( وجه تفسير مفاتح الغيب بهذه الخمس ) .
لم أر لأحد كلاما في المذكورة في آخر سورة لقمان ، وكنت قد فكرت في ذلك في أيام طلبي للعلم ، فظهر لي أن علم الله تعالى بجميع الموجودات علم شهادة ، وعلمه بما لم يوجد علم غيب ، وأن ما لم يوجد فخزائنه أو مفاتيح خزائنه التي يستفيد الناس من بيانها هي تلك الخمس ، وهي لم تذكر بصيغة الحصر ، وقد بينت ذلك في كتابي " الحكمة الشرعية " الذي ألفته في عهد الطلب في سياق البحث في الكشف عن أنواع كرامات الأولياء ، وبعد ذكر الآية والحديث في تفسيرها بتلك الخمس قلت ما نصه : وجه تفسير مفاتح الغيب بالخمس
ثم إنه لا يخفى أن ، فما معنى تخصيص هذه الخمس بالذكر مع كونها مما قد يطلع بعض عباده على بعضه ؟ وما معنى كونها مفاتح الغيب ؟ وأجيب بأن هذه الخمس هي التي كانوا يدعون علمها ، والعدد لا مفهوم له على الراجح فلا ينفي زائدا على المذكور . ( قلت ) : وهذا لا يدل على كونها مفاتح الغيب ، وقد فتح الله عز وجل علي بفهم معنى لطيف في كون هذه الخمس مفاتح أو مفاتيح للغيب . وعرضته على مشايخي كالأستاذ الشيخ معلومات الله تعالى الغيبية لا تدخل تحت الحصر محمد القاوقجي ، والعلامة الشيخ محمد نشابة وغيرهما فأعجبوا به ، وهو أن المفاتح جمع مفتح بفتح الميم أو كسرها ، بمعنى الخزائن أو المفاتيح ، والغيب ما غاب عن الوجود أو الشهود ، وهو عالم البرزخ ، وعالم الآخرة ، وبعض عالم الدنيا وهو النبات الذي لم يوجد ، والحيوان الذي لم يولد ، وكسب الأنفس الذي يحصل في المستقبل ، وفي قوله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) إشارة إلى جميع ذلك ، فالساعة مفتاح عالم الآخرة ، والغيث مفتاح عالم النبات ، وما في الأرحام مفتاح عالم الحيوان ، وقوله : ( وما تدري نفس ) ظاهر في مفتح الكسب والأعمال ، وقوله تعالى : ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) أي كما لا تدري بأي وقت إشارة بالموت إلى عالم [ ص: 391 ] البرزخ ، وبعبارة أخرى : العوالم ثلاثة ، الأول : القريب الداني الذي نقيم فيه قبل الموت . والآخر : الذي نقيم فيه بعد الموت أبدا إلى غير نهاية ، والثالث : الوسط بينهما ، وهو ما نقيم فيه بين العالمين حتى يتم جمعنا بانتهاء الدنيا ، ونفد على الله تعالى جميعا ، فالثاني والثالث من الغيب الذي ليس مشهودا لنا ، ومفتحهما الساعة والموت ، وأما الأول فمنه ما هو مشهود لنا ولا يحصل فيه زيادة يبرزها الله تعالى من العدم كالأحجار والمعادن ونحوها من الموجودات التي وجدت في الكون تدريجا أو دفعة واحدة ، ومنه ما هو غيب وهو ما يتجدد بصورة مخصوصة لم تكن مشهودة ، وهو النبات ومفتحه الغيث ، والحيوان ومفتحه الأرحام غالبا أو عبر بها عنه ، وكسب الحيوان وعمله ، وهو مفتح وخزانة من خزائن الغيب . اهـ .
ثم ذكرت هنالك ما يرد على حصر المفاتح بهذه الخمس أو تخصيصها بالذكر ، وأجبت وفي العبارة شيء من الضعف ، وهي من القسم الذي لا يزال مسودة من ذلك الكتاب الذي كان أول تمرين لنا على التأليف والإنشاء ، فإننا لم نتعلم الإنشاء تعلما . وفي حاشيتها تعليق على كلمة " ومفتحه الأرحام غالبا " وجعل نحو دود الفاكهة والخل من غير الغالب بينا فيه ما ثبت عند المتأخرين من كون الحي لا يولد إلا من حي مثله ، فما كان يقال في بحث التولد الذاتي من تولد دود الفاكهة منها وكذا الخل ، وتولد الفأرة من التراب - كله باطل .