المقصد العاشر من فقه القرآن تحرير الرقبة
إن استرقاق الأقوياء للضعفاء قديم في شعوب البشر ، بل هو معهود في الحشرات التي تعيش عيشة الاجتماع والتعاون أيضا كالنمل ، فإذا حاربت قرية منه أخرى فظفرت بها وانتصرت عليها فإنها تأسر ما سلم من القتال وتستعبده في خدمة الظافر من البناء وجمع المئونة وخزنها في مخازنها وغير ذلك .
كانت شعوب الحضارة القديمة من المصريين والبابليين والفرس والهنود واليونان والروم والعرب وغيرها تتخذ الرقيق وتستخدمه في أشق الأعمال ، وتعامله بمنتهى القسوة والظلم ، وقد أقرته الديانتان اليهودية والنصرانية ، وظل الرقيق مشروعا عند الإفرنج إلى أن حررت الولايات الأميريكية المتحدة رقيقها في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، وتلتها إنكلتره باتخاذ الوسائل لمنعه من العالم كله في أواخر القرن التاسع عشر ، ولم يكن عمل كل منهما خالصا لمصلحة البشر وجنوحا للمساواة بينهم ، فإن الأولى لا تزال تفضل الجنس الأبيض الأوربي المتغلب على الجنس الأحمر الوطني الأصلي بما يقرب من الاستعباد السياسي المباح عند جميع الإفرنج للشعوب ، كما أن إنكلتره تحتقر الهنود وتستذلهم ولكن النهضة الهندية في هذا العهد قد خفضت من غلوائهم ، وطامنت من إشناق كبريائهم .
فلما ظهر الإسلام ، وأشرق نوره الماحي لكل ظلام ، كان مما أصلحه من فساد الأمم إبطال ظلم الرقيق وإرهاقه ، ووضع الأحكام لإبطال الرق بالتدريج السريع ، إذ كان إبطاله دفعة واحدة متعذرا في نظام الاجتماع البشري من الناحيتين : ناحية مصالح السادة المسترقين ، وناحية معيشة الأرقاء المستعبدين .
فإن الولايات المتحدة لما حررت رقيقها كان بعضهم يضرب في الأرض يلتمس وسيلة للرزق فلا يجدها ، فيحور إلى سادته يرجو منهم العود إلى خدمتهم كما كان .
وكذلك جرى في السودان المصري ، فقد جرب الحكام من الإنكليز أن يجدوا لهم رزقا بعمل يعملونه مستقلين فيه مكتفين به فلم يمكن ، فاضطروا إلى الإذن لهم بالرجوع إلى خدمة الرق السابقة ، بيد أنها لا تسمح للمخدومين ببيعهم والاتجار بهم .