قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007وربطنا على قلوبهم إذ قاموا .
أي ثبتنا قلوبهم وقويناها على الصبر ، حتى لا يجزعوا ولا يخافوا من أن يصدعوا بالحق ، ويصبروا على فراق الأهل والنعيم ، والفرار بالدين في غار في جبل لا أنيس به ، ولا ماء ولا طعام .
ويفهم من هذه الآية الكريمة : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30488_30491_19601من كان في طاعة ربه جل وعلا أنه تعالى يقوي قلبه ، ويثبته على تحمل الشدائد ، والصبر الجميل .
وقد أشار تعالى إلى وقائع من هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله في
أهل بدر مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا الآية [ 8 \ 11 - 12 ] ، وكقوله في
أم موسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين [ 28 \ 10 ] .
وأكثر المفسرين على أن قوله : إذ قاموا أي بين يدي ملك بلادهم ، وهو ملك جبار يدعو إلى عبادة الأوثان ، يزعمون أن اسمه :
دقيانوس .
وقصتهم مذكورة في جميع كتب التفسير ، أعرضنا عنها لأنها إسرائيليات . وفي قيامهم المذكور هنا أقوال أخر كثيرة ، والعامل في قوله : " إذ " هو " ربطنا " على قلوبهم حين قاموا .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا [ ص: 215 ] ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم ربهم هدى ، قالوا : إن ربهم هو رب السموات والأرض ، وأنهم لن يدعوا من دونه إلها ، وأنهم لو فعلوا ذلك قالوا شططا ، أي قولا ذا شطط ، أو هو من النعت بالمصدر للمبالغة ; كأن قولهم هو نفس الشطط ، والشطط : البعد عن الحق والصواب . وإليه ترجع أقوال المفسرين ; كقول بعضهم " شططا " : جورا ، تعديا ، كذبا ، خطأ ، إلى غير ذلك من الأقوال .
وأصل مادة الشطط : مجاوزة الحد ، ومنه أشط في السوم : إذا جاوز الحد ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=22ولا تشطط الآية [ 38 \ 22 ] ، أو البعد ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة :
تشط غدا دار جيراننا وللدار بعد غد أبعد
ويكثر استعمال الشطط في الجور والتعدي ، ومنه قول
الأعشى :
أتنتهون وإن ينهى ذوي الشطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28675من أشرك مع خالق السموات والأرض معبودا آخر ، فقد جاء بأمر شطط بعيد عن الحق والصواب في غاية الجور والتعدي ; لأن الذي يستحق العبادة هو الذي يبرز الخلائق من العدم إلى الوجود ; لأن الذي لا يقدر على خلق غيره مخلوق يحتاج إلى خالق يخلقه ويرزقه ويدبر شئونه .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبينا في آيات أخر كثيرة ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [ 2 \ 21 - 22 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون [ 16 \ 17 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار [ 13 \ 16 ] ، أي الواحد القهار الذي هو خالق كل شيء هو المستحق للعبادة وحده جل وعلا ، وقوله جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=191أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون [ 7 \ 191 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون الآية [ 25 \ 3 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لقد قلنا إذا شططا ، أي إذا دعونا من
[ ص: 216 ] دونه إلها ، فقد قلنا شططا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا .
أَيْ ثَبَّتْنَا قُلُوبَهُمْ وَقَوَّيْنَاهَا عَلَى الصَّبْرِ ، حَتَّى لَا يَجْزَعُوا وَلَا يَخَافُوا مِنْ أَنْ يَصْدَعُوا بِالْحَقِّ ، وَيَصْبِرُوا عَلَى فِرَاقِ الْأَهْلِ وَالنَّعِيمِ ، وَالْفِرَارِ بِالدِّينِ فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ لَا أَنِيسَ بِهِ ، وَلَا مَاءَ وَلَا طَعَامَ .
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30488_30491_19601مَنْ كَانَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ تَعَالَى يُقَوِّي قَلْبَهُ ، وَيُثَبِّتُهُ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّدَائِدِ ، وَالصَّبْرِ الْجَمِيلِ .
وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى وَقَائِعَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، كَقَوْلِهِ فِي
أَهْلِ بَدْرٍ مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ [ 8 \ 11 - 12 ] ، وَكَقَوْلِهِ فِي
أُمِّ مُوسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ 28 \ 10 ] .
وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : إِذْ قَامُوا أَيْ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ بِلَادِهِمْ ، وَهُوَ مَلِكٌ جَبَّارٌ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، يَزْعُمُونَ أَنَّ اسْمَهُ :
دِقْيَانُوسُ .
وَقِصَّتُهُمْ مَذْكُورَةٌ فِي جَمِيعِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ ، أَعْرَضْنَا عَنْهَا لِأَنَّهَا إِسْرَائِيلِيَّاتٌ . وَفِي قِيَامِهِمُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَقْوَالٌ أُخَرُ كَثِيرَةٌ ، وَالْعَامِلُ فِي قَوْلِهِ : " إِذْ " هُوَ " رَبَطْنَا " عَلَى قُلُوبِهِمْ حِينَ قَامُوا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا [ ص: 215 ] ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ : أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةَ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ فَزَادَهُمْ رَبُّهُمْ هُدًى ، قَالُوا : إِنَّ رَبَّهُمْ هُوَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ، وَأَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا شَطَطًا ، أَيْ قَوْلًا ذَا شَطَطٍ ، أَوْ هُوَ مِنَ النَّعْتِ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ ; كَأَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ نَفْسُ الشَّطَطِ ، وَالشَّطَطُ : الْبُعْدُ عَنِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ . وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ ; كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ " شَطَطًا " : جَوْرًا ، تَعَدِّيًا ، كَذِبًا ، خَطَأً ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ .
وَأَصْلُ مَادَّةِ الشَّطَطِ : مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، وَمِنْهُ أَشَطَّ فِي السَّوْمِ : إِذَا جَاوَزَ الْحَدَّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=22وَلَا تُشْطِطْ الْآيَةَ [ 38 \ 22 ] ، أَوِ الْبُعْدُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16674عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ :
تَشِطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا وَلَلدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أَبْعَدُ
وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ الشَّطَطِ فِي الْجَوْرِ وَالتَّعَدِّي ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْأَعْشَى :
أَتَنْتَهُونَ وَإِنْ يَنْهَى ذَوِي الشَّطَطِ كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ وَالْفُتُلُ
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28675مَنْ أَشْرَكَ مَعَ خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَعْبُودًا آخَرَ ، فَقَدْ جَاءَ بِأَمْرٍ شَطَطٍ بَعِيدٍ عَنِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِي غَايَةِ الْجَوْرِ وَالتَّعَدِّي ; لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ هُوَ الَّذِي يُبْرِزُ الْخَلَائِقَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ ; لِأَنَّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ غَيْرِهِ مَخْلُوقٌ يَحْتَاجُ إِلَى خَالِقٍ يَخْلُقُهُ وَيَرْزُقُهُ وَيُدَبِّرُ شُئُونَهُ .
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ 2 \ 21 - 22 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [ 16 \ 17 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [ 13 \ 16 ] ، أَيِ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الَّذِي هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ جَلَّ وَعَلَا ، وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=191أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ 7 \ 191 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ الْآيَةَ [ 25 \ 3 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ، أَيْ إِذَا دَعَوْنَا مِنْ
[ ص: 216 ] دُونِهِ إِلَهًا ، فَقَدْ قُلْنَا شَطَطًا .