وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
والنوم معروف لكل أحد وإن اختلف تعريفه من جهة بيان سببه . قال البيضاوي :
" والنوم حال يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأسا " وهو قول الأطباء المتقدمين . وللمتأخرين أقوال أخرى مختلفة سنشير إلى بعضها . قيل : كان الظاهر أن ينفي النوم أولا والسنة بعده على طريق الترقي . وأجيب بأن ما في النظم جاء على حسب الترتيب الطبيعي في الوجود ، فنفى ما يعرض أولا ثم ما يتبعه . وقد قال : لا تأخذه دون " لا تعرض له أو لا تطرأ عليه " مراعاة للواقع في الوجود فإن السنة والنوم يأخذان الحيوان عن نفسه أخذا ، ويستوليان عليه استيلاء .
[ ص: 26 ] وقال الأستاذ الإمام : إن ما ذكر في النظم الكريم ترق في نفي هذا النقص ، ومن قال بعدم الترقي فقد غفل عن معنى الأخذ وهو الغلب والاستيلاء ، ومن لا تغلبه السنة قد يغلبه النوم لأنه أقوى ، فذكر النوم بعد السنة ترق من نفي الأضعف إلى نفي الأقوى . والجملة تأكيد لما قبلها مقررة لمعنى الحياة والقيومية على أكمل وجه ; فإن من تأخذه السنة والنوم يكون ضعيف الحياة وضعيف القيام بنفسه أو على غيره .
أقول : ويظهر هذا على رأي المتأخرين في سبب النوم أكمل الظهور وإن كان بديهيا في نفسه ، فإنهم يقولون : إن النوم عبارة عن بطلان عمل المخ بسبب ما تولده الحركة من السموم الغازية المؤثرة في العصب ، وقيل : بسبب ما تفرزه الحويصلات العصبية من الماء الكثير بالفعل الكيماوي وقت العمل ، فكثرة هذا الماء تضعف قابلية التأثر فيها فتحدث فيها الفتور فيكون النوم ، ويستمر إلى أن يتبخر ذلك الماء ، وعند ذلك تتنبه الأعصاب ويرجع إليها تأثرها وإدراكها ، فسبب النوم أمر جسماني محض ، والله - تعالى - منزه عن صفات الأجسام وعوارضها .