وأما أحاديث إثبات كون ، فمنها : ما رواه البسملة من الفاتحة عن البخاري قتادة قال : أنس " كيف كانت ؟ فقال كانت مدا ، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم . ويمد بالرحمن وبالرحيم قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - " . وروى عنه سئل من طريقين " الدارقطني " . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالبسملة
[ ص: 74 ] ومنها : أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : " كان يقطع قراءته آية آية : ( أم سلمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) رواه حديث أحمد وأبو داود بهذا اللفظ وغيرهما .
ومنها ما رواه وغيره عن النسائي . قال : " صليت وراء نعيم المجمر فقرأ أبي هريرة بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قرأ بأم القرآن " . وفيه يقول إذا سلم : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، قال : على شرط البخاري ومسلم وأقره الحافظ الذهبي . وقال البيهقي : صحيح الإسناد وله شواهد . وقال فيه : ثابت صحيح لا يتوجه عليه تعليل ، وروي عن أبو بكر الخطيب حديثان آخران بمعناه ، وثق بعضهم جميع رجالهما وتكلم بعضهم في بعضهم . أبي هريرة
ومنها : حديث علي - رضي الله عنه - سئل عن السبع المثاني فقال : ( الحمد لله رب العالمين ) قيل : إنما هي ست فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . ورواه وإسناده كلهم ثقات لم يطعنوا في أحد منهم ، وله حديثان آخران عنه وعن الدارقطني في إثبات جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبسملة في صلاته قد تكلموا في سندها . عمار بن ياسر
ومنها أنس : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " رواه حديث الحاكم وقال : ورواته عن آخرهم ثقات ، وأقره الحافظ الذهبي .
وقد أورد الشوكاني في نيل الأوطار هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها من الروايات الضعيفة الأسانيد الصحيحة المتون ، وذكر حمل الروايات الصحيحة من أحاديث النفي المعارضة لها على عدم الجهر بالبسملة من باب حمل المطلق على المقيد وهو ترك الجهر ، ثم قال :
" إذا كان محصل أحاديث نفي البسملة هو نفي الجهر بها ، فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت على نفيه . قال الحافظ - ابن حجر - لا بمجرد تقديم رواية المثبت على النافي - أي كما هي القاعدة - لأن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة عشر سنين ويصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين سنة فلا يسمع منهم الجهر بها في صلاة واحدة ، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم ، كأنه لبعد عهده به لم يذكر منه إلا الجزم بالافتتاح بالحمد لله جهرا ، فلم يستحضر الجهر بالبسملة ، فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر أ هـ .
أقول : وقد تقدم نص الرواية عنه بنسيان هذا الحكم آنفا فعد حديثه مضطربا لا يحتج به .
[ ص: 75 ] قال الحافظ بعد سرده روايات حديثه في الاستذكار : هذا الاضطراب لا تقوم معه حجة . وقد سئل عن ذلك ابن عبد البر أنس فقال : كبرت سني ونسيت . أ هـ
وقد روى في الكبير والأوسط في سبب ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للجهر بالبسملة في الصلاة عن الطبراني سعيد بن جبير " أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان المشركون يهزءون بمكاء وتصدية ، ويقولون : ابن عباس محمد يذكر إله اليمامة - وكان مسيلمة الكذاب يسمى رحمن - فأنزل الله ( ولا تجهر بصلاتك ) فتسمع المشركين فيهزءوا بك ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك فلا تسمعهم . وقد قال في مجمع الزوائد : إن رجاله موثقون . وقال عن . فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذكر الرسم وإن زالت العلة . وجمع به الحكيم الترمذي القرطبي بين الروايات .
وقال ابن القيم في زاد المعاد : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة ويخفتها أكثر مما جهر بها إلخ " . وهذا القول معقول ، وإذا صح أن سببه ما رواه واعتمده الطبراني القرطبي والنيسابوري يكون ترك الجهر في أول الإسلام والحكيم الترمذي بمكة وأوائل الهجرة ، والجهر فيما بعده ، وقد علمت ما في حديثي أنس وأبي قتادة المخالفين لهذا .