[ ص: 81 ]
ورد في الحديث المرفوع تفسير ( استدراك على تفسير المغضوب عليهم والضالين المغضوب عليهم ) باليهود ، و ( الضالين ) بالنصارى ، رواه أحمد وحسنه والترمذي وصححه غيرهم ، ونقلنا عن شيخنا الأستاذ الإمام ( ص 55 ) عزوه إلى بعضهم ، أي بعض المفسرين وهو يريد أن بعض المفسرين اختار أن هذا هو المعنى المراد ، وهو لم يكن يجهل أن هذا روي مرفوعا ، ولكنه كان يعلم ـ مع هذا ـ أن أكثر المفسرين فسروا اللفظين بما يدلان عليه لغة حتى بعض ابن حبان أهل الحديث منهم ، وكأنهم لم يروا أن الحديث صحيح ، فقد قال البغوي الملقب بمحيي السنة في تفسيره ( معالم التنزيل ) بعد تفسيرهما بمدلولهما اللغوي ، " قيل : المغضوب عليهم هم اليهود ، والضالون هم النصارى ؛ لأن الله تعالى حكم على اليهود بالغضب فقال : ( من لعنه الله وغضب عليه ) وحكم على النصارى بالضلال فقال : ( ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ) وقال غير المغضوب عليهم بالبدعة ، ولا الضالين عن السنة ا هـ . سهل بن عبد الله :
فعبر عن هذا القول بقيل الدال على ضعفه عنده ولم يستدل عليه بالحديث .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : غير صراط المغضوب عليهم ، وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ، ولا صراط الضالين ، وهم الذين فقدوا العلم ، فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ، وأكد الكلام بـ " لا " ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين وهما : طريقة اليهود والنصارى . ا هـ .
وبعد كلام طويل في إعراب " غير " و " لا " إنما جيئ بـ " لا " لتأكيد النفي لئلا يتوهم أنه معطوف على ( الذين أنعمت عليهم ) وللفرق بين الطريقتين لتجتنب كل واحدة منهما ، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل بالحق والعمل به ، واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم ، ولهذا كان الغضب لليهود ، والضلال للنصارى ـ واستشهد بالآيتين اللتين استشهد بهما البغوي ، ثم ذكر الحديث ورواياته وهو عند أحمد وكذا والترمذي من طريق ابن حبان عن سماك بن حرب ، قال عدي بن حاتم الترمذي ، حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه ، وسماك ضعفه جماعة ووثقه آخرون ، واتفقوا على أنه تغير في آخر عمره بل خرف ، فما رواه في هذه الحال فلا جدال في رده بالاتفاق ، وأخرجه [ ص: 82 ] ابن مردويه عن أبي ذر أيضا بسند ، قال الحافظ في الفتح ، إنه حسن ، وقال : إنه لا يعرف في تفسيرهما بما ذكر خلافا يعني المأثور ، ومع هذا نقول : إن ما ذكره المحققون من الوجوه الأخرى لا يعد مخالفة للمأثور الذي هو من قبيل تفسير العام ببعض أفراده ، من قبيل التمثيل لا التخصيص ، ولا الحصر بالأولى . ابن أبي حاتم