني عند ابن إسحاق ابن عمر ، وعن والطبراني عند خوات بن جبير الدارقطني والحاكم ، وعن والطبراني عند زيد بن ثابت . وفي أسانيدها مقال ; لكنها تزيد الأحاديث التي قبلها قوة وشهرة . الدارقطني
قال ( وكان حنفيا فتحول شافعيا ) : ثبتت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم المسكر . أبو المظفر بن السمعاني
ثم ساق كثيرا منها ، ثم قال : والأخبار في ذلك كثيرة ، ولا مساغ لأحد في العدول عنها والقول بخلافه ; فإنها حجج قواطع . قال : وقد زل الكوفيون في هذا الباب ، ورووا فيه أخبارا معلولة ، لا تعارض هذه الأخبار بحال . ومن ظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب مسكرا فقد دخل في أمر عظيم ، وباء بإثم كبير . وإنما الذي شربه كان حلوا ولم يكن مسكرا . وقد ثمامة بن حزن القشيري : أنه سأل عائشة عن النبيذ ؟ فدعت جارية حبشية فقالت : سل هذه ، فإنها كانت تنبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت الحبشية : كنت أنبذ له في سقاء من الليل ، وأوكثه وأعلقه فإذا أصبح شرب منه . أخرجه روى مسلم .
وروى عن أمه عن الحسن البصري عائشة نحوه . ثم قال : فقياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والاضطراب من أجل الأقيسة وأوضحها ، والمفاسد التي توجد في الخمر توجد في النبيذ ، إلى أن قال : وعلى الجملة ، فالنصوص المصرحة بتحريم كل مسكر - قل أو كثر - مغنية عن القياس . والله أعلم .
وقد قال : لا يصح في حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة [ ص: 409 ] شيء ولا عن التابعين ; إلا عن عبد الله بن المبارك . انتهى محل الغرض من ( فتح الباري ) بحذف ما لا حاجة إليه . إبراهيم النخعي
قال مقيده - عفا الله عنه - : ; لما رأيت من تصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن : " تحريم قليل النبيذ الذي يسكر كثيره لا شك فيه " . ما أسكر كثيره فقليله حرام
واعلم : أن قياس النبيذ المسكر كثيره على الخمر بجامع الإسكار لا يصح ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح بأن " " ، والقياس يشترط فيه ألا يكون حكم الفرع منصوصا عليه كحكم الأصل . كما أشار له في مراقي السعود بقوله : كل مسكر حرام
وحيثما يندرج الحكمان في النص فالأمران قل سيان
وقال ابن المنذر : وجاء أهل الكوفة بأخبار معلولة ، وإذا اختلف الناس في الشيء وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . اه .