(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215nindex.php?page=treesubj&link=28973_18012_13023_33313يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم )
قلنا في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ( 2 : 172 ) إلخ . إن ما تقدم من أول السورة إلى تلك الآية كان في القرآن والرسالة ، وإن تلك الآية وما بعدها إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=243ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ) ( 2 : 243 ) في سرد الأحكام العملية ، ثم أشرنا إلى هذا بعد ذلك وقلنا : إنه لا حاجة إلى التناسب بين كل آية وما يتصل بها ، ويظهر هذا أتم الظهور إذا كانت الأحكام المسرودة أجوبة لأسئلة وردت ، أو كان من شأنها أن ترد للحاجة إلى معرفة حكمها كهذه الآية ، على أن ما تقدم من بيان التحام آيات القرآن والتئامها غريب ، حتى في سرد الأحكام التي يظهر بادي الرأي أن لا تناسب بينها . فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215يسألونك ماذا ينفقون ) إلخ ، متصل بما قبله في المغزى; فإن الآيات السابقة دلت على أن حب الناس لزينة الحياة الدنيا هو الذي أغراهم بالشقاق والخلاف ، وأن أهل الحق والدين هم الذين يتحملون البأساء والضراء في سبيل الله وابتغاء مرضاته ، ومنها ما يصيبهم في أنفسهم وأموالهم ، وذلك مما يرغب الإنسان في الإنفاق في سبيل
[ ص: 245 ] الله ، وبذل المال كبذل النفس كلاهما من آيات الإيمان ، فكأن السامع لما تقدم تتوجه نفسه إلى البذل فيسأل عن طريقه ، فجاء بعده السؤال مقرونا بالجواب .
وقد ورد في أسباب النزول أن السؤال وقع بالفعل ؛ أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : سأل المؤمنون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين يضعون أموالهم فنزلت الآية ، وأخرج
ابن المنذر عن
أبي حيان أن nindex.php?page=showalam&ids=5899عمرو بن الجموح سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها ؟ فنزلت . قال بعض المفسرين : إن هذا من رواية
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقال غيره : إنها من رواية
الكلبي عنه وهي واحدة . قالوا : إنها أوهى الروايات عنه . وعن
عطاء عنه : أنها نزلت في
nindex.php?page=hadith&LINKID=918752رجل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن لي دينارا فقال : ( ( أنفقه على نفسك ) ) قال : إن لي دينارين ، قال : ( ( أنفقهما على أهلك ) ) قال : إن لي ثلاثة ، قال : ( ( أنفقها على خادمك ) ) قال إن لي أربعة ، قال : ( ( أنفقها على والديك ) ) قال : إن لي خمسة ، قال : ( ( أنفقها على قرابتك ) ) قال : إن لي ستة ، قال : ( ( أنفقها في سبيل الله تعالى ) ) هكذا أورد الحديث بعض المفسرين ، وهو عند
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بسياق آخر; وهو
nindex.php?page=hadith&LINKID=918753أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ( تصدقوا ) ) فقال رجل : عندي دينار ، قال : ( ( تصدق به على نفسك ) ) قال : عندي دينار آخر ، قال : ( ( تصدق به على زوجك ) ) قال : عندي دينار آخر ، قال : ( ( تصدق به على ولدك ) ) قال عندي دينار آخر ، قال : ( ( تصدق به على خادمك ) ) قال : عندي دينار آخر ، قال : ( ( أنت أبصر به ) ) ورواه
أبو داود ولكنه قدم الولد على الزوجة ، ورواه أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والحاكم ولم يذكروا أن ذلك كان سبب نزول الآية .
وقد زعم كثير من المفسرين أن الجواب غير مطابق للسؤال; لأنه بيان لمن ينفق عليه لا لما ينفق ، وخرجوها على أسلوب الحكيم ، كأنه قال : إنه ينبغي السؤال عمن ينفق عليه لا عن جنس ما ينفق أو نوعه ، وليس ما قالوا بصواب; فإن جعل السؤال بـ ( ( ما ) ) خاصا بالسؤال عن الماهية والحقيقة من اصطلاح علماء المنطق لا من أساليب العربية . قال الأستاذ الإمام : ليس المراد السؤال عن جنس ما ينفق أو نوعه من ذهب أو فضة أو بر أو شعير، وإنما السؤال عن كيفية الإنفاق وتوجيهه إلى الأحق به ، وذلك مفهوم لكل عربي ، وليس أسلوب القرآن جاريا على مذهب
أرسطو في منطقه وإنما هو بلسان عربي مبين ، وسبق القفال إلى بيان ذلك فقال : إنه وإن كان السؤال واردا بلفظ ( ( ما ) ) إلا أن المقصود السؤال عن الكيفية; لأنهم كانوا عالمين أن الذي أمروا به إنفاق مال يخرج قربة إلى الله تعالى ، وإذا كان هذا معلوما لم ينصرف الوهم إلى أن ذلك المال أي شيء هو ؟ وإذا خرج هذا عن أن يكون مرادا تعين أن المطلوب بالسؤال مصرفه أي شيء هو ؟ حينئذ يكون الجواب مطابقا للسؤال ،
[ ص: 246 ] ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ) ( 2 : 70 ، 71 ) إلخ . وإنما كان الجواب موافقا لذلك السؤال; لأنه كان من المعلوم أن البقرة هي البهيمة التي نشأتها وصفتها كذا فقوله : ( ما هي ) لا يمكن حمله على طلب الماهية ، فتعين أن يكون المراد منه طلب الصفة التي بها تتميز تلك البقرة عن غيرها ، فبهذا الطريق قلنا : إن الجواب مطابق لذلك السؤال ، فكذا هاهنا; لما علمنا أنهم كانوا عالمين بأن الذي أمروا بإنفاقه ما هو ، وجب أن يقطع بأن مرادهم من قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215ماذا ينفقون ) ليس هو طلب الماهية بل طلب المصرف ، فلهذا حسن هذا الجواب . اهـ .
وقيل : إن السؤال كان عن الأمرين - ما ينفق وأين ينفق - كما في بعض الروايات ، فذكر في إيراده عنهم الأول وحذف الثاني للعلم به ودلالة الجواب عليه ، فإنه ذكر فيه الأمرين وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215قل ما أنفقتم من خير ) وهذا هو المنفق . والخير هو المال ، وتقدم في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا الوصية للوالدين ) ( 2 : 180 ) أن الأكثرين قيدوه بالكثير ، ولكن قوله هنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215من خير ) يعم القليل والكثير لدخول ( من ) التبعيضية عليه وتنكيره ، وقال بعضهم : إن التعبير عن المال بالخير يتضمن كونه حلالا ، فكأنه قال : إن الإنفاق والتصدق يكون من فضل المال الكثير الحلال الطيب ، وأما بيان المصرف فهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ) قدم الوالدين لمكانتهما ، وفسروا الأقربين بالأولاد وأولادهم . ولا شك أن أقرب الناس إلى المرء أولاده إن وجدوا ، وإلا كان أقربهم إليه بعد والديه إخوته ، وما اختير لفظ الأقربين هنا إلا لبيان أن العلة في التقديم القرابة، فمن كان أقرب كان أحق بالتقديم . وكأن الذين حملوا لفظ الأقربين على الأولاد خاصة أرادوا جعل الآية للنفقة الواجبة في الفقه ، وهي تجب للوالدين والأولاد عند الحاجة بالإجماع ، والنفقة في الآية أعم ، وهؤلاء اليتامى والمساكين لا يجب على فرد معين من المكلفين الإنفاق على يتيم أو مسكين معين منهم من حيث إنه يتيم أو مسكين ، ولكنهم أحق بالصدقة المفروضة والمندوبة بعد الأقربين ، فالآية عامة في النفقة وأحق الناس بها . ومن أغرب ما قيل فيها زعم بعضهم أنها منسوخة بآية المواريث ، كأنها اشتبهت عليهم بآية الوصية للوالدين والأقربين على أن دعوى النسخ هناك لم تسلم لهم، فكيف بها هنا وقد ردها عليهم الجماهير ؟
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215وما تفعلوا من خير ) كالإنفاق في موضعه بتقديم الأحق فالأحق به ممن ذكر ، وهو ما يوجد في كل زمان ومكان ، وممن لم يذكر في هذه الآية وذكر في غيرها ، كالرجل تعرض له الحاجة فتدفعه إلى السؤال - لا من يتخذ السؤال حرفة وهو قادر على
[ ص: 247 ] الكسب - وكالمكاتب يساعد على أداء نجومه ، وكغير الإنفاق من أعمال الخير (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215فإن الله به عليم ) لا يغيب عنه فينسى الجزاء والمثوبة عليه، بل يجزي به مضاعفا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215nindex.php?page=treesubj&link=28973_18012_13023_33313يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )
قُلْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ( 2 : 172 ) إِلَخْ . إِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى تِلْكَ الْآيَةِ كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَالرِّسَالَةِ ، وَإِنَّ تِلْكَ الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=243أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ) ( 2 : 243 ) فِي سَرْدِ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ ، ثُمَّ أَشَرْنَا إِلَى هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقُلْنَا : إِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّنَاسُبِ بَيْنَ كُلِّ آيَةٍ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا ، وَيَظْهَرُ هَذَا أَتَمَّ الظُّهُورِ إِذَا كَانَتِ الْأَحْكَامُ الْمَسْرُودَةُ أَجْوِبَةً لِأَسْئِلَةٍ وَرَدَتْ ، أَوْ كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَرِدَ لِلْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا كَهَذِهِ الْآيَةِ ، عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِ الْتِحَامِ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَالْتِئَامِهَا غَرِيبٌ ، حَتَّى فِي سَرْدِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَظْهَرُ بَادِيَ الرَّأْيِ أَنْ لَا تَنَاسُبَ بَيْنَهَا . فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ) إِلَخْ ، مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ فِي الْمَغْزَى; فَإِنَّ الْآيَاتِ السَّابِقَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ حُبَّ النَّاسِ لِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي أَغْرَاهُمْ بِالشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ ، وَأَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ وَالدِّينِ هُمُ الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الْبَأْسَاءَ وَالضَّرَّاءَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ ، وَمِنْهَا مَا يُصِيبُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَذَلِكَ مِمَّا يُرَغِّبُ الْإِنْسَانَ فِي الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ
[ ص: 245 ] اللَّهِ ، وَبَذْلُ الْمَالِ كَبَذْلِ النَّفْسِ كِلَاهُمَا مِنْ آيَاتِ الْإِيمَانِ ، فَكَأَنَّ السَّامِعَ لِمَا تَقَدَّمَ تَتَوَجَّهُ نَفْسُهُ إِلَى الْبَذْلِ فَيَسْأَلُ عَنْ طَرِيقِهِ ، فَجَاءَ بَعْدَهُ السُّؤَالُ مَقْرُونًا بِالْجَوَابِ .
وَقَدْ وَرَدَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ بِالْفِعْلِ ؛ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ ، وَأَخْرَجَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ
أَبِي حَيَّانَ أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=5899عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَاذَا نُنْفِقُ مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَيْنَ نَضَعُهَا ؟ فَنَزَلَتْ . قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ
أَبِي صَالِحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ
الْكَلْبِيِّ عَنْهُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ . قَالُوا : إِنَّهَا أَوْهَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ . وَعَنْ
عَطَاءٍ عَنْهُ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=918752رَجُلٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنَّ لِي دِينَارًا فَقَالَ : ( ( أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ ) ) قَالَ : إِنَّ لِي دِينَارَيْنِ ، قَالَ : ( ( أَنْفِقْهُمَا عَلَى أَهْلِكَ ) ) قَالَ : إِنَّ لِي ثَلَاثَةً ، قَالَ : ( ( أَنْفِقْهَا عَلَى خَادِمِكَ ) ) قَالَ إِنَّ لِي أَرْبَعَةً ، قَالَ : ( ( أَنْفِقْهَا عَلَى وَالِدَيْكَ ) ) قَالَ : إِنَّ لِي خَمْسَةً ، قَالَ : ( ( أَنْفِقْهَا عَلَى قَرَابَتِكَ ) ) قَالَ : إِنَّ لِي سِتَّةً ، قَالَ : ( ( أَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ) ) هَكَذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَهُوَ عِنْدُ
أَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ بِسِيَاقٍ آخَرَ; وَهُوَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=918753أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : ( ( تَصَدَّقُوا ) ) فَقَالَ رَجُلٌ : عِنْدِي دِينَارٌ ، قَالَ : ( ( تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ ) ) قَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : ( ( تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجِكَ ) ) قَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : ( ( تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ ) ) قَالَ عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : ( ( تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ ) ) قَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : ( ( أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ ) ) وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ .
وَقَدْ زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلسُّؤَالِ; لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ لَا لِمَا يُنْفَقْ ، وَخَرَّجُوهَا عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّهُ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ لَا عَنْ جِنْسِ مَا يُنْفِقُ أَوْ نَوْعِهِ ، وَلَيْسَ مَا قَالُوا بِصَوَابٍ; فَإِنَّ جَعْلَ السُّؤَالِ بِـ ( ( مَا ) ) خَاصًّا بِالسُّؤَالِ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَالْحَقِيقَةِ مِنِ اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ الْمَنْطِقِ لَا مِنْ أَسَالِيبِ الْعَرَبِيَّةِ . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : لَيْسَ الْمُرَادُ السُّؤَالَ عَنْ جِنْسِ مَا يُنْفَقُ أَوْ نَوْعِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، وَإِنَّمَا السُّؤَالُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْإِنْفَاقِ وَتَوْجِيهِهِ إِلَى الْأَحَقِّ بِهِ ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ لِكُلِّ عَرَبِيٍّ ، وَلَيْسَ أُسْلُوبُ الْقُرْآنِ جَارِيًا عَلَى مَذْهَبِ
أَرِسْطُو فِي مَنْطِقِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ، وَسَبَقَ الْقَفَّالُ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ وَارِدًا بِلَفْظِ ( ( مَا ) ) إِلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ السُّؤَالُ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ أَنَّ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ إِنْفَاقُ مَالٍ يَخْرُجُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْلُومًا لَمْ يَنْصَرِفِ الْوَهْمُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ؟ وَإِذَا خَرَجَ هَذَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا تَعَيَّنَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالسُّؤَالِ مَصْرَفُهُ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ؟ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ ،
[ ص: 246 ] وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ ) ( 2 : 70 ، 71 ) إِلَخْ . وَإِنَّمَا كَانَ الْجَوَابُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ السُّؤَالِ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْبَقَرَةَ هِيَ الْبَهِيمَةُ الَّتِي نَشْأَتُهَا وَصِفَتُهَا كَذَا فَقَوْلُهُ : ( مَا هِيَ ) لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى طَلَبِ الْمَاهِيَّةِ ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ طَلَبَ الصِّفَةِ الَّتِي بِهَا تَتَمَيَّزُ تِلْكَ الْبَقَرَةُ عَنْ غَيْرِهَا ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ قُلْنَا : إِنَّ الْجَوَابَ مُطَابِقٌ لِذَلِكَ السُّؤَالِ ، فَكَذَا هَاهُنَا; لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ الَّذِي أُمِرُوا بِإِنْفَاقِهِ مَا هُوَ ، وَجَبَ أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215مَاذَا يُنْفِقُونَ ) لَيْسَ هُوَ طَلَبُ الْمَاهِيَّةِ بَلْ طَلَبُ الْمَصْرَفِ ، فَلِهَذَا حَسُنَ هَذَا الْجَوَابُ . اهـ .
وَقِيلَ : إِنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنِ الْأَمْرَيْنِ - مَا يُنْفَقُ وَأَيْنَ يُنْفَقُ - كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ، فَذَكَرَ فِي إِيرَادِهِ عَنْهُمُ الْأَوَّلَ وَحَذَفَ الثَّانِيَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَدَلَالَةِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ) وَهَذَا هُوَ الْمُنْفَقُ . وَالْخَيْرُ هُوَ الْمَالُ ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ ) ( 2 : 180 ) أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَيَّدُوهُ بِالْكَثِيرِ ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ هُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215مِنْ خَيْرٍ ) يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ لِدُخُولِ ( مِنْ ) التَّبْعِيضِيَّةِ عَلَيْهِ وَتَنْكِيرِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ التَّعْبِيرَ عَنِ الْمَالِ بِالْخَيْرِ يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ حَلَالًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْإِنْفَاقَ وَالتَّصَدُّقَ يَكُونُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ الْكَثِيرِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ ، وَأَمَّا بَيَانُ الْمَصْرَفِ فَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) قَدَّمَ الْوَالِدَيْنِ لِمَكَانَتِهِمَا ، وَفَسَّرُوا الْأَقْرَبِينَ بِالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ . وَلَا شَكَّ أَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى الْمَرْءِ أَوْلَادُهُ إِنْ وُجِدُوا ، وَإِلَّا كَانَ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ بَعْدَ وَالِدَيْهِ إِخْوَتَهُ ، وَمَا اخْتِيرَ لَفْظُ الْأَقْرَبِينَ هُنَا إِلَّا لِبَيَانِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي التَّقْدِيمِ الْقَرَابَةُ، فَمَنْ كَانَ أَقْرَبَ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ . وَكَأَنَّ الَّذِينَ حَمَلُوا لَفْظَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْأَوْلَادِ خَاصَّةً أَرَادُوا جَعْلَ الْآيَةِ لِلنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْفِقْهِ ، وَهِيَ تَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالنَّفَقَةُ فِي الْآيَةِ أَعَمُّ ، وَهَؤُلَاءِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ لَا يَجِبُ عَلَى فَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ الْإِنْفَاقُ عَلَى يَتِيمٍ أَوْ مِسْكِينٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَتِيمٌ أَوْ مِسْكِينٌ ، وَلَكِنَّهُمْ أَحَقُّ بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ بَعْدَ الْأَقْرَبِينَ ، فَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي النَّفَقَةِ وَأَحَقِّ النَّاسِ بِهَا . وَمِنْ أَغْرَبِ مَا قِيلَ فِيهَا زَعْمُ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ ، كَأَنَّهَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ بِآيَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ عَلَى أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ هُنَاكَ لَمْ تَسْلَمْ لَهُمْ، فَكَيْفَ بِهَا هُنَا وَقَدْ رَدَّهَا عَلَيْهِمُ الْجَمَاهِيرُ ؟
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) كَالْإِنْفَاقِ فِي مَوْضِعِهِ بِتَقْدِيمِ الْأَحَقِّ فَالْأَحَقِّ بِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ ، وَهُوَ مَا يُوجَدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، وَمِمَّنْ لَمْ يُذْكَرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَذُكِرَ فِي غَيْرِهَا ، كَالرَّجُلِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ فَتَدْفَعُهُ إِلَى السُّؤَالِ - لَا مَنْ يَتَّخِذُ السُّؤَالَ حِرْفَةً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى
[ ص: 247 ] الْكَسْبِ - وَكَالْمُكَاتَبِ يُسَاعَدُ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِهِ ، وَكَغَيْرِ الْإِنْفَاقِ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) لَا يَغِيبُ عَنْهُ فَيَنْسَى الْجَزَاءَ وَالْمَثُوبَةَ عَلَيْهِ، بَلْ يَجْزِي بِهِ مُضَاعَفًا .