( الركن الثالث للدين العمل الصالح )
وأما فهو مكرر في القرآن في سور كثيرة ; لإصلاح ما أفسده البشر فيه بجعله تقليديا غير مزك النفس ولا مصلح لشئون الاجتماع ، ولكن دون تكرار توحيد الله وتقديسه الذي هو الأصل الذي يتبعه ، ولولا الحاجة إلى هذا التكرار في التذكير والتأثير لكانت سورة العصر كافية في الإصلاح العلمي العملي على قصرها ، كسورة الإخلاص في الركن الأول الاعتقادي ، وكل منهما تكتب في سطر واحد ، فهما من معجزات إيجاز القرآن وهدايته . الركن الثالث من مقاصد بعثة الرسل وهو العمل الصالح
ثم إن العمل الصالح من لوازم الإيمان بالله في الدرجة الأولى ; لأن من عرف الله عرف استحقاقه للحمد والشكر والعبادة والحب والتعظيم ، وهو من لوازم الإيمان بالجزاء على الأعمال في الدرجة الثانية خوفا من العقاب ورجاء في الثواب .
ويدخل في الأعمال الصالحة العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى ، وسائر أعمال البر التي ترضيه بما لها من التأثير في صلاح البشر كبر الوالدين ، وصلة الرحم ، وإكرام اليتامى والمساكين . ومن أصوله الوصايا الجامعة في آيات سورة الإسراء : ( وقضى ربك ) إلى قوله : ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ) ( 17 : 23 - 39 ) إلخ وهي أجمع وأعظم من الوصايا العشر التي في التوراة . وآيات سورة الأنعام : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) ( 6 : 151 ) إلخ . وغير ذلك مما ينفع الناس من الحث على الفضائل ، والزجر عن الرذائل والمعاصي الضارة [ ص: 178 ] بالأبدان والأموال والأعراض والعقول والأديان ، ومثارها الأكبر اتباع الهوى وطاعة وسوسة الشيطان . ويضمدهما ملكة التقوى ، فهي اسم جامع لما يقي النفس من كل ما يدنسها وتسوء به عاقبتها في الدنيا أو الآخرة ولهذا تذكر في المسائل الدينية والزوجية والحربية وغيرها وقد فصلنا هذا في ( ص 538 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ) ولا حاجة إلى التطويل بالشواهد على ما في القرآن منها .
وسنة القرآن في الإرشاد إلى الأعمال الصالحة بيان أصولها ومجامعها ، وتكرار التذكير بها بالإجمال ، وأكثر ما يحث عليه من العبادات الصلاة التي هي العبادة الروحية العليا والاجتماعية المثلى ، والزكاة التي هي العبادة المالية الاجتماعية الكبرى ، كرر الأمر بهما في آيات كثيرة وبين أهم منافعهما بقوله : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) ( 29 : 45 ) وقوله : ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين ) ( 70 : 19 - 26 ) الآيات ، وقوله : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ( 9 : 103 ) .
ولم يكرر ما يحفظ بالعمل والاقتداء بالرسول من أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج بل لم يذكر منها إلا لما لذكره فائدة خاصة ، وذكرت فيه أحكام الصيام في موضع واحد ولم يذكر فيه عدد الركعات في كل صلاة ولا عدد الركوع والسجود ، ولا نصاب الزكاة في كل نوع مما تجب فيه ; لأن كل هذا يؤخذ من بيان الرسول ويحفظ بالعمل ، وليس في ذكره تزكية للنفس ولا تغذية للإيمان .