( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ) أي ألم يعلم أولئك التائبون من ذنبهم أن الله هو الذي يقبل توبة التائبين من عباده ، ولم يجعل ذلك لرسوله بله من دونه من خلقه ، فالاستفهام لتقرير ما دل عليه القرآن وكونه هو الذي حملهم على التوبة - أو ألم يعلم المؤمنون كافة هذا وهو مقتضى الإيمان وموجبه ؟ والاستفهام على هذا تحضيض على هذا العلم وما يستلزمه من التوبة . وقبول التوبة عنهم قيل : إنه بمعنى قبولها منهم ، نحو : لا صدقة إلا عن غنى ومن غنى ، وقيل : إن القبول هنا قد تضمن معنى التجاوز والصفح ، أي هو الذي يقبلها منهم متجاوزا عن ذنوبهم عفوا عنها وهذا أبلغ ( ويأخذ الصدقات ) أي يتقبلها بأنواعها ويثيب عليها ، ويعدها إقراضا له فيضاعف ثوابها ، بمقتضى وعده في مثل قوله : ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم ) ( 64 : 17 ) وقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) ( 2 : 245 ) فأخذ الصدقات له ثلاث صور ( أحدها ) أخذ [ ص: 27 ] الفقراء والمساكين وغيرهم إياها من المستحقين إياها من يد المتصدق ( الثانية ) أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في عهده والأئمة من بعده إياها لأجل وضعها في مصارفها التي أمر الله بها ( الثالثة ) أخذ الله عز وجل إياها وهو قبولها للإثابة عليها بالمضاعفة التي وعدها . وفي التعبير بأخذ الله تعالى بعد قوله للنبي : ( خذ من أموالهم صدقة ) تشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم - بكونه تعالى هو الذي يأخذ ما أمره بأخذه : ( وأن الله هو التواب الرحيم ) أي وأنه هو الذي يقبل التوبة بعد التوبة من كل مذنب يشعر بضرر ذنبه ، ويتوب عنه منيبا إلى ربه مهما يتكرر ذلك . ( الرحيم ) بالتائبين الذي يثيبهم . فصيغة المبالغة ( التواب ) تتحقق بكثرة التائبين وبتكرار التوبة من المذنب الواحد الذي يمنعه الخوف من ربه أن يصر على ذنبه ، كما قال تعالى في وصف المتقين : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) ( 3 : 135 ) وفي الحديث : " " . روى الشيخان من حديث ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة مرفوعا : ( ( أبي هريرة ) ) والحديث تمثيل لمضاعفته تعالى للصدقة المقبولة : ما تصدق أحدكم بصدقة من كسب حلال طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة ، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله
وهذه الجملة الاسمية المؤكدة بأن وبضمير الفصل ، الدالة على الحصر ، وما فيها من صيغة المبالغة بمعنى الكثرة من التوبة ، ومبالغة الصفة الراسخة من الرحمة تفيد أعظم البشرى للتائبين ، وأبلغ الترغيب في التوبة للمذنبين ، كما لا يخفى على المتدبرين .