[ ص: 237 ] هداية الإسلام في تحرير الرقيق وأحكامه
قد شرع الله تعالى لإبطال الرق طريقتين : عدم تجديد الاسترقاق في المستقبل ، وتحرير الرقيق القديم بالتدريج الذي لا ضرر ولا ضرار فيه .
( الطريقة الأولى ) إلا استرقاق الأسرى والسبايا في الحرب ، التي اشترط فيها ما تقدم بيانه من دفع المفاسد وتقرير المصالح ومنع الاعتداء ومراعاة العدل والرحمة وهي شروط لم تكن قبله مشروعة عند المليين ، ولا عند أهل الحضارة فضلا عن المشركين الذين لا شرع لهم ولا قانون ، ولست أعني بالاستثناء أن الله تعالى شرع لنا من هذا النوع من الاسترقاق كل ما كانت الأمم تفعله معاملة لهم بالمثل ، بل شرع لأولي الأمر من المسلمين مراعاة المصلحة للبشر في إمضائه أو إبطاله بأن خيرهم في أسرى الحرب الشرعية بين المن عليهم بالحرية ، والفداء بهم ، وهو نوعان : فداء المال ، وفداء الأنفس ، إذا كان لنا أسارى أو سبي عند قومهم ، وذلك قوله تعالى الذي أوردناه في قواعد الحرب : ( منع الإسلام جميع ما كان عليه الناس من استرقاق الأقوياء للضعفاء فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ) ( 47 : 4 ) ولما كنا مخيرين فيهم بين إطلاقهم بغير مقابل والفداء بهم ، جاز أن يعد هذا أصلا شرعيا لإبطال استئناف الاسترقاق في الإسلام ؛ فإن ظاهر التخيير بين هذين الأمرين أن الأمر الثالث الذي هو الاسترقاق غير جائز ، لو لم يعارضه أنه هو الأصل المتبع عند جميع الأمم ، فمن أكبر المفاسد والضرر أن يسترقوا أسرانا ونطلق أسراهم ونحن أرحم بهم وأعدل كما يعلم مما يأتي . ولكن الآية ليست نصا في الحصر ، ولا صريحة في النهي عن الأصل ، فكانت دلالتها على تحريم الاسترقاق مطلقا غير قطعية ، فبقي حكمه محل اجتهاد أولي الأمر ، إذا وجدوا المصلحة في إبقائه أبقوه ، وإذا وجدوا المصلحة في ترجيح المن عليهم بالحرية - وهو إبطال اختياري له - أو الفداء بهم عملوا به .