(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ) .
[ ص: 349 ] إن القول في مناسبة هذه الآيات لما قبلها كالقول فيما قبلها سواء ، فهي ضرب من ضروب الدعوة إلى التوحيد والرسالة بوجه آخر من وجوه الاحتجاج ، ، قال تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28977قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به ) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين بك وبما جئت من التوحيد والهدى : أرأيتم ماذا يكون من شأنكم من آلهتكم الذين تدعونهم راجين شفاعتهم إن أصمكم الله تعالى فذهب بسمعكم ، وأعمالكم فذهب بأبصاركم ، وختم على قلوبكم وألبابكم التي هي مراكز الفهم والشعور والعقل من أنفسكم ، فأصبحتم لا تسمعون قولا ولا تبصرون طريقا ، ولا تعقلون نفعا ولا ضرا ، ، ولا تدركون حقا ولا باطلا - من إله غير الله يأتيكم بذلك ، أو بما ذكر مما أخذ الله منكم ؟ أي : لا إله غيره يقدر على إتيانكم به . ولو كان ما اتخذتم من دونه من الأنداد والأولياء آلهة لقدروا على ذلك ، وإذا كنتم تعلمون أنهم لا يقدرون ، فلماذا تدعونهم والدعاء عبادة لا يكون إلا للإله القدير ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28977انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ) أي : انظر كيف ننوع الحجج والبينات الكثيرة ونجعلها على وجوه شتى ليتذكروا ويقتنعوا ، فينيبوا ويرجعوا ، ثم هم يعرضون عنها ، ويتجنبون التأمل فيها ، يقال : صدف عن الشيء صدفا وصدوفا إذا أعرض إعراضا شديدا ، وقيل : إنه مأخوذ من صدفة الجبل أي جانبه ومنقطعه . والعطف ب " ثم " يفيد الاستبعاد ; لأن تصريف الآيات والدلائل سبب غاية الإقبال ، فكان من المستبعد في المعتاد والمعقول أن يترتب عليه منتهى الإعراض ، وقد سبق مثل هذا في أول السورة ، ويليه في أوائلها الكلام في إعراضهم عن الآيات ، وقد فصلنا القول في تفسيره تفصيلا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=28977قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون ) أي : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الظالمين : أرأيتكم أنتم أنفسكم كيف يكون شأنكم - أو أخبروني عن مصيركم - إن أتاكم عذاب الله الذي مضت سنته في الأولين ، بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين ، مباغتا ومفاجئا لكم - أو إتيان مباغتة - فأخذكم على غرة لم تتقدمه أمارة تشعركم بقرب نزوله بكم ، أو أتاكم ظاهرا مجاهرا - أو إتيان جهرة - بحيث ترون مباديه ومقدماته بأبصاركم ، هل يهلك به إلا القوم الظالمون منكم وهم المصرون على الشرك وأعماله عنادا وجحودا ، إذ مضت سنته تعالى في مثل هذا العذاب أن ينجي منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين ، فكأنه قال : لا يهلك به غيركم ، وإنما تهلكون بظلمكم لأنفسكم وجنايتكم عليها . وقد ظن بعض المفسرين أن هذا من العذاب الذي يكون عاما ، يؤخذ فيه غير الظالم بجريرة الظالم ، كالمصائب التي تحل بالأمم من جراء ظلمهم وفجورهم الذي يفضي إلى ضعفهم والاعتداء على استقلالهم ، أو إلى تفشي الأمراض أو المجاعات فيهم ، فتكلفوا في تفسير الآية تكلفا يصححون به ظنهم ، فزعموا أن هلاك غير الظالم بهذا العذاب لا ينافي الحصر ؛ لأنه يكون عذابا في الظاهر فقط .
[ ص: 350 ] وأما في الباطن والحقيقة فهو سعادة لما يترتب عليه من الثواب والدرجات الرفيعة ، ومن أشهر هؤلاء الظانين في الآية غير الحق :
الرازي والطبرسي . ويدل على ما اخترناه ما ذكر من الجزاء على تكذيب الرسل في قوله تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28977وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ) أي : تلك سنتنا في إهلاك المكذبين للرسل : ما نرسل المرسلين إليهم إلا مبشرين من آمن وأصلح عملا بالجزاء الحسن اللائق بهم ، ومنذرين من أصر على الشرك والإفساد في الأرض بالجزاء السيئ الذي يستحقونه (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28977فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) أي : فلا خوف عليهم من عذاب الدنيا الذي ينزل بالجاحدين ، ولا من عذاب الآخرة الذي أعده الله للكافرين ، ولا هم يحزنون يوم لقاء الله تعالى على شيء فاتهم ; لأن الله تعالى يقيهم من كل فزع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة ) ( 75 : 22 ، 23 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وجوه يومئذ مسفرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضاحكة مستبشرة ) ( 80 : 38 ، 39 ) ولك أن تقول : إن هؤلاء الكملة لا يحزنون في الدنيا أيضا مما يحزن منه الكفار والفساق كفوات شهوات الدنيا ولذاتها ، أو لا يكون حزنهم كحزنهم في شدته وطول أمده ، فإنهم إذا عرض لهم الحزن لسبب صريح كموت الولد ، والقريب ، والصديق ، أو فقد المال ، وقلة النصير - يكون حزنهم رحمة وعبرة ، مقرونا بالصبر وحسن الأسوة ، لا يضرهم في أنفسهم ولا أبدانهم ، ولا يغير شيئا من عاداتهم وأعمالهم ، فالإيمان بالله يعصمهم من إرهاق البأساء والضراء ، ومن بطر السراء والنعماء ، عملا بقوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ) ( 57 : 23 ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49nindex.php?page=treesubj&link=28977والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ) أي : والذين كذبوا بآياتنا التي أرسلنا بها الرسل يصيبهم العذاب في الدنيا أحيانا ، ولا سيما عند الجحود والعناد الذي يكون في المجموع دون بعض الأفراد ، وفي الآخرة على سبيل الشمول والاطراد ، وذلك بسبب فسقهم ، أي كفرهم وإفسادهم ، فهؤلاء قد ذكروا في مقابل الذين آمنوا وأصلحوا أنفسهم وأعمالهم ومعاملاتهم ، فالتكذيب يقابل الإيمان ، والفسق يقابل الإصلاح ، وإن كان أعم منه في اللغة والاصطلاح ، فهو يطلق على الكفر والخروج من الطاعة ، وفسر
ابن زيد الفسق بالكذب هنا وفي كل القرآن ، وهو تفسير غير مسلم .
والمس : اللمس باليد وما يدرك به ، ويطلق على ما يصيب المدرك مما يسوءه غالبا من ضر ، وشر ، وكبر ، ونصب ، ولغوب ، وعذاب الضراء والبأساء ، وهذا الاستعمال كثير في القرآن يعد بالعشرات ، ويسند الفعل إلى سبب السوء والألم ، وقد أسند إلى ما يسر في مقابلة إسناده
[ ص: 351 ] إلى ما يسوء في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) ( 3 : 120 ) وفي الآية السابعة عشرة من هذه السورة وقد تقدم ، وفي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إذا مسه الشر جزوعا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وإذا مسه الخير منوعا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=22إلا المصلين ) ( 70 : 19 - 22 ) وذكر مس الضر في أواخر " سورة يونس " ( 10 : 107 ) وقابله بإرادة الخير . وقد ورد المس بمعنى الوقاع في " سورة البقرة " ، ولم يرد في القرآن بمعنى اللمس باليد إلا في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لا يمسه إلا المطهرون ) ( 56 : 79 ) أي القرآن ، وفسر بعضهم المس بالاطلاع والمطهرين بالملائكة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) .
[ ص: 349 ] إِنَّ الْقَوْلَ فِي مُنَاسَبَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ لِمَا قَبْلَهَا كَالْقَوْلِ فِيمَا قَبْلَهَا سَوَاءٌ ، فَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الِاحْتِجَاجِ ، ، قَالَ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهْ ) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِكَ وَبِمَا جِئْتَ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْهُدَى : أَرَأَيْتُمْ مَاذَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِكُمْ مِنْ آلِهَتِكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ رَاجِينَ شَفَاعَتَهُمْ إِنْ أَصَمَّكُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَهَبَ بِسَمْعِكُمْ ، وَأَعْمَالِكُمْ فَذَهَبَ بِأَبْصَارِكُمْ ، وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَأَلْبَابِكُمُ الَّتِي هِيَ مَرَاكِزُ الْفَهْمِ وَالشُّعُورِ وَالْعَقْلِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ لَا تَسْمَعُونَ قَوْلًا وَلَا تُبْصِرُونَ طَرِيقًا ، وَلَا تَعْقِلُونَ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ، ، وَلَا تُدْرِكُونَ حَقًّا وَلَا بَاطِلًا - مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِذَلِكَ ، أَوْ بِمَا ذُكِرَ مِمَّا أَخَذَ اللَّهُ مِنْكُمْ ؟ أَيْ : لَا إِلَهَ غَيْرُهُ يَقْدِرُ عَلَى إِتْيَانِكُمْ بِهِ . وَلَوْ كَانَ مَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْلِيَاءِ آلِهَةً لَقَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَإِذَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ ، فَلِمَاذَا تَدْعُونَهُمْ وَالدُّعَاءُ عِبَادَةٌ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْإِلَهِ الْقَدِيرِ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28977انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ) أَيِ : انْظُرْ كَيْفَ نُنَوِّعُ الْحُجَجَ وَالْبَيِّنَاتِ الْكَثِيرَةِ وَنَجْعَلُهَا عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى لِيَتَذَكَّرُوا وَيَقْتَنِعُوا ، فَيُنِيبُوا وَيَرْجِعُوا ، ثُمَّ هُمْ يُعْرِضُونَ عَنْهَا ، وَيَتَجَنَّبُونَ التَّأَمُّلَ فِيهَا ، يُقَالُ : صَدَفَ عَنِ الشَّيْءِ صَدْفًا وَصُدُوفًا إِذَا أَعْرَضَ إِعْرَاضًا شَدِيدًا ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ صَدَفَةِ الْجَبَلِ أَيْ جَانِبِهِ وَمُنْقَطَعِهِ . وَالْعَطْفُ بِ " ثُمَّ " يُفِيدُ الِاسْتِبْعَادَ ; لِأَنَّ تَصْرِيفَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ سَبَبُ غَايَةِ الْإِقْبَالِ ، فَكَانَ مِنَ الْمُسْتَبْعَدِ فِي الْمُعْتَادِ وَالْمَعْقُولِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُنْتَهَى الْإِعْرَاضِ ، وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَيَلِيهِ فِي أَوَائِلِهَا الْكَلَامُ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْآيَاتِ ، وَقَدْ فَصَّلْنَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ تَفْصِيلًا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ) أَيْ : قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الظَّالِمِينَ : أَرَأَيْتَكُمْ أَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ كَيْفَ يَكُونُ شَأْنُكُمْ - أَوْ أَخْبِرُونِي عَنْ مَصِيرِكُمْ - إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ الَّذِي مَضَتْ سُنَّتُهُ فِي الْأَوَّلِينَ ، بِإِنْزَالِهِ بِأَمْثَالِكُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُعَانِدِينَ ، مُبَاغِتًا وَمُفَاجِئًا لَكُمْ - أَوْ إِتْيَانَ مُبَاغَتَةٍ - فَأَخَذَكُمْ عَلَى غِرَّةٍ لَمْ تَتَقَدَّمْهُ أَمَارَةٌ تُشْعِرُكُمْ بِقُرْبِ نُزُولِهِ بِكُمْ ، أَوْ أَتَاكُمْ ظَاهِرًا مُجَاهِرًا - أَوْ إِتْيَانَ جَهْرَةٍ - بِحَيْثُ تَرَوْنَ مَبَادِيهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ بِأَبْصَارِكُمْ ، هَلْ يُهْلَكُ بِهِ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ مِنْكُمْ وَهُمُ الْمُصِرُّونَ عَلَى الشِّرْكِ وَأَعْمَالِهِ عِنَادًا وَجُحُودًا ، إِذْ مَضَتْ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا الْعَذَابِ أَنْ يُنْجِيَ مِنْهُ الرُّسُلَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَهْلِكُ بِهِ غَيْرُكُمْ ، وَإِنَّمَا تَهْلِكُونَ بِظُلْمِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَجِنَايَتِكُمْ عَلَيْهَا . وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَكُونُ عَامًّا ، يُؤْخَذُ فِيهِ غَيْرُ الظَّالِمِ بِجَرِيرَةِ الظَّالِمِ ، كَالْمَصَائِبِ الَّتِي تَحِلُّ بِالْأُمَمِ مِنْ جَرَّاءَ ظُلْمِهِمْ وَفُجُورِهِمُ الَّذِي يُفْضِي إِلَى ضَعْفِهِمْ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى اسْتِقْلَالِهِمْ ، أَوْ إِلَى تَفَشِّي الْأَمْرَاضِ أَوِ الْمَجَاعَاتِ فِيهِمْ ، فَتَكَلَّفُوا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ تَكَلُّفًا يُصَحِّحُونَ بِهِ ظَنَّهُمْ ، فَزَعَمُوا أَنَّ هَلَاكَ غَيْرِ الظَّالِمِ بِهَذَا الْعَذَابِ لَا يُنَافِي الْحَصْرَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَذَابًا فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ .
[ ص: 350 ] وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ وَالْحَقِيقَةِ فَهُوَ سَعَادَةٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةِ ، وَمِنْ أَشْهَرِ هَؤُلَاءِ الظَّانِّينَ فِي الْآيَةِ غَيْرَ الْحَقِّ :
الرَّازِيُّ وَالطَّبَرَسِيُّ . وَيَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مَا ذُكِرَ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28977وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) أَيْ : تِلْكَ سُنَّتُنَا فِي إِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ : مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهِمْ إِلَّا مُبَشِّرِينَ مَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ عَمَلًا بِالْجَزَاءِ الْحَسَنِ اللَّائِقِ بِهِمْ ، وَمُنْذِرِينَ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الشِّرْكِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ بِالْجَزَاءِ السَّيِّئِ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28977فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) أَيْ : فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا الَّذِي يَنْزِلُ بِالْجَاحِدِينَ ، وَلَا مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَوْمَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ فَاتَهُمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقِيهِمْ مِنْ كُلِّ فَزَعٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ( 75 : 22 ، 23 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) ( 80 : 38 ، 39 ) وَلَكَ أَنْ تَقُولَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْكَمَلَةَ لَا يَحْزَنُونَ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا مِمَّا يَحْزَنُ مِنْهُ الْكُفَّارُ وَالْفُسَّاقُ كَفَوَاتِ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ، أَوْ لَا يَكُونُ حُزْنُهُمْ كَحُزْنِهِمْ فِي شِدَّتِهِ وَطُولِ أَمَدِهِ ، فَإِنَّهُمْ إِذَا عَرَضَ لَهُمُ الْحُزْنُ لِسَبَبٍ صَرِيحٍ كَمَوْتِ الْوَلَدِ ، وَالْقَرِيبِ ، وَالصَّدِيقِ ، أَوْ فَقْدِ الْمَالِ ، وَقِلَّةِ النَّصِيرِ - يَكُونُ حُزْنُهُمْ رَحْمَةً وَعِبْرَةً ، مَقْرُونًا بِالصَّبْرِ وَحُسْنِ الْأُسْوَةِ ، لَا يَضُرُّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا أَبْدَانِهِمْ ، وَلَا يُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ عَادَاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، فَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ يَعْصِمُهُمْ مِنْ إِرْهَاقِ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَمِنْ بَطَرِ السَّرَّاءِ وَالنَّعْمَاءِ ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ( 57 : 23 ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49nindex.php?page=treesubj&link=28977وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) أَيْ : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الَّتِي أَرْسَلْنَا بِهَا الرُّسُلَ يُصِيبُهُمُ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا أَحْيَانًا ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجُحُودِ وَالْعِنَادِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَجْمُوعِ دُونَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ ، وَفِي الْآخِرَةِ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ وَالِاطِّرَادِ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ ، أَيْ كُفْرِهِمْ وَإِفْسَادِهِمْ ، فَهَؤُلَاءِ قَدْ ذُكِرُوا فِي مُقَابِلِ الَّذِينَ آمَنُوا وَأَصْلَحُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ ، فَالتَّكْذِيبُ يُقَابِلُ الْإِيمَانَ ، وَالْفِسْقُ يُقَابِلُ الْإِصْلَاحَ ، وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ ، فَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَفَسَّرَ
ابْنُ زَيْدٍ الْفِسْقَ بِالْكَذِبِ هُنَا وَفِي كُلِّ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ .
وَالْمَسُّ : اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَمَا يُدْرَكُ بِهِ ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُصِيبُ الْمُدْرِكَ مِمَّا يَسُوءُهُ غَالِبًا مِنْ ضُرٍّ ، وَشَرٍّ ، وَكِبَرٍ ، وَنَصَبٍ ، وَلُغُوبٍ ، وَعَذَابِ الضَّرَّاءِ وَالْبَأْسَاءِ ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ يُعَدُّ بِالْعَشَرَاتِ ، وَيُسْنَدُ الْفِعْلُ إِلَى سَبَبِ السُّوءِ وَالْأَلَمِ ، وَقَدْ أُسْنِدَ إِلَى مَا يَسُرُّ فِي مُقَابَلَةِ إِسْنَادِهِ
[ ص: 351 ] إِلَى مَا يَسُوءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ) ( 3 : 120 ) وَفِي الْآيَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=22إِلَّا الْمُصَلِّينَ ) ( 70 : 19 - 22 ) وَذَكَرَ مَسَّ الضُّرِّ فِي أَوَاخِرِ " سُورَةِ يُونُسَ " ( 10 : 107 ) وَقَابَلَهُ بِإِرَادَةِ الْخَيْرِ . وَقَدْ وَرَدَ الْمَسُّ بِمَعْنَى الْوِقَاعِ فِي " سُورَةِ الْبَقَرَةِ " ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ( 56 : 79 ) أَيِ الْقُرْآنَ ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْمَسَّ بِالِاطِّلَاعِ وَالْمُطَهَّرِينَ بِالْمَلَائِكَةِ .