مسألة .
اختلف العلماء في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=24951_24952المناكحة بين بني آدم والجن . فمنعها جماعة من أهل العلم ، وأباحها بعضهم .
قال
المناوي ( في شرح الجامع الصغير ) : ففي الفتاوى السراجية للحنفية : لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء ; لاختلاف الجنس . وفي فتاوى
البارزي من الشافعية : لا يجوز التناكح بينهما . ورجح
ابن العماد جوازه . اه .
وقال
الماوردي : وهذا مستنكر للعقول ; لتباين الجنسين ، واختلاف الطبعين ; إذ الآدمي جسماني ، والجني روحاني . وهذا من صلصال كالفخار ، وذلك من مارج من نار ، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع ، والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع . اه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي : نكاحهم جائز عقلا ; فإن صح نقلا فبها ونعمت .
قال مقيده - عفا الله عنه - : لا أعلم في كتاب الله ولا في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - نصا يدل على جواز مناكحة الإنس الجن ، بل الذي يستروح من ظواهر الآيات عدم جوازه . فقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا الآية [ 16 \ 72 ] ، ممتنا على
[ ص: 416 ] بني
آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم ، يفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجا تباينهم كمباينة الإنس للجن ، وهو ظاهر .
ويؤيده قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [ 30 \ 21 ] ، فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ، في معرض الامتنان يدل على أنه ما خلق لهم أزواجا من غير أنفسهم ; ويؤيد ذلك ما تقرر في الأصول من أن : " النكرة في سياق الامتنان تعم " ، فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جعل لكم من أنفسكم أزواجا [ 16 \ 72 ] ، جمع منكر في سياق الامتنان فهو يعم ، وإذا عم دل ذلك على حصر الأزواج المخلوقة لنا فيما هو من أنفسنا ، أي : من نوعنا وشكلنا . مع أن قوما من أهل الأصول زعموا " أن الجموع المنكرة في سياق الإثبات من صيغ العموم " ، والتحقيق أنها في سياق الإثبات لا تعم ، وعليه درج في مراقي السعود ; حيث قال في تعداده للمسائل التي عدم العموم فيها أصح :
منه منكر الجموع عرفا وكان والذي عليه انعطفا
أما في سياق الامتنان فالنكرة تعم . وقد تقرر في الأصول " أن النكرة في سياق الامتنان تعم " ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وأنزلنا من السماء ماء طهورا [ 25 \ 48 ] ، أي : فكل ماء نازل من السماء طهور . وكذلك النكرة في سياق النفي أو الشرط أو النهي ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59ما لكم من إله غيره [ 7 \ 59 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين الآية [ 9 \ 6 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=24ولا تطع منهم آثما الآية [ 76 \ 24 ] ، ويستأنس لهذا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=166وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون [ 26 \ 166 ] ، فإنه يدل في الجملة على أن تركهم ما خلق الله لهم من أزواجهم ، وتعديهم إلى غيره يستوجب الملام ، وإن كان أصل التوبيخ والتقريع على فاحشة اللواط ; لأن أول الكلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=165أتأتون الذكران من العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=166وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم [ 26 \ 165 - 166 ] ، فإنه وبخهم على أمرين ، أحدهما : إتيان الذكور . والثاني : ترك ما خلق لهم ربهم من أزواجهم .
وقد دلت الآيات المتقدمة على أن ما خلق لهم من أزواجهم ، هو الكائن من أنفسهم ، أي : من نوعهم وشكلهم ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا [ 16 \ 72 ] ، ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا الآية [ 30 \ 21 ] ، فيفيد أنه لم يجعل لهم أزواجا من غير أنفسهم . والعلم عند الله تعالى .
مَسْأَلَةٌ .
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=24951_24952الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ . فَمَنَعَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَأَبَاحَهَا بَعْضُهُمْ .
قَالَ
الْمَنَاوِيُّ ( فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) : فَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ : لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَإِنْسَانِ الْمَاءِ ; لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ . وَفِي فَتَاوَى
الْبَارِزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : لَا يَجُوزُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُمَا . وَرَجَّحَ
ابْنُ الْعِمَادِ جَوَازَهُ . اه .
وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا مُسْتَنْكَرٌ لِلْعُقُولِ ; لِتَبَايُنِ الْجِنْسَيْنِ ، وَاخْتِلَافِ الطَّبْعَيْنِ ; إِذِ الْآدَمِيُّ جُسْمَانِيٌّ ، وَالْجِنِّيُّ رُوحَانِيٌّ . وَهَذَا مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ، وَذَلِكَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ، وَالِامْتِزَاجُ مَعَ هَذَا التَّبَايُنِ مَدْفُوعٌ ، وَالتَّنَاسُلُ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ مَمْنُوعٌ . اه .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ : نِكَاحُهُمْ جَائِزٌ عَقْلًا ; فَإِنْ صَحَّ نَقْلًا فَبِهَا وَنِعْمَتْ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - : لَا أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُنَاكَحَةِ الْإِنْسِ الْجِنَّ ، بَلِ الَّذِي يُسْتَرْوَحُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْآيَاتِ عَدَمُ جَوَازِهِ . فَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا الْآيَةَ [ 16 \ 72 ] ، مُمْتَنًّا عَلَى
[ ص: 416 ] بَنِي
آدَمَ بِأَنَّ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ نَوْعِهِمْ وَجِنْسِهِمْ ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَا جَعَلَ لَهُمْ أَزْوَاجًا تُبَايِنُهُمْ كَمُبَايَنَةِ الْإِنْسِ لِلْجِنِّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [ 30 \ 21 ] ، فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ، فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا خَلَقَ لَهُمْ أَزْوَاجًا مِنْ غَيْرِ أَنْفُسِهِمْ ; وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ : " النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ تَعُمُّ " ، فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [ 16 \ 72 ] ، جَمْعٌ مُنْكَرٌ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ فَهُوَ يَعُمُّ ، وَإِذَا عَمَّ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حَصْرِ الْأَزْوَاجِ الْمَخْلُوقَةِ لَنَا فِيمَا هُوَ مِنْ أَنْفُسِنَا ، أَيْ : مِنْ نَوْعِنَا وَشَكْلِنَا . مَعَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ زَعَمُوا " أَنَّ الْجُمُوعَ الْمُنْكَرَةَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ " ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا تَعُمُّ ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ ; حَيْثُ قَالَ فِي تَعْدَادِهِ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي عُدِمَ الْعُمُومُ فِيهَا أَصَحُّ :
مِنْهُ مُنْكَرُ الْجُمُوعِ عُرْفًا وَكَانَ وَالَّذِيَ عَلَيْهِ انْعَطَفَا
أَمَّا فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ فَالنَّكِرَةُ تَعُمُّ . وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ " أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ تَعُمُّ " ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [ 25 \ 48 ] ، أَيْ : فَكُلُّ مَاءٍ نَازِلٍ مِنَ السَّمَاءِ طَهُورٌ . وَكَذَلِكَ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الشَّرْطِ أَوِ النَّهْيِ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [ 7 \ 59 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ [ 9 \ 6 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=24وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا الْآيَةَ [ 76 \ 24 ] ، وَيَسْتَأْنِسُ لِهَذَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=166وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [ 26 \ 166 ] ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ ، وَتَعَدِّيَهُمْ إِلَى غَيْرِهِ يَسْتَوْجِبُ الْمَلَامَ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ عَلَى فَاحِشَةِ اللِّوَاطِ ; لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=165أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=166وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ [ 26 \ 165 - 166 ] ، فَإِنَّهُ وَبَّخَهُمْ عَلَى أَمْرَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : إِتْيَانُ الذُّكُورِ . وَالثَّانِي : تَرْكُ مَا خَلَقَ لَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ .
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى أَنَّ مَا خُلِقَ لَهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ ، هُوَ الْكَائِنُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، أَيْ : مِنْ نَوْعِهِمْ وَشَكْلِهِمْ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [ 16 \ 72 ] ، ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا الْآيَةَ [ 30 \ 21 ] ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أَزْوَاجًا مِنْ غَيْرِ أَنْفُسِهِمْ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .